
نيوزويك، 12 ديسمبر 2009
ربما تكون أمريكا قد انتصرت في الحرب الباردة، وتخطت هجمات 11 سبتمبر، لكن ضعفها الاقتصادي الحالي يهدد نفوذها العالمي.
مجلة نيوزويك تناولت بالتحليل هذه الأزمة التي تواجه الولايات المتحدة، من خلال موضوع غلافها الأخير الذي حمل عنوان (إمبراطورية في خطر) للكاتب "نيل فيرغسون" و هو أستاذ في التاريخ بجامعة هارفارد، وحاصل على منحة لورانس أيه تيش، ومؤلف كتاب (تعاظم أهمية المال).
يمكن تسمية ذلك بالهندسة العشرية للأزمة المالية. إذا حلقنا فوق المحيط الأطلسي في يوم صاف ونظرنا إلى الأسفل، يمكننا رؤية الظاهرة نفسها لكن على أربعة نطاقات مختلفة كليا. فمن جهة هناك آيسلندا الصغيرة. ومن ثم هنالك أيرلندا الأكبر حجما بقليل، تليها بريطانيا المتوسطة الحجم. وكلها أصغر بكثير من الولايات المتحدة الجبارة. لكن في كل منها، اتخذت الأزمة الاقتصادية الشكل نفسه: أزمة مصرفية ضخمة، تتبعها أزمة مالية ضخمة بالقدر نفسه مع تدخل الحكومة لإنقاذ النظام المالي الخاص.
للحجم أهمية بالطبع. بالنسبة إلى البلدان الأصغر، فإن الخسائر المالية المتأتية من هذه الأزمة أكبر بكثير مما هي في الولايات المتحدة إن قارناها بناتجها المحلي الإجمالي. لكن الرهانات أكبر في أمريكا. بشكل عام وبصراحة فإن ترنح آيسلندا أو أيرلندا على شفير الهاوية المالية ليس مهما. السكان المحليون يتألمون غير أن العالم يمضي قدما كالعادة.
لكن إذا انهارت الولايات المتحدة تحت وطأة أزمة مالية، وهو أمر يخشاه عدد متزايد من الخبراء الماليين، فقد يؤدي ذلك إلى تغير في موازين القوى الاقتصادية العالمية بكاملها.
وتشير المجلة إلى توقعات مكتب الميزانية في الكونغرس بأن ترتفع قيمة خدمة الدين من خلال دفع الفوائد من 8 بالمائة من الإيرادات عام 2009 إلى 17 بالمائة بحلول عام 2019، حتى وإن بقيت معدلات الفائدة متدنية واستعادَ النمو زخمه.
من السهل جدا أن يجد المرء نفسه في حلقة مفرغة تتضاءل فيها المصداقية. وبالتالي لا يعود المستثمرون يؤمنون بقدرتك على تسديد ديونك، فيفرضون فوائد أعلى عليها، مما يجعل وضعك أسوأ.
هكذا تنهار الإمبراطوريات. يبدأ الأمر بتفاقم الديون. وينتهي بتخفيض مُطَّرِد في الموارد المتوفرة للجيش وسلاح البحرية وسلاح الجو. ولهذا السبب، الناخبون محقون في قلقهم بشأن أزمة الديون الأمريكية. ووفقا لتقرير حديث أصدرته شركة "رازموسين"، فإن 42 بالمائة من الأمريكيين يقولون الآن إن تخفيض العجز إلى النصف بحلول نهاية الولاية الأولى للرئيس يجب أن يكون على رأس أولويات الإدارة, وهذه النسبة أعلى بكثير من الـ24 بالمائة من الناس الذين يعتبرون أن إصلاح نظام الرعاية الصحية هو الأولوية القصوى. لكن تخفيض العجز إلى النصف ليس كافيا بكل بساطة. وإذا لم تتوصل الولايات المتحدة قريبا إلى خطة معقولة لإعادة الميزانية الفيدرالية إلى حالة توازن خلال السنوات الخمس إلى الـ10 المقبلة، سيكون هناك خطر حقيقي من أن تؤدي أزمة الديون إلى تضاؤل قوة أمريكا إلى حد كبير.
هناك سوابق تاريخية تؤكد ذلك. لقد تخلفت إسبانيا في عهد سلالة هابسبورغ عن تسديد كل ديونها أو جزء منها 14 مرة بين عامي 1557 و1696، وعانت أيضا التضخم بسبب التدفق المفرط للفضة من العالم الجديد. وكانت فرنسا في الفترة السابقة للثورة تنفق 62 بالمائة من الإيرادات الملكية على خدمة الدين قبل عام 1788. وقد لقيت الإمبراطورية العثمانية المصير نفسه: فنسبة دفع الفوائد وخدمة الدين ارتفعت من 15 بالمائة من الميزانية عام 1860 إلى 50 بالمائة عام 1875. ويجب ألا ننسى الإمبراطورية الإنجليزية العظيمة الأخيرة. ففي الفترة الفاصلة بين الحروب، كانت الفوائد تستهلك 44 بالمائة من الميزانية البريطانية، مما جعل إعادة تسلحها في وجه التهديد الألماني الجديد أمرا شديد الصعوبة.
هذه هي الحسابات الفتاكة التي تؤدي إلى انهيار الإمبراطوريات. ومن دون إصلاحات مالية جذرية، قد تلقى أمريكا المصير نفسه أيضا.
No comments:
Post a Comment