برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Tuesday, December 30, 2008

حلٌّ بـ 4,000,000,000,000 دولار


نيوزويك، 23 ديسمبر 2008


"حتى تريليونات الدولارات التي أُنفِقت إلى الآن لا تبطِّئ الانهيار السريع للاقتصاد العالمي. الحل يكمن في إنفاق تريليونات إضافية وبصورة سريعة".. حقيقة مُرَّة رصدتها مجلة نيوزويك، في معرض حديثها عن جهود الإنقاذ المالي، التي بات واضحًا بشكل مخيف أنها غير مجدية على الإطلاق.ورغم عمل المسؤولين المنهكين على مدار الساعة في عدد من القارات، يبدو أن العلاجات التي توصلوا إليها لا زالت غير شافية.نحن على شفير كارثة تفوق بكثير انهيار النظام المصرفي وتفاقم الركود العالمي، وقد تؤدي إلى نزاعات حادة وعدم استقرار سياسي. رِدة الفعل المطلوبة هي خطة إنقاذ عالمية أشمل وأكبر مما رأيناه حتى الآن، تجعل الحكومات تستبق العدوى بدلا من أن تكون دائما متخلفة عنها، نحتاج باختصار إلى خطة ضخمة وواسعة النطاق بما يكفي لإعادة ترسيخ الثقة.لا يمكن لأحد أن يتهم الحكومات بأنها تتلكأ. في الولايات المتحدة، أعد بن برنانكي، وهانك بولسون سلسلة من إجراءات الإنقاذ تخطت الـ12خطة حتى الآن هذا العام، بدءا من خطتي إنقاذ شركتي "فاني ماي" و"فريدي ماك" البالغة كلفتهما 200 مليار دولار، وصولا إلى ضمان القروض بين البنوك بقيمة 1.4 تريليون دولار. لكن هذه هي المشكلة بالتحديد. وتبعا للطريقة التي تجمع بها هذه الإجراءات، فإن المجموع يصل إلى نحو ثمانية تريليونات دولار، وهو رقم يشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. ووفقا لباري ريتهولتز، مؤلف كتاب (بلد خطط الإنقاذ) الذي سيصدر قريبا، فإن هذا المجموع يفوق مجمل المشاريع الفيدرالية الأساسية في الولايات المتحدة خلال القرن الماضي، بما في ذلك غزو العراق والخطة الاقتصادية الجديدة وخطة مارشال لإنقاذ أوروبا بعد الحرب. في الواقع، إنه يتخطى المجموع الذي أنفقته الولايات المتحدة على الحرب العالمية الثانية، أي 3.6 تريليون بحسب قيمة الدولار الحالية.الجهود الأوروبية المشتركة كانت جريئة بالقدر نفسه. وبحسب دراسة جديدة أجرتها شركة "إندبندنت ستراتيجي" في لندن، فإن مجموع ما أنفقته الاقتصادات الأوروبية التسعة الأهم على عدة خطوات تهدف فقط إلى دعم البنوك المتزعزعة بلغ 3.36 تريليون دولار، مقارنة بـ3.35 تريليون دولار في الولايات المتحدة. وفي حين أن الخطة التحفيزية التي قدمتها إدارة بوش في شهر مارس وصلت قيمتها إلى 1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، اعتمدت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من البلدان الأوروبية خططا تحفيزية أكبر نسبيا. وقامت معظم البنوك المركزية في العالم بتخفيض معدلات الفائدة بسرعة وإلى حد كبير، لدرجة أن البنوك لم تعد قادرة على استعمال هذا السلاح التقليدي لتحفيز اقتصادات بلادها.وترى المجلة أن المزيد من المحاولات الجزئية، لن يكون مجديا لإنقاذ الوضع، وأن عشرات المليارات من الدولارات التي تخصصها السلطات الأمريكية والأوروبية لشركات صنع السيارات لن تسمن أو تغني من جوع، لأن الخبراء يقولون: إن شركات تصنيع السيارات في ديترويت بصورة خاصة تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات!الوضع الاقتصادي يزداد سوءًا على سوء؛ فصعوبة الحصول على قروض تُبطئ النمو، مما يزيد من معدل البطالة ويحد من ثقة المستهلكين والمستثمرين، وكل هذا بدوره يجعل البنوك تتوخى الحذر، وتفرض شروطا أكثر صعوبة قبل منح القروض. في هذه الدوامة المتشابكة التي تزداد هبوطا، تشير كل البيانات إلى أن الأزمة تتفاقم بوتيرة غير مسبوقة.يبدو الآن أن موسم عيد الميلاد سيكون الأسوأ منذ عام 1991 بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، الذي ينكمش بنسبة سنوية تقارب الـ3 بالمائة. وصندوق النقد الدولي يستمر في تخفيض توقعاته للاقتصاد العالمي، وهو يتوقع الآن أن يشهد عام 2009 نموا بنسبة 2.2 بالمائة، بعدما كان يتعدى الـ5 بالمائة خلال السنوات الأربع الماضية، وألا تشهد البلدان الغنية أي نمو، وأن تنمو الأسواق النامية - بما فيها الصين - بوتيرة أبطأ بكثير من ذي قبل. وفيما يتعلق بالاقتصاد العالمي، يرى معظم الخبراء أن نموًا عالميا بنسبة تقل عن 2 بالمائة يشكل انكماشا عالميا؛ لأن البلدان الفقيرة بحاجة إلى بعض النمو لاستحداث الوظائف لمواطنيها الذين تتزايد أعدادهم. وقد ضم البنك الدولي صوته إلى أصوات الذين يتوقعون حصول ركود عالمي، متوقعًا ألا تتجاوز نسبة النمو 1 بالمائة عام 2009، وأن تشهد البلدان النامية أكبر انكماش لها منذ الركود الكبير.إحدى المشاكل الكبرى التي تعانيها الأسواق العالمية الآن هي عدم معرفة أي شخص المدى الذي ستقودنا إليه الأزمة الراهنة. هل ستكون النتيجة سيطرة الحكومة على الأسواق، واعتماد نظام رأسمالي حكومي كما في الصين بدلا من نظام أسواق حرة على الطراز الأمريكي (كما كانت الأسواق قبل عام على الأقل)؟. هل سيقتصر النظام المالي بكامله تقريبا على بنوك تجارية ضخمة تتجنب المخاطر؟ أو هل سيبقى هناك مكان لمؤسسات مستعدة للمخاطرة بتمويل الابتكارات العظيمة في المستقبل؟ وعندما يهدأ الوضع، هل سيكون هناك سلطة أو هيئة تنظيمية مالية عالمية جديدة؟.في ظروف عادية، قد يكفي ترك السوق لتعمل وحدها على تسوية هذه المسائل. لكننا لا نشهد أوقاتا عادية. الغموض هو عدو الاستقرار والنمو. والحكومات -شئنا أم أبينا- هي التي تقود العملية.

قضية إنقاذ ديترويت


تايم، 15 ديسمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي

"الشعب الأميركي هو من جعل شركة فورد الدولية لتصنيع السيارات تصل إلى ما وصلت إليه الآن".. تصريح لـ هنري فورد، مؤسس شركة فورد لصناعة السيارات، أدلى به في 11 فبراير 1932. استهلت به مجلة تايم الأمريكية موضوع غلافها الأخير، والذي خصصته للحديث عن خطة إنقاذ صناعة السيارات في ديترويت، بعدما اعتبر المرشح الجديد باراك أوباما أن إفلاس "الشركات الكبرى الثلاث" (جنرال موتورز- كرايسلر – فورد)، التي تتخذ من ديترويت مقرا لها، سيكون له وقع "مدمر" على الاقتصاد.
انخفضت مبيعات السيارات لأكثر من 30% خلال شهر أكتوبر الماضي، وهو تدهور لم تسلم منه حتى شركة تويوتا العالمية. أما ديترويت فتحتاج إلى 34 مليار دولار لتحمي 3 ملايين موظف من التشرد، وتجارة تساوي 300 مليار دولار من الانهيار.
إنا لما وصل إليه حال أمراء السيارات في بلادنا لمحزونون؛ فقد امتلكنا يومًا السيارات التي صنعوها، من الـ دودج آريس، و ميركوري مونتيري، وحتى الـ تشيفي تشيف، أما اليوم فتواجه تلك الصناعة ضربة قد تصيبها في مقتل.
وتواجه شركة جنرال موتورز انخفاضا ملحوظًًا في نشاطاتها؛ نظرًا لإحجام الزبائن عن التعامل مع شركة أضحت على أبواب الإفلاس، لذلك طالبت من الكونجرس الأميركي مساعدة قدرها 18 مليار دولار.
أما شركة فورد، التي لازالت تتمتع بهيكل مالي أفضل، فطلبت قرضًا قيمته 9 مليارات دولار من الكونجرس.
الشركات الثلاث - الاثنتين السابقين بالإضافة إلى "كرايسلر"، التي أمست على وشك الإفلاس وتحتاج نحو أربعة مليارات دولار بحلول نهاية مارس كجزء من سبعة مليارات لإنقاذ عملها - لم تتلق في النهاية سوى وعدًا بتلقي هذه المساعدات بحلول 2012!

عهد الإرهاب


فرانت لاين، 19 ديسمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي

"هجمات لم تخمد أوارها إلا بعد 60 ساعة من إطلاقها، بل يرى البعض أن جذوتها لم تنطفئ حتى الآن. ورغم مشاركة 477 من أفراد الأمن القومي، ووحدة من أفراد الكوماندوز التابعين للبحرية الهندية، وستة صفوف من الجيش، و400 من أفراد شرطة مومباي، نجحوا في قتل أو اعتقال كل المسلحين الذين نفذوا الهجمات، إلا أن مومباي بالفعل جثت على ركبتيها".
وصف دقيق أطلقته مجلة فرانت لاين على الأحداث الدموية التي شهدتها مدينة مومباي الهندية مؤخرًا، والتي أدانها المسلمون في الهند قبل غيرهم، وجعلت العيد يمر عليهم بغير الوجه الذي اعتادوا عليه من قبل.
بدأت في تمام الساعة التاسعة مساء يوم 26 من نوفمبر، وانتهت بعد معركة طويلة ومجهدة، في تمام الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم 29 من نفس الشهر. فيما وصف بأنه أسوأ هجوم تعرضت له الهند، نجح بضعة مسلحين في جعل مومباي تجثو على ركبتيها. وقد خلفت هذه الدراما الدموية، التي استهدفت 11 موقعًا في المدينة، 183 قتيلا، من بينهم 22 أجنبيًا. وبعد مضي 12 ساعة، كان قصر تاج محل، وفندق البرج، لا يزالان يحترقان، والجثث تستخرج منهما.
أعداد القتلى كانت مرشحة للارتفاع، وكان على عملية تغطية الجثث أن تتم ببطء وحذر.
وبحسب آخر التقديرات فقد جرح 239 شخصًا، وعثر على جثث 9 من منفذي الهجمات، وتم اعتقال آخر على قيد الحياة، ومن المتوقع أن تكون عملية استجوابه حاسمة في كشف اللثام عن مهندسي هذه المذبحة، وكيف ولماذا أقدموا على هذا الفعل. وتشتبه الشرطة في أن بعض المهاجمين ربما قد يكونون استطاعوا الفرار، لكنها لم تؤكد ذلك بعد. ولدقة وصولهم لأهدافهم، يبدو جليًا أن المهاجمين كانوا على دراية وثيقة بالمدينة.
هذه الحادثة برمتها تركت المدينة والدولة بل والمجتمع الدولي في ترنح من هول ما رأوه.

الصين والهند: قصة اقتصادين في مهب الريح


ذي إيكونوميست، 13 ديسمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي


بعد تأكيدها مرات عديدة أن الهند والصين يشقان طريقهما إلى القمة، أتت مجلة ذي إيكونوميست اليوم لتقول: "إن العملاقين الآسيويين يرتجفان؛ والاقتصادَ الهندي أضحى أضعف من ذي قبل، والقادة الصينيين لديهم أسباب أكثر تجعلهم يخافون".
ربما.. فالدنيا لا تبقى على حال، لكن ما الذي جعل الطاولة تنقلب هكذا؟ هذا ما أجابت عنه الأسبوعية البريطانية في موضوع غلافها الأخير.
السرعة التي انتشرت بها سُحُب الظُلمة واليأس الاقتصاديين في سماء الاقتصاد العالمي كانت مذهلة. لكن التغيير كان مفاجئًا خاصة في الدولتين الشهيرتين؛ الهند والصين. فحتى وقت قريب كانا هذان (الاقتصادان) الأسرع نموًا في العالم يشعران بأنهما منيعان إلى حد كبير ضد العدوى التي تجتاح العالم الغني. بل كان المتفائلون يأملون أن تستطيع محركات أسواق هذه الدول الناشئة في انتشال العالم من مستنقع الركود. والآن يخشى البعض من حدوث النقيض! يخافون أن يسحب انخفاض النشاط التجاري والاقتصادي في العالم الصين والهند إلى الهاوية؛ الأمر الذي من شأنه رفع معدلات البطالة في هذين البلدين اللذين مازالا فقيرين رغم النجاح الذي حققاه.
ربما يكون التشاؤم زائدًا عن حده، فلا تزال هاتان الدولتان تمثلان العمود الفقري للاقتصاد العالمي، لكنهما في الوقت ذاته تواجهان صعوبات اقتصادية وسياسية مخيفة.
ثم استطردت المجلة لتستعرض وضع الهند الداخلي، موضحة أن الفيل الهندي أضحى الآن أسيرًا بين مطرقة التدهور الاقتصادي، وسندان العمليات المسلحة التي ضربت البلاد مؤخرًا، الأمر الذي أثمر تراجعًا – بحسب تقديرات المجلة – في مكانة الهند الدولية، وصورتها على مستوى العالم. مستدلة على ذلك بالأرقام التي لا يمكنها يومًا أن تكذب أو حتى تتجمل.
على الصعيد الهندي، تضررت صورتها بشكل كبير، إثر إعصارين اثنين؛ أولهما: اللطمة الاقتصادية، وثانيهما: رصاص المسلحين الذي أمطرته سماء مومباي الشهر الفائت، خاصة بعدما أظهرت التقارير أن الهند تستمد ثقتها في نفسها من مصدرين اثنين لا ثالث لهما؛ الأول هو تدفق النمو الاقتصادي، والثاني كان التأثير المصاحب الذي تمثل في بروز الهند كدولة ذات مكانة وتأثير دوليين.
كما انخفض معدل الصادرات في شهر أكتوبر الماضي بواقع 12% مقارنة بمعدلات نفس الشهر العام الماضي، وفيها يوجد خمسي الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في العالم، فيما توقفت مئات مصانع النسيج عن العمل، من بينها بعض النجوم الذين سطعوا في سماء صناعة السيارات الهندية خلال السنوات المنصرمة. أما البنك المركزي فعدَّل تقديرات نموه الاقتصادي هذا العام ليصل إلى 7,5 – 8 %، وهي النسبة التي لا تزال تستدعي التفاؤل - لولا التوقعات – في أن يستمر معدل النمو الاقتصادي بالانخفاض خلال العام القادم ليصل إلى 5,5% أو أقل، وهو أقل معدل تشهه البلاد من العام 2002.
ربما تكون هذه الأرقام صادمة للبعض، لكنه الواقع الذي تخشى المجلة أن يمتد إلى الصين، ومن ثم يؤثر على العالم بأسره.
ورغم حيادية المجلة في بعض طرحها، إلا أن نبرة الهجوم على الصين تبرز من بين ثنايا الكلمات، لاسيما عند عدم اعترافها بأن الصين حققت خلال سنوات قلائل ما لم تستطع أي دولة أخرى تحقيقه خلال قرون، ومتوقفة فقط أمام معدلات الفقر التي تراها مؤشرًا على فشل الصين خلال السنوات الستين الماضية!
وإذا ما قُدِّر للاقتصاد الصيني أن ينحدر لمثل هذا المستوى، فسيعتبر الأمر كارثة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
يأتي ذلك في الوقت الذي تحتفل فيه الصين بالذكرى الثلاثين لإطلاق سياسة (الإصلاح والانفتاح)، التي دشنت لمرحلة جديدة من النمو الاقتصادي وصلت معدلات النمو السنوي فيها إلى 9,8%. وربما تكون هذه الاحتفالية زائفة، لكن من السهل تفهُّم الأسباب التي تجعل الحزب الشيوعي الحاكم يرغب في تضخيم إنجازاته التي حققها طيلة الثلاثين عامًا الماضية.
هذه الدولة التي يبلغ تعداد سكانها خُمس البشرية، لم تنجح سوى في انتشال مائتي مليون فقط من مستنقع الفقر. وهاهي الآن تدخل عامًا مليئًا بالذكريات، إنها الذكرى الخمسون لقمع انتفاضة التبت، والذكرى العشرون لأحداث ميدان باب السلام السماوي (تيان آن مين)، والذكرى العشرون لتأسيس الجمهورية الشعبية.

عـقــيــدة مــيـدفـيــديـف


نيوزويك، 2 ديسمبر 2008


بعد ستة أشهر من تسلمه منصبه في الكرملين، لازالت الإشارات التي يرسلها الرئيس الروسي مشوشة جدا، إلى درجة أنه أثار حيرة صانعي السياسات والدبلوماسيين الغربيين، ودفع أسبوعية نيوزويك إلى التساؤل: (ماذا يريد ديميتري ميدفيديف بالضبط؟).
عقيدة ميدفيديف، كما تراها المجلة لأميركية، هي بمنزلة خطة طموحة لإصلاح المجتمع الروسي المحطم في الداخل، واستعادة مكانة روسيا في العالم. ويعتبر ميدفيديف أن إحدى الطرق للقيام بذلك هي أن يجري على الأقل استبدالُ بعض من التأثير الأمريكي في أوروبا بتأثير روسي؛ من خلال مزيج من التهديدات العسكرية واستعمال احتياطي الغاز الضخم الذي تملكه روسيا لممارسة الضغوط.
من الواضح أن أهداف ميدفيديف، الطموحة إلى حد كبير، تطورت انطلاقا من الخطة التي وضعها بوتين منذ وقت طويل؛ وتهدف إلى استعادة عظمة روسيا، في الداخل والخارج. وهذا ليس مفاجئا بما أن بوتين لا يزال يقود روسيا من المقعد الخلفي انطلاقا من منصبه كرئيس للوزراء، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يعود إلى الرئاسة بعد انقضاء فترة مقبولة.
لكن هناك اختلافات واضحة بين الرجلين؛ فقد كان بوتين يستعمل لغة الديموقراطية والليبرالية عندما تناسبه، كي يساوي أخلاقيا - على سبيل المثال - بين التصرفات الأمريكية في كوسوفا والعراق والسياسة الروسية في جورجيا. أما ميدفيديف، وهو محام ترعرع في ساينت بيترسبرغ الليبرالية في حقبة الانفتاح والشفافية، فقد تبنى أسلوبا أكثر انفتاحا وعصرية.
ولعل الأهم على الإطلاق هو أن ميدفيديف يعي تماما المشاكل التي تواجهها روسيا، ولا يخشى التحدث عنها.
في عهد بوتين، ظل النمو الاقتصادي السنوي ثابتا عند حدود 7 بالمائة، بفضل ارتفاع أسعار النفط التي تضخ الدم في عروق الاقتصاد الروسي. لكن بدا أن بوتين لا يهتم كثيرا بتنويع الاقتصاد أو كبح الفساد الذي يجعل ريادة الأعمال مستحيلة، بل ومحفوفة بالمخاطر. في المقابل، كانت إحدى أبرز الخصائص في خطب ميدفيديف انتقاداته الجريئة للقضاء والبيروقراطية الفاسدَيْن في روسيا، مع العلم بأنه يتوخى دائما الحذر الشديد كي لا يوحي أبدا بأن بوتين أخطأ عندما لم يعالج هذه المشاكل في وقت سابق. وقد ألقى ميدفيديف في خطبه اللوم على البيروقراطيين؛ لأنهم "يشككون في المبادرة الحرة تماما كما كانوا يفعلون في ظل النظام السوفييتي"، ولأنهم يتحكمون في وسائل الإعلام ويتدخلون في الانتخابات، وقد يبدو غريبا أن يصدر مثل هذا الكلام عن شخص أفاد كثيرا من سيطرة الدولة على الصحافة وصناديق الاقتراع على السواء، لكنه انتقاد حاد لمكامن الخلل في روسيا.
وفي العلاقات الخارجية، حرص ميدفيديف على تفادي الظهور وكأنه أضعف من بوتين. فقد كان الأخير يتحدث في عهده عن "عالم متعدد الأقطاب"، لكن في عهد ميدفيديف، وضعت روسيا يدها على القانون الدولي وتقدمت الدبابات الروسية نحو أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وبذلك أعاد الكرملين ضمنا تأكيد حق روسيا الإمبريالي بأن تصنع - وتبتلع - دولا من خلال الاعتراف بالجمهوريات الجورجية المنفصلة.
لكن على الرغم من الكلام الكبير الذي يطلقه ميدفيديف، ترى المجلة أنه ليس واضحا على الإطلاق ما إذا كان بالإمكان تحقيق أي من أهدافه الاستراتيجية الكبرى، فنظرا إلى الاستياء الشديد من الغرب وعدم الثقة به، ليست لدى ميدفيديف نماذج كثيرة يستطيع أن يقتدي بها في سعيه إلى تحقيق أهدافه الاقتصادية. وتختصر المجلة ذلك بقولها: "لقد قال ميدفيديف كلاما جيدا، لكن لم تكن هناك متابعة ملموسة"، مستدلة بما أسمته "الوضع المحرج" الذي يحياه ميدفيديف الآن؛ فالطموحات التي بدأ بها رئاسته لم تعد تتناسب مع واقع الوضع الروسي الذي يزداد هشاشة.
بالتأكيد ليست هناك أي ناحية إيجابية في نبذ روسيا جملة وتفصيلا، وإذلالها ومعاملتها وكأنها دب من ورق. ففي حقبة تشهد تراجعا في أسعار النفط ومحنة اقتصادية، تجد روسيا نفسها في مأزق فجأة، وسوف يواجه ميدفيديف قريبا إغراء السيطرة على الاقتصاد الروسي وقمعه، وتثبيت الأسعار، وتهديد رجال الأعمال، وتوجيه تدفق الرساميل. وقد تراوده نفسه أيضا بأن يكرر مغامرته العسكرية في جورجيا لإلهاء الرأي العام عن الوضع الداخلي الذي يزداد سوءا، وربما يقع شجار مع أوكرانيا حول كريميا، ومن شأن الأمرين أن يكونا كارثييْن.
لا يستطيع ميدفيديف أن يصلح العالم على صورة الكرملين، وعلى الأرجح أنه لن تصمد سوى أجزاء قليلة جدا من عقيدته في وجه الانكماش الاقتصادي الروسي. لكن يبدو على الأقل أنه يؤمن فعلا بأن "الحرية أفضل من اللاحرية"، وربما يبذل مجهودا أكبر من أي قائد روسي سابق لدمج البلاد في الاقتصاد العالمي، ووضع حد لما أسماه "العدمية القانونية" التي تتفشى في بلاده. إذا نجح في هذه الإصلاحات العملية مثل كبح البيروقراطية النهمة والفاسدة في روسيا وتطبيق سيادة القانون، فقد يجعل بلاده أكثر ثراءً ويسمح لها بأن تعمل بفعالية أكبر. من شأن اقتصاد حقيقي مزدهر وعلاقة جديدة وبناءة مع الغرب أن يجعلا روسيا تتمتع بنفوذ حقيقي أكبر مما توفره لها كل التهديدات الاستقوائية باستعمال الصواريخ.

كوكب أوباما



ذي أميركان كونسرفيتيف، 1 ديسمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي


سنوات بوش التي أفقدت أميركا سمعتها لا يمكن مقارنتها بشيء، لكن وعود الرئيس المنتخب الجديد بالتغيير لم تتعد الرمزية.. قناعة عبرت عنها مجلة ذا أميركان كونسرفيتيف في صدر موضوع غلافها الأخير، والذي خصصته لطرح رؤيتها حول "عالم أوباما" المرتقب.
سواء أعجبك ذلك أم لم يعجبك، لقد دشن انتخاب باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة ضغطًا هائلا لاستعادة الاحترام الأميركي في العالم. ففي نيودلهي قبَّل الهنود صورة أوباما، وخرجت الأحزاب السياسية فرحًا إلى شوارع كينيا، أما في بريطانيا فقد غمرت الفرحة كل الصحف، ونشرت صحيفة ذا ديلي ميرور صورة للرئيس المنتخب، مصحوبة بكلمة واحدة بالخط العريض، كانت تقول "صدق"، حتى السياسيون الذين كان من المتوقع أن ينجذبوا لـ جون ماكين فرحوا لفوز أوباما.
وحينما ذهب إلى برلين توجه أوباما بالخطاب إلى 200 ألف من الجمهور المتحمس، أما لو كان واحدًا من الجمهوريين، فسيكون هناك شك في إمكانية جذب انتباه ولو مائتي شخص فقط.
صحيح أن مناصب كبيرة في أميركا شغلها سود من قبل، لكن منصب الرئاسة له أهمية رمزية تتعدى مجرد الثقل الدستوري، واليوم لن يجرؤ أحد على القول بأن رجلا من أصول أفريقية لن يستطيع الحصول على عدد كبير من الأصوات.
لقد استعاد انتخاب أوباما، حتى الآن، لأميركا بعض احترامها، لكن العداء لهذا البلد أعمق من أسبابه الظاهرة.

البقاء يعني الموت



وورلد، 29 نوفمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي


(نزح ما يربو على مليوني عراقي من بلادهم ولجئوا إلى بلدان مجاورة؛ بعد أن طُحنوا بين سندان الاحتلال الأمريكي، ومطرقة مليشيات القتل المنظمة).. مأساة إنسانية دفعت مجلة وورلد إلى تسليط الضوء عليها، في ظل معاناة جعلت قرار البقاء في الوطن بمثابة حكم إعدام يصدره المرء على نفسه، على حد وصف المجلة.
لكن وورلد ماجازين لم تكن منصفة تمامًا، بل مارست الفرز الطائفي، حين اختصَّت بالتغطية "مسيحيي العراق" الذين هربوا من الهرْج الذي تموج به بلاد الرافدين، متناسية أن العراقيين أجمعين – مسلمين ونصارى – يشربون من نفس الكأس، ويُلهِب ظهورهم نفس السوط، لاسيما وأنها اعترفت بأن 75% من اللاجئين الذين نزحوا من العراق مسلمون!
نزح ما يربو على مليوني عراقي، 25% منهم مسيحيون (نصارى)، إلى دول مجاورة، حيث توجه معظمهم إلى الأردن وسوريا ولبنان ومصر. ويمكننا القول: من خلال المحادثات التي أجريت مع عراقيين يعيشون في الأردن وسوريا أنهم لا يرغبون في العودة إلى وطنهم.
وبينما قُتل 40 ألف عراقي نتيجة الحرب وعمليات العنف العشوائية منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، فإن هؤلاء اللاجئين هم الضحايا الأحياء لهذه الحرب، بعد أن دُمروا نفسيا.
وفي عام 2007 وحده حصل 1600 عراقي فقط - من أصل ملايين مهددين بالموت - على حق اللجوء إلى الولايات المتحدة الأميركية، مما جعل منظمات حقوق الإنسان تلقي باللائمة على أميركا، متهمة إياها بأن جهودها ليست كافية لحل كارثة اللاجئين، التي شاركت في صنعها.
وفي العام 2008 زاد عدد الذين مُنحوا حق اللجوء، فوصل إلى 12 ألفا، بعدما وافقت وزارة الخارجية الأميركية، ووزارة الأمن القومي على قبول بعض الحالات الخاصة الإضافية. لكن هذا العدد لا يزال قاصرًا عن مساعدة العراقيين، خاصة وأن العراقيين في دول الجوار يعيشون حالة مؤقتة، لا تمكنهم من إيجاد وظائف يتكسبون منها قوت يومهم، أو يدفعون منها إيجار السكن وغيره من متطلبات الحياة الضرورية.

الوضع المزري للرعاية الصحية الأميركية


تايم 2 ديسمبر 2008
ترجمة: علاء البشبيشي


"أميركا تخوض المعركة الخاطئة.. فالجبهة الأولى التي من المفترض أن تقاتل عليها الآن، هي في الداخل الأميركي، وليس بعيدًا هناك في العراق وأفغانستان".. هذه خلاصة ما توصلت إليه مجلة تايم الأمريكية في موضوع غلافها الأخير، الذي كشفت فيه عن المستوى المتدني للرعاية الصحية الأميركية، الذي يعتبر مستوى جودته "أقل بكثير من مثيلاته في الدول المتقدمة".
وترى المجلة أن "المشكلة الكبرى لنظام الرعاية الصحية الأميركي تكمن في أن هدفه كان لفترة طويلة علاج الأمراض وليس الوقاية منها". كما حذر "صندوق الكومنولث" الأميركي من أن المواطنين الأميركيين المصابين بأمراض مزمنة قد يستحيل عليهم الحصول على الرعاية الصحية المطلوبة؛ بسبب ارتفاع كلفتها الباهظة، وتاليا قد يتعرضون لأخطاء طبية أكثر من نظرائهم في دول أخرى أقل ثراءً، مؤكدًا أن الأميركيين هم الأكثر تذمرا من كلفة الرعاية الصحية.
ما هو المقياس الذي تُقاس به جودة النظام الصحي في بلد ما؟ وكيف يمكنك قياس درجة حرارة أناس ينتشرون في تسع مناطق زمنية مختلفة، داخل 50 ولاية، في لوحة أشبه ما تكون بقوس قزح من الثقافات والطوائف؟
إحدى الوسائل التي تستطيع من خلالها القيام بذلك هي أن تنظر لنفسك عن قرب؛ فإذا كنت من السبعة والستين بالمائة من الأميركيين فهذا يعني أنك حاليًا تعاني من السمنة المفرطة، وإذا كنت من السبعة والعشرين بالمائة من الأميركيين فهذا معناه أن ضغط دمك مرتفع جدًا، أما إذا كنت تنتمي للستة والتسعين بالمائة فهذا معناه أنك لا تستطيع تذكر المرة الأخيرة التي تناولت فيها السلطة؛ ذلك لأنك حينها ستكون واحدًا من مئات الملايين من الأميركيين الذين نادرًا ما يتناولون المقدار الكافي من الخضروات، أما إذا كنت من الأربعين في المائة فهذا معناه أن ما تأكله لا يتم استهلاكه كله؛ ذلك أن هذه النسبة لا تقوم بأداء التمارين الرياضية.
وتبقى المشكلة الكبرى إذا كنت أبًا لأي طفل في أي مكان في العالم؛ لأنك ساعتها ستُوَرِّث عاداتك الصحية لابنك، مما يوضح مخاوف الخبراء من أن هذا الجيل من أطفال أمريكا ربما يكون أقصر عمرًا من آبائهم!