برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Tuesday, December 30, 2008

حلٌّ بـ 4,000,000,000,000 دولار


نيوزويك، 23 ديسمبر 2008


"حتى تريليونات الدولارات التي أُنفِقت إلى الآن لا تبطِّئ الانهيار السريع للاقتصاد العالمي. الحل يكمن في إنفاق تريليونات إضافية وبصورة سريعة".. حقيقة مُرَّة رصدتها مجلة نيوزويك، في معرض حديثها عن جهود الإنقاذ المالي، التي بات واضحًا بشكل مخيف أنها غير مجدية على الإطلاق.ورغم عمل المسؤولين المنهكين على مدار الساعة في عدد من القارات، يبدو أن العلاجات التي توصلوا إليها لا زالت غير شافية.نحن على شفير كارثة تفوق بكثير انهيار النظام المصرفي وتفاقم الركود العالمي، وقد تؤدي إلى نزاعات حادة وعدم استقرار سياسي. رِدة الفعل المطلوبة هي خطة إنقاذ عالمية أشمل وأكبر مما رأيناه حتى الآن، تجعل الحكومات تستبق العدوى بدلا من أن تكون دائما متخلفة عنها، نحتاج باختصار إلى خطة ضخمة وواسعة النطاق بما يكفي لإعادة ترسيخ الثقة.لا يمكن لأحد أن يتهم الحكومات بأنها تتلكأ. في الولايات المتحدة، أعد بن برنانكي، وهانك بولسون سلسلة من إجراءات الإنقاذ تخطت الـ12خطة حتى الآن هذا العام، بدءا من خطتي إنقاذ شركتي "فاني ماي" و"فريدي ماك" البالغة كلفتهما 200 مليار دولار، وصولا إلى ضمان القروض بين البنوك بقيمة 1.4 تريليون دولار. لكن هذه هي المشكلة بالتحديد. وتبعا للطريقة التي تجمع بها هذه الإجراءات، فإن المجموع يصل إلى نحو ثمانية تريليونات دولار، وهو رقم يشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. ووفقا لباري ريتهولتز، مؤلف كتاب (بلد خطط الإنقاذ) الذي سيصدر قريبا، فإن هذا المجموع يفوق مجمل المشاريع الفيدرالية الأساسية في الولايات المتحدة خلال القرن الماضي، بما في ذلك غزو العراق والخطة الاقتصادية الجديدة وخطة مارشال لإنقاذ أوروبا بعد الحرب. في الواقع، إنه يتخطى المجموع الذي أنفقته الولايات المتحدة على الحرب العالمية الثانية، أي 3.6 تريليون بحسب قيمة الدولار الحالية.الجهود الأوروبية المشتركة كانت جريئة بالقدر نفسه. وبحسب دراسة جديدة أجرتها شركة "إندبندنت ستراتيجي" في لندن، فإن مجموع ما أنفقته الاقتصادات الأوروبية التسعة الأهم على عدة خطوات تهدف فقط إلى دعم البنوك المتزعزعة بلغ 3.36 تريليون دولار، مقارنة بـ3.35 تريليون دولار في الولايات المتحدة. وفي حين أن الخطة التحفيزية التي قدمتها إدارة بوش في شهر مارس وصلت قيمتها إلى 1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، اعتمدت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من البلدان الأوروبية خططا تحفيزية أكبر نسبيا. وقامت معظم البنوك المركزية في العالم بتخفيض معدلات الفائدة بسرعة وإلى حد كبير، لدرجة أن البنوك لم تعد قادرة على استعمال هذا السلاح التقليدي لتحفيز اقتصادات بلادها.وترى المجلة أن المزيد من المحاولات الجزئية، لن يكون مجديا لإنقاذ الوضع، وأن عشرات المليارات من الدولارات التي تخصصها السلطات الأمريكية والأوروبية لشركات صنع السيارات لن تسمن أو تغني من جوع، لأن الخبراء يقولون: إن شركات تصنيع السيارات في ديترويت بصورة خاصة تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات!الوضع الاقتصادي يزداد سوءًا على سوء؛ فصعوبة الحصول على قروض تُبطئ النمو، مما يزيد من معدل البطالة ويحد من ثقة المستهلكين والمستثمرين، وكل هذا بدوره يجعل البنوك تتوخى الحذر، وتفرض شروطا أكثر صعوبة قبل منح القروض. في هذه الدوامة المتشابكة التي تزداد هبوطا، تشير كل البيانات إلى أن الأزمة تتفاقم بوتيرة غير مسبوقة.يبدو الآن أن موسم عيد الميلاد سيكون الأسوأ منذ عام 1991 بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، الذي ينكمش بنسبة سنوية تقارب الـ3 بالمائة. وصندوق النقد الدولي يستمر في تخفيض توقعاته للاقتصاد العالمي، وهو يتوقع الآن أن يشهد عام 2009 نموا بنسبة 2.2 بالمائة، بعدما كان يتعدى الـ5 بالمائة خلال السنوات الأربع الماضية، وألا تشهد البلدان الغنية أي نمو، وأن تنمو الأسواق النامية - بما فيها الصين - بوتيرة أبطأ بكثير من ذي قبل. وفيما يتعلق بالاقتصاد العالمي، يرى معظم الخبراء أن نموًا عالميا بنسبة تقل عن 2 بالمائة يشكل انكماشا عالميا؛ لأن البلدان الفقيرة بحاجة إلى بعض النمو لاستحداث الوظائف لمواطنيها الذين تتزايد أعدادهم. وقد ضم البنك الدولي صوته إلى أصوات الذين يتوقعون حصول ركود عالمي، متوقعًا ألا تتجاوز نسبة النمو 1 بالمائة عام 2009، وأن تشهد البلدان النامية أكبر انكماش لها منذ الركود الكبير.إحدى المشاكل الكبرى التي تعانيها الأسواق العالمية الآن هي عدم معرفة أي شخص المدى الذي ستقودنا إليه الأزمة الراهنة. هل ستكون النتيجة سيطرة الحكومة على الأسواق، واعتماد نظام رأسمالي حكومي كما في الصين بدلا من نظام أسواق حرة على الطراز الأمريكي (كما كانت الأسواق قبل عام على الأقل)؟. هل سيقتصر النظام المالي بكامله تقريبا على بنوك تجارية ضخمة تتجنب المخاطر؟ أو هل سيبقى هناك مكان لمؤسسات مستعدة للمخاطرة بتمويل الابتكارات العظيمة في المستقبل؟ وعندما يهدأ الوضع، هل سيكون هناك سلطة أو هيئة تنظيمية مالية عالمية جديدة؟.في ظروف عادية، قد يكفي ترك السوق لتعمل وحدها على تسوية هذه المسائل. لكننا لا نشهد أوقاتا عادية. الغموض هو عدو الاستقرار والنمو. والحكومات -شئنا أم أبينا- هي التي تقود العملية.

قضية إنقاذ ديترويت


تايم، 15 ديسمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي

"الشعب الأميركي هو من جعل شركة فورد الدولية لتصنيع السيارات تصل إلى ما وصلت إليه الآن".. تصريح لـ هنري فورد، مؤسس شركة فورد لصناعة السيارات، أدلى به في 11 فبراير 1932. استهلت به مجلة تايم الأمريكية موضوع غلافها الأخير، والذي خصصته للحديث عن خطة إنقاذ صناعة السيارات في ديترويت، بعدما اعتبر المرشح الجديد باراك أوباما أن إفلاس "الشركات الكبرى الثلاث" (جنرال موتورز- كرايسلر – فورد)، التي تتخذ من ديترويت مقرا لها، سيكون له وقع "مدمر" على الاقتصاد.
انخفضت مبيعات السيارات لأكثر من 30% خلال شهر أكتوبر الماضي، وهو تدهور لم تسلم منه حتى شركة تويوتا العالمية. أما ديترويت فتحتاج إلى 34 مليار دولار لتحمي 3 ملايين موظف من التشرد، وتجارة تساوي 300 مليار دولار من الانهيار.
إنا لما وصل إليه حال أمراء السيارات في بلادنا لمحزونون؛ فقد امتلكنا يومًا السيارات التي صنعوها، من الـ دودج آريس، و ميركوري مونتيري، وحتى الـ تشيفي تشيف، أما اليوم فتواجه تلك الصناعة ضربة قد تصيبها في مقتل.
وتواجه شركة جنرال موتورز انخفاضا ملحوظًًا في نشاطاتها؛ نظرًا لإحجام الزبائن عن التعامل مع شركة أضحت على أبواب الإفلاس، لذلك طالبت من الكونجرس الأميركي مساعدة قدرها 18 مليار دولار.
أما شركة فورد، التي لازالت تتمتع بهيكل مالي أفضل، فطلبت قرضًا قيمته 9 مليارات دولار من الكونجرس.
الشركات الثلاث - الاثنتين السابقين بالإضافة إلى "كرايسلر"، التي أمست على وشك الإفلاس وتحتاج نحو أربعة مليارات دولار بحلول نهاية مارس كجزء من سبعة مليارات لإنقاذ عملها - لم تتلق في النهاية سوى وعدًا بتلقي هذه المساعدات بحلول 2012!

عهد الإرهاب


فرانت لاين، 19 ديسمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي

"هجمات لم تخمد أوارها إلا بعد 60 ساعة من إطلاقها، بل يرى البعض أن جذوتها لم تنطفئ حتى الآن. ورغم مشاركة 477 من أفراد الأمن القومي، ووحدة من أفراد الكوماندوز التابعين للبحرية الهندية، وستة صفوف من الجيش، و400 من أفراد شرطة مومباي، نجحوا في قتل أو اعتقال كل المسلحين الذين نفذوا الهجمات، إلا أن مومباي بالفعل جثت على ركبتيها".
وصف دقيق أطلقته مجلة فرانت لاين على الأحداث الدموية التي شهدتها مدينة مومباي الهندية مؤخرًا، والتي أدانها المسلمون في الهند قبل غيرهم، وجعلت العيد يمر عليهم بغير الوجه الذي اعتادوا عليه من قبل.
بدأت في تمام الساعة التاسعة مساء يوم 26 من نوفمبر، وانتهت بعد معركة طويلة ومجهدة، في تمام الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم 29 من نفس الشهر. فيما وصف بأنه أسوأ هجوم تعرضت له الهند، نجح بضعة مسلحين في جعل مومباي تجثو على ركبتيها. وقد خلفت هذه الدراما الدموية، التي استهدفت 11 موقعًا في المدينة، 183 قتيلا، من بينهم 22 أجنبيًا. وبعد مضي 12 ساعة، كان قصر تاج محل، وفندق البرج، لا يزالان يحترقان، والجثث تستخرج منهما.
أعداد القتلى كانت مرشحة للارتفاع، وكان على عملية تغطية الجثث أن تتم ببطء وحذر.
وبحسب آخر التقديرات فقد جرح 239 شخصًا، وعثر على جثث 9 من منفذي الهجمات، وتم اعتقال آخر على قيد الحياة، ومن المتوقع أن تكون عملية استجوابه حاسمة في كشف اللثام عن مهندسي هذه المذبحة، وكيف ولماذا أقدموا على هذا الفعل. وتشتبه الشرطة في أن بعض المهاجمين ربما قد يكونون استطاعوا الفرار، لكنها لم تؤكد ذلك بعد. ولدقة وصولهم لأهدافهم، يبدو جليًا أن المهاجمين كانوا على دراية وثيقة بالمدينة.
هذه الحادثة برمتها تركت المدينة والدولة بل والمجتمع الدولي في ترنح من هول ما رأوه.

الصين والهند: قصة اقتصادين في مهب الريح


ذي إيكونوميست، 13 ديسمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي


بعد تأكيدها مرات عديدة أن الهند والصين يشقان طريقهما إلى القمة، أتت مجلة ذي إيكونوميست اليوم لتقول: "إن العملاقين الآسيويين يرتجفان؛ والاقتصادَ الهندي أضحى أضعف من ذي قبل، والقادة الصينيين لديهم أسباب أكثر تجعلهم يخافون".
ربما.. فالدنيا لا تبقى على حال، لكن ما الذي جعل الطاولة تنقلب هكذا؟ هذا ما أجابت عنه الأسبوعية البريطانية في موضوع غلافها الأخير.
السرعة التي انتشرت بها سُحُب الظُلمة واليأس الاقتصاديين في سماء الاقتصاد العالمي كانت مذهلة. لكن التغيير كان مفاجئًا خاصة في الدولتين الشهيرتين؛ الهند والصين. فحتى وقت قريب كانا هذان (الاقتصادان) الأسرع نموًا في العالم يشعران بأنهما منيعان إلى حد كبير ضد العدوى التي تجتاح العالم الغني. بل كان المتفائلون يأملون أن تستطيع محركات أسواق هذه الدول الناشئة في انتشال العالم من مستنقع الركود. والآن يخشى البعض من حدوث النقيض! يخافون أن يسحب انخفاض النشاط التجاري والاقتصادي في العالم الصين والهند إلى الهاوية؛ الأمر الذي من شأنه رفع معدلات البطالة في هذين البلدين اللذين مازالا فقيرين رغم النجاح الذي حققاه.
ربما يكون التشاؤم زائدًا عن حده، فلا تزال هاتان الدولتان تمثلان العمود الفقري للاقتصاد العالمي، لكنهما في الوقت ذاته تواجهان صعوبات اقتصادية وسياسية مخيفة.
ثم استطردت المجلة لتستعرض وضع الهند الداخلي، موضحة أن الفيل الهندي أضحى الآن أسيرًا بين مطرقة التدهور الاقتصادي، وسندان العمليات المسلحة التي ضربت البلاد مؤخرًا، الأمر الذي أثمر تراجعًا – بحسب تقديرات المجلة – في مكانة الهند الدولية، وصورتها على مستوى العالم. مستدلة على ذلك بالأرقام التي لا يمكنها يومًا أن تكذب أو حتى تتجمل.
على الصعيد الهندي، تضررت صورتها بشكل كبير، إثر إعصارين اثنين؛ أولهما: اللطمة الاقتصادية، وثانيهما: رصاص المسلحين الذي أمطرته سماء مومباي الشهر الفائت، خاصة بعدما أظهرت التقارير أن الهند تستمد ثقتها في نفسها من مصدرين اثنين لا ثالث لهما؛ الأول هو تدفق النمو الاقتصادي، والثاني كان التأثير المصاحب الذي تمثل في بروز الهند كدولة ذات مكانة وتأثير دوليين.
كما انخفض معدل الصادرات في شهر أكتوبر الماضي بواقع 12% مقارنة بمعدلات نفس الشهر العام الماضي، وفيها يوجد خمسي الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في العالم، فيما توقفت مئات مصانع النسيج عن العمل، من بينها بعض النجوم الذين سطعوا في سماء صناعة السيارات الهندية خلال السنوات المنصرمة. أما البنك المركزي فعدَّل تقديرات نموه الاقتصادي هذا العام ليصل إلى 7,5 – 8 %، وهي النسبة التي لا تزال تستدعي التفاؤل - لولا التوقعات – في أن يستمر معدل النمو الاقتصادي بالانخفاض خلال العام القادم ليصل إلى 5,5% أو أقل، وهو أقل معدل تشهه البلاد من العام 2002.
ربما تكون هذه الأرقام صادمة للبعض، لكنه الواقع الذي تخشى المجلة أن يمتد إلى الصين، ومن ثم يؤثر على العالم بأسره.
ورغم حيادية المجلة في بعض طرحها، إلا أن نبرة الهجوم على الصين تبرز من بين ثنايا الكلمات، لاسيما عند عدم اعترافها بأن الصين حققت خلال سنوات قلائل ما لم تستطع أي دولة أخرى تحقيقه خلال قرون، ومتوقفة فقط أمام معدلات الفقر التي تراها مؤشرًا على فشل الصين خلال السنوات الستين الماضية!
وإذا ما قُدِّر للاقتصاد الصيني أن ينحدر لمثل هذا المستوى، فسيعتبر الأمر كارثة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
يأتي ذلك في الوقت الذي تحتفل فيه الصين بالذكرى الثلاثين لإطلاق سياسة (الإصلاح والانفتاح)، التي دشنت لمرحلة جديدة من النمو الاقتصادي وصلت معدلات النمو السنوي فيها إلى 9,8%. وربما تكون هذه الاحتفالية زائفة، لكن من السهل تفهُّم الأسباب التي تجعل الحزب الشيوعي الحاكم يرغب في تضخيم إنجازاته التي حققها طيلة الثلاثين عامًا الماضية.
هذه الدولة التي يبلغ تعداد سكانها خُمس البشرية، لم تنجح سوى في انتشال مائتي مليون فقط من مستنقع الفقر. وهاهي الآن تدخل عامًا مليئًا بالذكريات، إنها الذكرى الخمسون لقمع انتفاضة التبت، والذكرى العشرون لأحداث ميدان باب السلام السماوي (تيان آن مين)، والذكرى العشرون لتأسيس الجمهورية الشعبية.

عـقــيــدة مــيـدفـيــديـف


نيوزويك، 2 ديسمبر 2008


بعد ستة أشهر من تسلمه منصبه في الكرملين، لازالت الإشارات التي يرسلها الرئيس الروسي مشوشة جدا، إلى درجة أنه أثار حيرة صانعي السياسات والدبلوماسيين الغربيين، ودفع أسبوعية نيوزويك إلى التساؤل: (ماذا يريد ديميتري ميدفيديف بالضبط؟).
عقيدة ميدفيديف، كما تراها المجلة لأميركية، هي بمنزلة خطة طموحة لإصلاح المجتمع الروسي المحطم في الداخل، واستعادة مكانة روسيا في العالم. ويعتبر ميدفيديف أن إحدى الطرق للقيام بذلك هي أن يجري على الأقل استبدالُ بعض من التأثير الأمريكي في أوروبا بتأثير روسي؛ من خلال مزيج من التهديدات العسكرية واستعمال احتياطي الغاز الضخم الذي تملكه روسيا لممارسة الضغوط.
من الواضح أن أهداف ميدفيديف، الطموحة إلى حد كبير، تطورت انطلاقا من الخطة التي وضعها بوتين منذ وقت طويل؛ وتهدف إلى استعادة عظمة روسيا، في الداخل والخارج. وهذا ليس مفاجئا بما أن بوتين لا يزال يقود روسيا من المقعد الخلفي انطلاقا من منصبه كرئيس للوزراء، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يعود إلى الرئاسة بعد انقضاء فترة مقبولة.
لكن هناك اختلافات واضحة بين الرجلين؛ فقد كان بوتين يستعمل لغة الديموقراطية والليبرالية عندما تناسبه، كي يساوي أخلاقيا - على سبيل المثال - بين التصرفات الأمريكية في كوسوفا والعراق والسياسة الروسية في جورجيا. أما ميدفيديف، وهو محام ترعرع في ساينت بيترسبرغ الليبرالية في حقبة الانفتاح والشفافية، فقد تبنى أسلوبا أكثر انفتاحا وعصرية.
ولعل الأهم على الإطلاق هو أن ميدفيديف يعي تماما المشاكل التي تواجهها روسيا، ولا يخشى التحدث عنها.
في عهد بوتين، ظل النمو الاقتصادي السنوي ثابتا عند حدود 7 بالمائة، بفضل ارتفاع أسعار النفط التي تضخ الدم في عروق الاقتصاد الروسي. لكن بدا أن بوتين لا يهتم كثيرا بتنويع الاقتصاد أو كبح الفساد الذي يجعل ريادة الأعمال مستحيلة، بل ومحفوفة بالمخاطر. في المقابل، كانت إحدى أبرز الخصائص في خطب ميدفيديف انتقاداته الجريئة للقضاء والبيروقراطية الفاسدَيْن في روسيا، مع العلم بأنه يتوخى دائما الحذر الشديد كي لا يوحي أبدا بأن بوتين أخطأ عندما لم يعالج هذه المشاكل في وقت سابق. وقد ألقى ميدفيديف في خطبه اللوم على البيروقراطيين؛ لأنهم "يشككون في المبادرة الحرة تماما كما كانوا يفعلون في ظل النظام السوفييتي"، ولأنهم يتحكمون في وسائل الإعلام ويتدخلون في الانتخابات، وقد يبدو غريبا أن يصدر مثل هذا الكلام عن شخص أفاد كثيرا من سيطرة الدولة على الصحافة وصناديق الاقتراع على السواء، لكنه انتقاد حاد لمكامن الخلل في روسيا.
وفي العلاقات الخارجية، حرص ميدفيديف على تفادي الظهور وكأنه أضعف من بوتين. فقد كان الأخير يتحدث في عهده عن "عالم متعدد الأقطاب"، لكن في عهد ميدفيديف، وضعت روسيا يدها على القانون الدولي وتقدمت الدبابات الروسية نحو أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وبذلك أعاد الكرملين ضمنا تأكيد حق روسيا الإمبريالي بأن تصنع - وتبتلع - دولا من خلال الاعتراف بالجمهوريات الجورجية المنفصلة.
لكن على الرغم من الكلام الكبير الذي يطلقه ميدفيديف، ترى المجلة أنه ليس واضحا على الإطلاق ما إذا كان بالإمكان تحقيق أي من أهدافه الاستراتيجية الكبرى، فنظرا إلى الاستياء الشديد من الغرب وعدم الثقة به، ليست لدى ميدفيديف نماذج كثيرة يستطيع أن يقتدي بها في سعيه إلى تحقيق أهدافه الاقتصادية. وتختصر المجلة ذلك بقولها: "لقد قال ميدفيديف كلاما جيدا، لكن لم تكن هناك متابعة ملموسة"، مستدلة بما أسمته "الوضع المحرج" الذي يحياه ميدفيديف الآن؛ فالطموحات التي بدأ بها رئاسته لم تعد تتناسب مع واقع الوضع الروسي الذي يزداد هشاشة.
بالتأكيد ليست هناك أي ناحية إيجابية في نبذ روسيا جملة وتفصيلا، وإذلالها ومعاملتها وكأنها دب من ورق. ففي حقبة تشهد تراجعا في أسعار النفط ومحنة اقتصادية، تجد روسيا نفسها في مأزق فجأة، وسوف يواجه ميدفيديف قريبا إغراء السيطرة على الاقتصاد الروسي وقمعه، وتثبيت الأسعار، وتهديد رجال الأعمال، وتوجيه تدفق الرساميل. وقد تراوده نفسه أيضا بأن يكرر مغامرته العسكرية في جورجيا لإلهاء الرأي العام عن الوضع الداخلي الذي يزداد سوءا، وربما يقع شجار مع أوكرانيا حول كريميا، ومن شأن الأمرين أن يكونا كارثييْن.
لا يستطيع ميدفيديف أن يصلح العالم على صورة الكرملين، وعلى الأرجح أنه لن تصمد سوى أجزاء قليلة جدا من عقيدته في وجه الانكماش الاقتصادي الروسي. لكن يبدو على الأقل أنه يؤمن فعلا بأن "الحرية أفضل من اللاحرية"، وربما يبذل مجهودا أكبر من أي قائد روسي سابق لدمج البلاد في الاقتصاد العالمي، ووضع حد لما أسماه "العدمية القانونية" التي تتفشى في بلاده. إذا نجح في هذه الإصلاحات العملية مثل كبح البيروقراطية النهمة والفاسدة في روسيا وتطبيق سيادة القانون، فقد يجعل بلاده أكثر ثراءً ويسمح لها بأن تعمل بفعالية أكبر. من شأن اقتصاد حقيقي مزدهر وعلاقة جديدة وبناءة مع الغرب أن يجعلا روسيا تتمتع بنفوذ حقيقي أكبر مما توفره لها كل التهديدات الاستقوائية باستعمال الصواريخ.

كوكب أوباما



ذي أميركان كونسرفيتيف، 1 ديسمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي


سنوات بوش التي أفقدت أميركا سمعتها لا يمكن مقارنتها بشيء، لكن وعود الرئيس المنتخب الجديد بالتغيير لم تتعد الرمزية.. قناعة عبرت عنها مجلة ذا أميركان كونسرفيتيف في صدر موضوع غلافها الأخير، والذي خصصته لطرح رؤيتها حول "عالم أوباما" المرتقب.
سواء أعجبك ذلك أم لم يعجبك، لقد دشن انتخاب باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة ضغطًا هائلا لاستعادة الاحترام الأميركي في العالم. ففي نيودلهي قبَّل الهنود صورة أوباما، وخرجت الأحزاب السياسية فرحًا إلى شوارع كينيا، أما في بريطانيا فقد غمرت الفرحة كل الصحف، ونشرت صحيفة ذا ديلي ميرور صورة للرئيس المنتخب، مصحوبة بكلمة واحدة بالخط العريض، كانت تقول "صدق"، حتى السياسيون الذين كان من المتوقع أن ينجذبوا لـ جون ماكين فرحوا لفوز أوباما.
وحينما ذهب إلى برلين توجه أوباما بالخطاب إلى 200 ألف من الجمهور المتحمس، أما لو كان واحدًا من الجمهوريين، فسيكون هناك شك في إمكانية جذب انتباه ولو مائتي شخص فقط.
صحيح أن مناصب كبيرة في أميركا شغلها سود من قبل، لكن منصب الرئاسة له أهمية رمزية تتعدى مجرد الثقل الدستوري، واليوم لن يجرؤ أحد على القول بأن رجلا من أصول أفريقية لن يستطيع الحصول على عدد كبير من الأصوات.
لقد استعاد انتخاب أوباما، حتى الآن، لأميركا بعض احترامها، لكن العداء لهذا البلد أعمق من أسبابه الظاهرة.

البقاء يعني الموت



وورلد، 29 نوفمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي


(نزح ما يربو على مليوني عراقي من بلادهم ولجئوا إلى بلدان مجاورة؛ بعد أن طُحنوا بين سندان الاحتلال الأمريكي، ومطرقة مليشيات القتل المنظمة).. مأساة إنسانية دفعت مجلة وورلد إلى تسليط الضوء عليها، في ظل معاناة جعلت قرار البقاء في الوطن بمثابة حكم إعدام يصدره المرء على نفسه، على حد وصف المجلة.
لكن وورلد ماجازين لم تكن منصفة تمامًا، بل مارست الفرز الطائفي، حين اختصَّت بالتغطية "مسيحيي العراق" الذين هربوا من الهرْج الذي تموج به بلاد الرافدين، متناسية أن العراقيين أجمعين – مسلمين ونصارى – يشربون من نفس الكأس، ويُلهِب ظهورهم نفس السوط، لاسيما وأنها اعترفت بأن 75% من اللاجئين الذين نزحوا من العراق مسلمون!
نزح ما يربو على مليوني عراقي، 25% منهم مسيحيون (نصارى)، إلى دول مجاورة، حيث توجه معظمهم إلى الأردن وسوريا ولبنان ومصر. ويمكننا القول: من خلال المحادثات التي أجريت مع عراقيين يعيشون في الأردن وسوريا أنهم لا يرغبون في العودة إلى وطنهم.
وبينما قُتل 40 ألف عراقي نتيجة الحرب وعمليات العنف العشوائية منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، فإن هؤلاء اللاجئين هم الضحايا الأحياء لهذه الحرب، بعد أن دُمروا نفسيا.
وفي عام 2007 وحده حصل 1600 عراقي فقط - من أصل ملايين مهددين بالموت - على حق اللجوء إلى الولايات المتحدة الأميركية، مما جعل منظمات حقوق الإنسان تلقي باللائمة على أميركا، متهمة إياها بأن جهودها ليست كافية لحل كارثة اللاجئين، التي شاركت في صنعها.
وفي العام 2008 زاد عدد الذين مُنحوا حق اللجوء، فوصل إلى 12 ألفا، بعدما وافقت وزارة الخارجية الأميركية، ووزارة الأمن القومي على قبول بعض الحالات الخاصة الإضافية. لكن هذا العدد لا يزال قاصرًا عن مساعدة العراقيين، خاصة وأن العراقيين في دول الجوار يعيشون حالة مؤقتة، لا تمكنهم من إيجاد وظائف يتكسبون منها قوت يومهم، أو يدفعون منها إيجار السكن وغيره من متطلبات الحياة الضرورية.

الوضع المزري للرعاية الصحية الأميركية


تايم 2 ديسمبر 2008
ترجمة: علاء البشبيشي


"أميركا تخوض المعركة الخاطئة.. فالجبهة الأولى التي من المفترض أن تقاتل عليها الآن، هي في الداخل الأميركي، وليس بعيدًا هناك في العراق وأفغانستان".. هذه خلاصة ما توصلت إليه مجلة تايم الأمريكية في موضوع غلافها الأخير، الذي كشفت فيه عن المستوى المتدني للرعاية الصحية الأميركية، الذي يعتبر مستوى جودته "أقل بكثير من مثيلاته في الدول المتقدمة".
وترى المجلة أن "المشكلة الكبرى لنظام الرعاية الصحية الأميركي تكمن في أن هدفه كان لفترة طويلة علاج الأمراض وليس الوقاية منها". كما حذر "صندوق الكومنولث" الأميركي من أن المواطنين الأميركيين المصابين بأمراض مزمنة قد يستحيل عليهم الحصول على الرعاية الصحية المطلوبة؛ بسبب ارتفاع كلفتها الباهظة، وتاليا قد يتعرضون لأخطاء طبية أكثر من نظرائهم في دول أخرى أقل ثراءً، مؤكدًا أن الأميركيين هم الأكثر تذمرا من كلفة الرعاية الصحية.
ما هو المقياس الذي تُقاس به جودة النظام الصحي في بلد ما؟ وكيف يمكنك قياس درجة حرارة أناس ينتشرون في تسع مناطق زمنية مختلفة، داخل 50 ولاية، في لوحة أشبه ما تكون بقوس قزح من الثقافات والطوائف؟
إحدى الوسائل التي تستطيع من خلالها القيام بذلك هي أن تنظر لنفسك عن قرب؛ فإذا كنت من السبعة والستين بالمائة من الأميركيين فهذا يعني أنك حاليًا تعاني من السمنة المفرطة، وإذا كنت من السبعة والعشرين بالمائة من الأميركيين فهذا معناه أن ضغط دمك مرتفع جدًا، أما إذا كنت تنتمي للستة والتسعين بالمائة فهذا معناه أنك لا تستطيع تذكر المرة الأخيرة التي تناولت فيها السلطة؛ ذلك لأنك حينها ستكون واحدًا من مئات الملايين من الأميركيين الذين نادرًا ما يتناولون المقدار الكافي من الخضروات، أما إذا كنت من الأربعين في المائة فهذا معناه أن ما تأكله لا يتم استهلاكه كله؛ ذلك أن هذه النسبة لا تقوم بأداء التمارين الرياضية.
وتبقى المشكلة الكبرى إذا كنت أبًا لأي طفل في أي مكان في العالم؛ لأنك ساعتها ستُوَرِّث عاداتك الصحية لابنك، مما يوضح مخاوف الخبراء من أن هذا الجيل من أطفال أمريكا ربما يكون أقصر عمرًا من آبائهم!

Thursday, November 27, 2008

الصفقة الجديدة


تايم، 24 نوفمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي


(أفكار تموت، ثم ينجح مُُنظِّروها في إحيائها من جديد)، نظرية حاولت مجلة تايم الأمريكية التدليل عليها، مستشهدة بما حققه الديمقراطيون من نجاح منذ أيام قلائل، بوصول مرشحهم لسدة الحكم في بلاد العم سام، ومقارِنة ذلك بما حققه نفس الحزب الديمقراطي من فشل منذ عقود، حينما خسر مرشحهم آنذاك أمام منافسه الجمهوري في الانتخابات الرئاسية.
شتان الفارق بين الفوز والخسارة، لكن المجلة وجدت ما يربطهما، وكان ذلك حديقة جرانت بارك التي شهدت التظاهرات الغاضبة في الستينات، وشهدت أيضًا هتافات النصر في العام الثامن بعد الألفية الثانية.
شهدت حديقة "جرانت بارك" بشيكاغو موت الليبرالية الأمريكية وإعادة ولادتها؛ ففي الثامن والعشرين من أغسطس عام 1968، احتشد عشرة آلاف في هذا المكان للاحتجاج على مؤتمر الديمقراطيين الذي كان ملتئمًا في الجوار، وكان على وشك تسمية نائب الرئيس هوبرت هومفري كمرشحهم الرئاسي.
وقتها حذر عمدة شيكاغو ريتشارد ديلي، المتظاهرين من تعطيل الحركة في مدينته، ورفض منحهم تصريحات بالتجمع، إلا أنهم احتشدوا رغم كل شيء.
وبعيد الظهيرة كان الجميع ينشد، والشرطة تتدفق على المكان حتى الساعة الثالثة والنصف، حينما تسلق أحد المحتشدين سارية العلم الأميركي وبدأ في تنكيسه.
أسرعت الشرطة لاعتقال هذا الشخص، لكنهم قُصفوا بالبيض، والقطع الخرسانية، والبالونات المليئة بالطلاء والبول. فردت الشرطة باقتحام الصفوف وضرب المتظاهرين بالهراوات وهم يصيحون "اقتلوهم.. اقتلوهم"، فيما عُرف بعد ذلك بـ "شغب الشرطة".
أما المشاهدون في أنحاء البلاد فتابعوا ما يجري عبر شاشات التلفاز، وأصدروا قرارهم.
أما الديمقراطيون الذين كانوا قد فازوا بسبع جولات رئاسية سابقة، خسروا سبع جولات من العشرة التي تلت ذلك.
وبعد مرور أربعين عاما، احتشد الليبراليون السعداء في نفس حديقة جرانت بارك، بدعوة من عمدة آخر يدعى ريتشارد ديلي؛ للاحتفال بانتخاب باراك أوباما رئيسًا للبلاد. لكن هذه المرة ارتفعت الأعلام في زهو، وأتت الشرطة لتأمين الحشد لا لتهديده.
وللمرة الثانية شاهد الأميركيون ما يجري على شاشات التلفاز، لكن الدماء لم تغْلِ في عروقهم هذه المرة، بل سالت دموعهم.

الدواء المر


جلوبال فاينانس، نوفمبر2008

ترجمة: علاء البشبيشي


سقط النظام العالمي، ولكي يستعيد عافيته لابد من تناول "دواء مر" طرحته في الأسواق مجلة جلوبال فاينانس، آملة أن يكون فيه الشفاء.
وعلى قدر كارثية السقوط، تكون مرارة الدواء، وعلى العالم أن يتحمل فترة العلاج، وإلا فالتداعيات قد تفوق كل التوقعات.
نهاية مأساوية، تلك التي وصل إليها النظام المالي العالمي، ومشهد مروِّع، ذلك الذي رآه المصرفيون حين انهارت امبراطورياتهم، ورعب هائل، هذا الذي اجتاح حتى الحكومات، لدرجة أن صارت الساحة العالمية مهيأة لفحص مجهري دقيق، ليس فقط للنظام المالي العالمي برمته، لكن أيضا للهيكل الذي يديره.
وتحت هذه الحزمة من القواعد الراهنة أصبح النظام المالي العالمي متسما بعدم الشفافية، ومحفوفا بالمخاطر؛ ما جره إلى حافة انهيار شامل. والثمن بعد كل هذا سيكون باهظًا.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومات لزيادة حصصها في الكثير من كبريات البنوك في العالم، فإن يد المنظم تتحرك صوب النظام المصرفي العالمي بحزم وعدوانية بصورة ستُحدِث الاضطراب في كل المصارف.
والنظام المصرفي الذي طالما تمتع بلمسة المنظم الحنون، يواجه الآن مشهدًا مختلفا للغاية، حذر منه السيد اديرتيرنر -المدير العام لاتحاد الصناعات البريطاني- حين قال: إن المصارف البريطانية تواجه رقابة صارمة، مؤكدًا أن اللمسة هذه المرة ستكون أثقل من ذي قبل، ومطالبًَا بأن تكون تلك الرقابة عقلانية، وتتركز على مواطن الخطر الحقيقية.

التغيير حلَّ بأميركا


تايم، 17 نوفمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي

ما زال الفوز التاريخي الذي حَقَّقَه المرشح الديمقراطي باراك أوباما يختطف الأضواء، ويتصدَّر عناوين الصفحات الأولى في المجلات والصحف ووكالات الأنباء العالمية.
هذه التغطية الخاصة تراوحت ما بين تهنئةٍ وتحذيرٍ وتحفُّظٍ وتحليلٍ وتوقُّع.
مجلة تايم الأميركية انضمت لكتيبة المهنئين، وسلطت الضوء على ما رأته "نصرًا تاريخيًا لم تشهده أمريكا منذ عقود".

لم ينتصر باراك حسين أوباما بسبب لون بشرته، ولا نكاية فيها، بل انتصر لأن المواطنين تحركوا زرافاتٍ، كما لم يفعلوا من قبل، في لحظة خطيرة جدًا من تاريخ بلادهم الفتية، لينقذوها؛ فأضحى هذا النصر ملكًا للجميع.
أذكر هذا اليوم، حينما أخبر الآباء أولادهم وهم يصطحبونهم من المدارس أنهم ذاهبون لرؤية مرشح أمريكي من أصول أفريقية وهو يصنع التاريخ، وانتهى المشهد بخروج المواطنين إلى الشوارع للاحتفال بهذه الثورة المِخمليّة.
حتى في الولايات الحُمر (المعروفة بموالاتها للجمهوريين)، خرج مئات الألوف ليستمعوا لأوباما، وفي ميتشجان صنع المواطنون أسوجةً مكهربة حول أفنية منازلهم لتحميها، كما أرسل رواد فضاء ناسا من على متن محطة الفضاء الدولية رسالة مصورة تحث المواطنين على التصويت في الانتخابات، بل سمح أحد القضاة في ولاية أوهايو للمشردين أن يكتبوا، في خانة محل إقامتهم، مقاعد المتنزهات العامة التي تؤويهم؛ لتسهيل عملية إدراجهم في السجلات الانتخابية، كما أتى زوجان من الهند فقط من أجل أن يدليا بأصواتهما، وطرق المتطوعون في حملة أوباما مليون باب يوم الاثنين وحده.

وبينما شكك الرئيس الكوري السابق فيدل كاسترو في إمكانية حدوث تغيير يُذكر في السياسة الأميركية تحت قيادة رئيس جديد، خرجت مجلة تايم الأمريكية لتؤكد أن التغيير قد حلَّ بأمريكا.
ورغم تأكيد كاسترو أن الرئيس الجديد لن يكون قادرًا على تغيير "ما أحدثته قرون من المصالح والأنانية"، رأت المجلة الأمريكية أن الرئيس الجديد لم يفتح صفحة جديدة وفقط، بل أعاد صياغة الكتاب السياسي بأكمله، ليدشن بذلك لمرحلة جديدة.

حينما وضعت تلك الحرب أوزارها، كان أوباما قد حقق نصرًا لم يحققه بشر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وحاز نصره على لقب أكبر فوزٍ ديمقراطي في تاريخ البلاد منذ 44 عامًا.
لقد فاز أوباما بـ 54% من أصوات الكاثوليك، و 66% من أصوات اللاتنيين، و 68% من الناخبين الجدد، مما يعكس حركة تنوع ثقافي، وتقارب بين الأجيال كسرت صخرة الثلج السياسية القديمة.
وحينما نودي بانتهاء السباق، تعالى صوت الضجيج، وانطلقت الأبواق، وارتفعت صيحات الأطفال، وتعانق الغرباء في الشوارع، واصطف السود في حي هارلم محتفلين، وهتف المئات خارج البيت الأبيض قائلين: "نعم نستطيع"، ووصف الرئيس بوش هذا النصر بكونه "هائلاً"، حينما اتصل بأوباما ليهنئه.
أذكر ذلك اليوم، حينما تخيلنا، للحظة على الأقل، أن انتخاب باراك أوباما لم يفتح صفحة جديدة في تاريخ سياستنا فقط، لكنه أيضًا أعاد صياغة الكتاب بأكمله، ليدشن بذلك لمرحلة جديدة.

وتكلمت أمريكا


وورلد ماجازين، 15 نوفمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي

لم تكن مجلة تايم هي الوحيدة هذا الأسبوع التي خصصت موضوع غلافها للحديث عن فوز أوباما، فهاهي مجلة وورلد تلحق بالركب، وتسلط الضوء على لحظة النصر الذي رأت أنها تمثل نقطة تحول فارقة في التاريخ الأمريكي، ووقفة للحزبين الديمقراطي والجمهوري.

هذه الحملة التي استغرقت عامين، وتُوِّجت أخيرًا بانتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأمريكية، مثَّلت نهايتها للديمقراطيين معلمًا تاريخيًا، وللجمهوريين فرصة للبدء من جديد.
لقد مثَّلت هذه الليلة السوريالية نهاية معركة مُنهِكة لأوباما وماكين، استغرقت عامين، خسر بعدهما ماكين دعم العديد من الشرائح، وحصد أوباما العديد من الأصوات.
وفي ضوء هذا النصر الذي حققه أوباما، بدأ الديمقراطيون والمحافظون يعيدون التفكير من جديد في استراتيجية كل منهما.

إعادة صياغة النظام المالي العالمي


ذي إيكونوميست، 15 نوفمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي

فشلت مقررات قمة مجموعة العشرين في واشنطن، على ما يبدو، في تبديد حالة القلق لدى المستثمرين في المنطقة، الأمر الذي توقعته أسبوعية ذي إيكونوميست حتى قبل انعقاد القمة، حين قالت في صدر موضوع غلافها الأخير: "لن يستطيع زعماء العالم إعادة صياغة قواعد النظام العالمي في لقائهم المرتقب، لكن ربما كان بإمكانهم فعل بعض الأشياء المفيدة".
وشبهت المجلة البريطانية قمة دول الثماني بـ "مسرح سياسي"، مُستبعدة أن يصلح هذا اللقاء الخلل المالي الراهن، ومعارِضة رهان البعض أن يستطيع اللقاء الحالي إحراز بعض النجاح الذي حققه مؤتمر النقد الدولي الذي انعقد في يوليو 1994، والمعروف بـ "اتفاقية بريتون وودز"، حيث حضر المؤتمر ممثلون لأربع وأربعين دولة، ووضعوا الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي، وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية.

كثيرون توقعوا نتائج كبرى كتلك التي حققها مؤتمر بريتون وودز الذي انعقد في عام 1944. لكن الأمر مختلف؛ فالمؤتمر القديم استغرق ثلاثة أسابيع، وكان مسبوقًا بما يربو على عامين من التحضير التقني.
وربما تكون الأزمة الراهنة هي الأخطر منذ الكساد الكبير، إلا أن النظام المالي العالمي لن يستعيد عافيته في غضون لقاء مدته خمس ساعات، في استضافة رئيس كسيح، وبعد تحضير أقل بكثير مما حدث من قبل.
ولأنها متواضعة على ما يبدو، فستكون مثل هذه الإصلاحات صعبة ومؤقتة، ولن تحجز لأي واحد مكانًا في كتب التاريخ بجوار جون مينارد كينز- رجل الاقتصاد الذي ترأس وفد بريطانيا في اتفاقية بريتون وودز – والأمريكي هاري ديكستر وايت، صاحب الإسهام الأكبر في صياغة اتفاقية تأسيس الصندوق.

رقم بوش القياسي الذي حُطِّم


ذي أميركان كونسرفيتيف، 17 نوفمبر 2008

ترجمة: علاء البشبيشي

(لقد حجز الرئيس جورج بوش لنفسه مكانًا في قائمة الفاشلين حتى قبل حدوث الأزمة المالية الأخيرة)، هكذا رأت مجلة ذي أميركان كونسرفيتيف الإرث الذي خلفه بوش، والذي كان بحق فشلا محققا في الداخل والخارج.
وترى المجلة أن مؤرخي المستقبل سيقعون في حيرة من أمرهم حينما يقفون أمام تصنيف الفشل الرئاسي الذي خلفه الرئيس بوش، أيضعونه في فئة نكسون وجونسون؟ أم هربرت هوفر؟!
الأمر الوحيد الذي ربما لن يختلف عليه كثيرون، هو أن بوش فاز باقتدار بلقب أكثر رؤساء الحرب دموية في التاريخ الحديث.
أكثر ما أحبه جورج بوش في وظيفته الحالية هو كونه رئيس حرب. أتتذكره وهو يتبختر على متن حاملة الطائرات مرتديًا زي الطيارين؟ لن تجد حتى العسكري المخضرم أيزنهاور يغرق في مثل هذا التخيل الحربي بهذه الطريقة.
صحيح أن بإمكانك أن تأخذ الكأس من يد مخمور، لكن لا يمكنك انتزاع الخيلاء من أحمق!
قارن سنوات بوش الثماني بتلك التي قضاها كلينتون في البيت الأبيض، وسترى كيف أحب هذا الرجل لعب دور الجندي.
لقد سكبنا الدم والثروات الأمريكية فوق تراب العراق لنثبت نظريات نصف خاطئة، حتى صارت أكثر التجارب كلفة في التاريخ.
في البدء كانت أفغانستان (مقبرة الامبراطوريات)، ثم أتى الاعتقاد بأن صدام كانت له علاقة بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وأنه مقدم على تسميم مياهنا، وضرب مدننا بالقنابل النووية، لكن كل ذلك كان مجرد انتقام مفرط - لما حدث في يوم الحادي عشر من سبتمبر - يبحث عن مكان لينفجر فيه.

Tuesday, November 11, 2008

انفجار الفقاعة


فرانت لاين، 7 نوفمبر 2008
ترجمة: علاء البشبيشي


هل ستُجِبر الأزمة المالية المحافظين الجدد في الولايات المتحدة على تغيير سياساتهم؟ سؤال طرحته مجلة "فرانت لاين"، في وقتٍ اتسع فيه الخرق على الإدارة الأميركية، التي تقف الآن عاجزة أمام الوباء الاقتصادي الذي حل بالبلاد.
وترى المجلة أن بعض الحكومات بدأت في تغيير سياساتها بالفعل، وأن الأمر مجرد وقت لتبدأ الحكومات الباقية هي الأخرى السير على نفس المنهاج طوعًا أو كرهًا، في وقت تفعل فيه الأزمة المالية في دول العالم المتقدم فعل النار في الهشيم.

وجوه فريق بوش تبدو شاحبة؛ فبالإضافة إلى أزمة الخزانة الأمريكية، يوجد دين وطني ضخم، وفاتورة حرب باهظة.
وفي العاصمة واشنطن فقد الرئيس جورج بوش قدرته على التبختر. وبعد أن كان يتسم بالتهور أمام وسائل الإعلام، أضحى شاحب الوجه، وبجانبه يوجد أعضاء فريقه العاملون في الأسواق المالية وعلى وجوههم غبرة، يعلوهم الخضوع. ورغم ذلك مازال بوش وباولسون يحاولان ارتداء أفضل أقنعتهما حتى في أصعب الظروف؛ فحينما بدأت أزمة الرهن في تهديد استقرار الاقتصاد الأميركي قبل عام، قال بوش لشعبه: "إن أسس اقتصادنا قوية، ونسبة التضخم منخفضة". لكن شيئًا مما قاله لم يسمن ولم يغنِ من جوع، ورغم أنه كل مرة يواجه فيها الصحافة يزداد مؤشر داو جونز هبوطًا، إلا أن تطميناته مازالت مستمرة.
وحتى باولسون كان يحاول مؤخرًا ارتداء قناع البهجة والتظاهر بالتفاؤل، لكن حتى لغة جسده كانت كئيبة، وكان يبدو وكأنه يبحث عن أقرب مخرج للهروب.

إنها لعنة بوش وحزبه التي باتت تلاحقهم حيثما حلوا أو ارتحلوا، والتي تسببت في
ارتفاع معدل البطالة الأميركية إلى 6.5% بزيادة قدرها 603 آلاف عامل. وبعد التأكيد على هذه الحقيقة المؤلمة، انتقلت المجلة لتتحدث عن طفرتين اقتصاديتين لم يدوما طويلاً؛ بسبب الجشع تارة، ونتيجة التعتيم الذي يهدف أسباب سياسية تارة أخرى.

في التسعينيات من القرن الماضي شهد الاقتصاد الأميركي طفرة كبيرة، يرجع معظم الفضل فيها إلى فقاعتين اثنتين: أولاهما أحدثتها القفزة في مجال الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، والثانية كانت ثمرة ديون المستهلكين.
الفقاعة الأولى انفجرت خلال عامي 2000 و 2001، حينما فشلت شركات تكنولوجيا المعلومات في الوصول إلى مستوى التوقعات المفرطة. وارتدت الفقاعة الثانية على أدبارها متأرجحة بين بطاقات الائتمان والرهن، وبدأت الأموال التي تُنفَق على تسديد الديون تفوق تلك التي يُشتَرى بها الطعام.

الرئيس أوباما


ذا نيو ريبابلك، 5 نوفمبر
ترجمة: علاء البشبيشي


(أصبحت إدارة الرئيس بوش أشبه ما تكون بقطعة ثلج بدأت في الذوبان)، وصف أطلقه الكاتب الأميركي بول أوستر على الإدارة التي تلتقط أنفاسها الأخيرة داخل البيت الأبيض، بعد فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية منذ أيام.
مجلة "ذا نيو ريبابلك" انتهزت الفرصة لتنفس عن بعض غضبها من سياسات بوش التي قادت البلاد إلى المجهول، ولتسلط الضوء على الإرث الثقيل الذي ينتظر الرئيس الجديد.

كانت السنوات الثماني الماضية أشبه ما تكون بمشاهدة إحدى الحلقات التليفزيونية. لقد دخلنا عهد بوش مفتونين، وخرجنا منه مغمومين؛ بعد تدمير المدن الرئيسية، وسقوط السيارات من على الجسر المتهاوي فوق الميسيسيبي، ودمار النظام المالي، وغير ذلك من الكوارث.
هناك أسباب كثيرة جعلت هذا العهد موحشًا. بالطبع ليست كلها متعلقة بالرئيس، لكن مما لاشك فيه أن بوش هو المسئول الأول عن تعطيل الحكومة الفيدرالية، المحرك الوحيد القادر على أن يجعل بنيتنا التحتية الطبيعية والاقتصادية تعمل بكفاءة. كما أنه استخف بالمعتقدات التي أرشدت البلاد منذ عقود؛ لذلك فلن يرث الرئيس الجديد مجرد كارثة اقتصادية وصحية وبيئية، وحربَيْن، وانتشار عسكري فاق كل حد، وتهديد إيراني وشيك، بل سيرث أيضًا حكومة في غاية الضعف، لدرجة أنها أضحت عاجزة حتى عن حماية رفاهية مواطنيها.
إنه بالفعل إرث ثقيل، ذلك الذي خلفه بوش لأوباما. لكن المجلة ترى أن الشاب الأسود قادر على إدارة الأمور بحرفية داخل البيت الأبيض، الأمر الذي لا يمنع إبقاء بعض التشكك، إذا ما طفت على السطح أمور لم نكن نراها.
معظم الأميركيين كانوا يميلون إلى أوباما، ربما ليس حبًا فيه بقدر حنقهم على بوش وسياساته الهوجاء.
وتبقى الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، وما علينا إلا الانتظار لنرى، هل بالفعل سيغير أوباما وجه أميركا؟ أم سيقلب الطاولة على رؤوسنا!

يفضل السواد الأعظم منا أن يكون باراك أوباما هو من يتعامل مع هذه الفوضى. خاصة وأنه يتمتع ببعض الميزات التي تعطينا الأمل أن بإمكانه فعل ما هو أكثر من مواجهة الدمار الذي تسبب فيه بوش، وأن بإمكانه بالفعل انتهاز الفرصة التي تتاح فقط مرة كل مائة عام، والتي أفرزتها الأزمة الراهنة، ليغير وجه الدولة الأمريكية.
ويبقى نصيبنا من الشك قائمًا، وكيف لا نتشكك مع مرشح قليل الخبرة؟.
كنا نتمنى لو انطلق لسانه أكثر في موضوعي الاقتصاد العالمي والنظام المالي الذي يبدو أنه سيضطر إلى إعادة صياغته من جديد.

سبع مشاكل محتملة الحدوث يوم الانتخابات



تايم، 3 نوفمبر 2008
ترجمة: علاء البشبيشي


(أصبح بإمكاننا الصعود إلى القمر، ومشاهدة مباريات كرة القدم على شاشات الهواتف النقالة، لكن أنجح الديمقراطيات في تاريخ البشرية لم تتوصل بعد إلى كيفية إدارة انتخابات بلا مشاكل) حقيقة بدأت بها مجلة "تايم" الأمريكية موضوع غلافها الأخير، والذي خصصته للحديث عن المشكلات التي يُحتَمل حدوثها يوم الانتخابات في أميركا، خاصة وأن الديمقراطيون والجمهوريون يتوقعون تدفق أرقام قياسية على صناديق الاقتراع، ربما وصل عددها إلى 130 مليون ناخب، من بينهم ملايين الأشخاص الذين يدلون بأصواتهم للمرة الأولى في حياتهم!

المشكلة الأولى: هي فوضى قاعدة البيانات؛ فقد لا يجد أحد المواطنين اسمه مسجلا في الكشوف، أو يجد اسمه مكتوبًا بطريق غير صحيحة. وهي أخطاء تُحدِث ارتباكًَا في قوائم التصويت. لذلك طالب الكونجرس في العام 2000 كل ولاية بإعداد قاعدة بيانات لكل ناخب، يمكن مقارنتها فيما بعد ببيانات الأشخاص الآخرين، تضم على سبيل المثال رخص القيادة، وأسماء الأشخاص الذين توفوا، أو بَطُلت أصواتهم، وهو الأمر الذي اعتُبِر في صالات الكونجرس الرخامية "فكرة عظيمة"، ستساعد في حل المشكلات القديمة عن طريق التقنيات الحديثة. ولما كانت هذه الإجراءات تتم تحت إشراف بعض مسئولي الولايات الحمقى والحزبيين، فلا غروَ أن تتحول قاعدة البيانات هذه إلى كابوس عملي، يخشى الخبراء من أنه قد يحرم الآلاف من حقهم في التصويت.

المشكلة الثانية التي قد تحدث يوم الانتخابات هي ما أطلقت عليه المجلة "التسجيل باسم "ميكي ماوس"، وهي المشكلة التي ترجع لعقود، حيث دأبت الأحزاب والجماعات السياسية على إعطاء رشاوى للناخبين من أجل التسجيل بأسماء جديدة وهمية.
ورغم أن البعض قد ينظر إلى فكرة أن يسجل "ميكي ماوس" اسمه في سجلات الناخبين في أميركا باعتبارها مزحة، إلا أن الأمر قد حدث بالفعل في مدينة "أورلاندو"، موطن ممكلة ديزني، حيث حاول "ميكي ماوس" تسجيل اسمه للتصويت، أما في ولاية "إنديانا" فاكتُشِف أحد الطلبات مقدمًا باسم إحدى المطاعم، وفي ولاية "نيفادا" فوجئت السلطات بطلب تسجيل مقدم باسم "مجموعة رعاة البقر في دالاس". كما تبين أن طفلة عمرها سبع سنوات كانت بين المسجلين في ولاية "كونيتيكت"، واعترف رجل في "أوهايو" بأنه سجل اسمه لدى منظمي هذه الحملة أكثر من 70 مرة مقابل النقود والسجائر.

المشكلة الثالثة: هي نماذج التصويت السيئة، حيث أنشأت السلطات الانتخابية المحلية نماذج أربكت كبار الناخبين، وأبطلت أصوات الآلاف.
ففي هذا الصيف أرسلت حملة ماكين نماذج تصويت في غاية السوء لأكثر من مليون ناخب في ولاية أوهايو، هذه النماذج احتوت على قائمة طويلة من أسماء الناخبين، المطلوب فحصها لاكتشاف ما إذا كانت صالحة أم باطلة.
المشكلة الرابعة تتمثل في أعطال آلات التصويت، خاصة وأنه من المتوقع أن يستخدم ثلث الناخبين الماكينات الالكترونية، التي عادة ما تكون مزودة بشاشات تعمل باللمس. هذه التقنية أحيانًا تكون عرضة للتلف، وقد تتسبب في اختيار مرشح آخر غير الذي صوت له الناخب. لكن القلق الأكبر الذي يبديه خبراء الكمبيوتر هو عدم وجود نسخ ورقية احتياطية من سجلات هذه الآلات. الأمر الذي يؤدي في حالة تلف الآلة، أو عطب البيانات داخلها، إلى إعادة العملية برمتها من جديد.
وتكمن المشكلة الخامسة في التوزيع غير العادل للمصادر، ففي العام 2004 اشتكى بعض الديمقراطيين من استخدام الجمهوريين بعض المصادر للتلاعب في نتائج التصويت، عن طريق توفير ماكينات كافية للناخبين في مناطقهم تسهل عليهم عملية التصويت، فيما كانت أعداد كبيرة من الديمقراطيون في كولومبوس يقفون في طوابير، يقضي فيها الناخب قرابة الأربع ساعات، وغالبًا تكون تحت المطر.
أما المشكلة قبل الأخيرة فهي الأعباء الجديدة التي أضيفت لإجراءات التحقق من الشخصية، والتي تسببت في منع تصويت الكثيرين.
وتبقى الإرشادات المضللة، والمعلومات الخاطئة هي المشكلة الأخيرة التي قد تحدث يوم الانتخابات، وقد بدأت بالفعل اللافتات المعلقة على السيارات تجوب الشوارع مخاطبة الديمقراطيين أن يصوتو يوم الأربعاء لا الثلاثاء! بالإضافة إلى المكالمات الهاتفية المسجلة التي تحذر الناخبين من أنهم سيتعرضون للاعتقال في أماكن التصويت، أو أن أماكن الاقتراع المخصصة لهم قد تغيرت.

العملاق الجشع خرج عن السيطرة



بروسبكت، نوفمبر 2008
ترجمة: علاء البشبيشي


إذا رجعنا بالأذهان للوراء، وتحديدًا إلى ما قبل ثلاثة عقود من الآن، سيتضح لنا سبب المأزق الحالي الذي وقع فيه القطاع المالي العالمي، حيث بدأ قطاع الخدمات يتطور على حساب القطاعات التقليدية من تجارة وصناعة وزراعة.
وفي هذا السياق رأت مجلة بروسبكت أن العملاق الجشع، الذي كثيرًا ما فرح العالم بنموه، بدأ يخرج عن السيطرة، ويدمر الأخضر واليابس

إن التنامي الهائل الذي يشهده القطاع المالي يعتبر إحدى عجائب عصرنا. و قد أرجع الاقتصاديون وغيرهم الصعود الكبير لهذا القطاع في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي إلى تطبيقه للحكمة المالية والتقليدية، التي تنظر إلى المنافسة باعتبارها ضامنًا للكفاءة، وإلى الأرباح باعتبارها مكافأةً على الإتقان. صحيح أن عوائد القطاع المالي بدأت في الانخفاض نتيجة أزمة الائتمان، لكن السياسيون والسلطات المالية شعرت بأنها مجبرة على سد هذه الفجوة.
الأزمة تكمن في أن القطاع المالي الآن ليس ضخمًا وفقط، بل متقلب بشكل مقلق. ففي الوقت الذي ارتفعت فيه بعض الشركات، مثل مايكروسوفت وجوجل، نتيجة ابتكارها منتجات أضافت إلى الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، يبقى القطاع المالي عاجزا عن تقديم مثل هذه المنتجات النهائية.
ما الذي يفسر إذن التوسع الملفت للقطاع المالي؟ إنه سؤال حير حتى هؤلاء الذين استفادوا بقوة من نمو هذا القطاع. وفي هذا السياق قال المستثمر الأسطوري جورج سوروس لمجلة "بروسبكت" في يوليو من العام الجاري: إن القطاع المالي انتفخ، وأصبح ينمو بوتيرة مفرطة، وهو بحاجة إلى أن ينكمش قليلا؛ لأن نسبته أصبحت كبيرة جدًا مقارنة بباقي نسب القطاعات الاقتصادية، مما أثمر تلك الفقاعة الكبرى التي ظهرت منذ 25 عامًا".
أما الخبير المالي "باول وولي"، فجاء بانتقاد عنيف، متسائلا عما إذا كان نمو هذا القطاع قد أفاد المجتمع، مؤكدًا أن القطاع المالي إذا زاد عن حده، حمَّل الاقتصاد الإنتاجي ضرائب لا مبرر لها.

المحكمة العليا والانتخابات



ذا نيشن، 3 نوفمبر 2008
ترجمة: علاء البشبيشي


تستحوذ الانتخابات الرئاسية الجارية في أميركا على اهتمام غير مسبوق، ذلك لأن من شأنها هذه المرة أن تعيد تشكيل خارطة الحياة السياسية الأميركية إلى حد كبير، ليس فقط على مستوى اختيار الرئيس الذي سيقود أكبر دولة في العالم، بل أيضًا على مستوى إعادة تشكيل المؤسسة التشريعية في البلاد، التي بدأت بالفعل تتجهز لا ستقبال هذه الحقبة الجديدة.
مجلة ذا نيشن سلطت الضوء على المحكمة العليا الأميركية، وموقعها في الانتخابات الرئاسية، في ظل تغيرات جوهرية تلوح في الأفق.

ستشكل الانتخابات الرئاسية القادمة في أميركا ملامح المحكمة العليا لسنوات، خاصة وأن تغيرًا بدأ يلوح في الأفق؛ فاللورد جون ستيفنس قد ناهز الثمانين، والقاضي ديفيد ساوتر يكره واشنطن، والقاضية روث بادر غينزبيرغ تُعالَج من السرطان. وسوف يغادر واحد أو أكثر من هؤلاء كرسي القضاء خلال السنوات الأربع القادمة، وسوف يمثل استبدال أحد المحافظين بواحد أو اثنين منهم انقلابًا على الأحكام الرئيسية التي صدرت خلال السنوات الأخيرة.
هذه المحكمة الجديدة ستشكل تهديدًا للعديد من القرارات التي تتعلق بالإجهاض، والأمن القومي، والفصل بين الكنيسة والدولة، وحقوق الشواذ، والإجراءات الإيجابية المتعلقة بحقوق الأقليات، والقضايا الانتخابية، أضف إلى ذلك حماية التعديل الأول للدستور الأمريكي، وحقوق المرأة، وحماية المهاجرين، وتوفير الخدمات القانونية، وقوانين الحماية البيئية.

ولا يوجد ضمان هذه المرة على أن أحد الحزبين سيحظى بأغلبية المجلسين معا؛ فالمؤشرات تقول: إن الجمهوريين قد يحتفظون بالأغلبية في مجلس الشيوخ فقط، بينما سيفوز الديمقراطيون بالأغلبية في مجلس النواب، ومن ثم فإن التشكيل الجديد للكونجرس، وتوازن القوى بداخله، من شأنه أن يعلب دورًا محوريًا في تحديد الممكن والمستحيل من السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية على حد سواء.
وتؤكد المجلة أن المحكمة العليا ستكون بالتأكيد عرضة لتحول كبير؛ حيث سيقوم الرئيس الجديد على الأرجح باختيار عضو واحد على الأقل لينضم لقضاة المحكمة، التي صارت تقوم من خلال أحكامها بتشكيل الكثير من جوانب الواقع الاجتماعي والسياسي في أمريكا.

لكن بعض المعلقين طرحوا فكرة أن الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الجديد سيكون بإمكانها إعاقة ترشيح أي من المغالين. وهو الأمل المفرط في التفاؤل؛ فلم يستطع أحد عرقله أي مرشح للمحكمة العليا منذ المعركة الحامية التي نشبت بشأن القاضي روبرت بورك، الذي سماه الرئيس السابق رونالد ريغان عام 1987، والديمقراطيون لا يرغبون في إعادة الخوض في مثل هذه المعارك مرة ثانية.
بالإضافة إلى ذلك، فمن الصعوبة بمكان أن تمنع ترشيح شخص استنادًا إلى أسباب أيدلوجية محضة، كما أوضح ذلك من قبل ترشيح جورج بوش لسامويل أليتو و جون روبرتس، خاصة إذا كان المرشح مؤهلا و هادئًا في أدائه كروبرتس.
وستتضاعف الصعوبة إذا كان المرشح امرأة، نظرًا لندرة النساء في المحكمة، ووجود العديد منهن ممن ينتمين إلى أقصى اليمين في المحاكم الفيدرالية وأماكن أخرى يمكن الاختيار من بينهن.

في قلب العاصفة



ذي إيكونوميست، 25 أكتوبر- 1 نوفمبر 2008
ترجمة: علاء البشبيشي


مازالت بعض الاقتصاديات الناشئة بعيدة عن قلب الإعصار المالي الذي ضرب الاقتصاد العالمي، صحيح أنها قد تكون تضررت بعض الشيء، لكن ليس بنفس الشكل الذي تضررت به الدول الغنية.
من قلب الإعصار، تسائلت أسبوعية "ذي إيكونوميست"، كيف للعالم الناشئ التأقلم مع العاصفة التي ستؤثر على اقتصاد العالم وسياسته لوقت طويل؟!

معظم العام الفائت، كانت الاقتصاديات سريعة النمو في الدول الناشئة ترقب الإعصار المالي الغربي من بعيد. وحتى إذا كثر الحديث عن أن العالم الغني يعاني من أسوأ انهيار مالي شهده منذ الكساد الكبير، إلا أن الاقتصاديات الناشئة تبدو بعيدة إلى حد كبير عن قلب العاصفة؛ ربما لأن الاقتصاديات الناشئة قد اتخذت أوضاعًا مختلفة من التأهب.
لكن التأثير التراكمي لكل ما يحدث سيكون مهولا، خاصة وأن بنوك هذه الدول الناشئة تمتلك بعضًا من أصول الرهن العقاري التي أسقطت المؤسسات المالية في الدول الغنية، فيما ارتفع معدل الصادرات هناك بفضل ارتفاع أسعار المواد الخام.
ورغم أن الاقتصاديات الناشئة شكلت حوالي ثلاثة أرباع النمو العالمي خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية، بيد أن مصيرها الاقتصادي سيخضع للظروف السياسية.

Tuesday, October 28, 2008

منظومة الموت


فرانت لاين، 24 أكتوبر 2008
ترجمة/ علاء البشبيشي


(باستخدام طن من القنابل الموجهة قتلت القوات الأمريكية ورفقاؤهم في الناتو من المدنيين الأفغان 10 أضعاف ما قتلوا من الصرب عام 1999. لكن حياة المواطن الأفغاني بمقاييس هؤلاء تساوي عُشر حياة ثعلب ألاسكا البحري).. كلام موجع لكنه واقعي، استهلت به مجلة "فرانت لاين" موضوع غلافها الأخير، والذي خصصته للحديث عن آلاف المدنيين الأفغان الذين لقوا حتفهم، ولا يزالون، على يد قوات الاحتلال، التي يسميها البعض زورًا "قوات التحالف"، من باب (نحن لا نكذب ولكن نتجمل).
إنها مأساة لن يضمن حتى انتخاب أوباما وضع حد لها، خاصة بعد تعهده الأخير بضرورة زيادة عدد القوات الأميركية وقوات حلف الناتو في أفغانستان، لأنه كان ولا يزال يعتبر أن أفغانستان وليس العراق (كما يدعي الرئيس بوش والسيناتور ماكين) هي "الجبهة المركزية" لما يُسمى بـ (الحرب ضد الإرهاب).

كان أوباما يرنو ببصره إلى كسب موقف سياسي حينما صرح بأنه سيرفع عدد قوات بلاده في أفغانستان إلى حدود الثلث على الأقل، وسيسمح للقوات الأمريكية/ الناتو بالاشتراك في عمليات المطاردة داخل مناطق القبائل الباكستانية، وزيادة عمليات القصف ونشاط القوات الخاصة داخل باكستان، مصرحًا بأنها حرب على الإرهاب، ومؤكدًا أن أمريكا ينبغي أن تنتصر، بل يجب عليها ذلك.
لقد بدا الرجل جاهلا تماما أن قومية الباشتون - أو طالبان- والقاعدة شيئان مختلفان.
وبينما تنفق الولايات المتحدة في الوقت الراهن 100 مليون دولار يوميا في أفغانستان، فإن المساعدات التي قدمها المانحون منذ عام 2001 لتلك البلاد لم تتعد عُشر ذلك. بكلمات أخرى يمكننا القول: إن الجهد الذي يُبذل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية داخل أفغانستان هو في أحسن الأحوال على هامش الاهتمام، بل إن كثيرين يشيرون إلى عدم فاعلية تلك المساعدات.
وبتحليل دقيق للأموال التي أنفقتها الولايات المتحدة في ثماني مدن أفغانية يتضح أن أمريكا أنفقت على حادثة التسرب في ناقلة النفط العملاقة إكسون فالديز أكثر عشر مرات مما دفعته للعائلات الأفغانية التي قُتل بعض أفرادها على يد قوات الاحتلال الأمريكية.
وهو الأمر الذي تؤكده الأرقام الرسمية التي تقول: إن كل دولار واحد يُنفق في إطار ما يُسمى بإعادة الإعمار يقابله 10 دولارات تُنفق على تحقيق أهداف جيوسياسية تصب في مصلحة أمريكا.

مع استعادة طالبان بسط بعض نفوذها على الأرض في أفغانستان، وتكثيف ضرباتها الموجعة ضد قوات الاحتلال، تتزايد مطالب القوات البرية الأميركية بالدعم الجوي والهجمات بالقنابل. المشكلة تكمن في أن تلك الضربات الجوية أشد فتكا بالمدنيين الأفغان من الهجمات البرية، خاصة وأن ضحايا النوع الأول من الضربات لا يفرق بين المرأة والطفل الرضيع والشيخ المسن.
لقد أضحى الشعب الأفغاني الآن بين خيارين أحلاهما علقم؛ إما أن يموت بقصف صاروخي، أو برصاصة في إحدى المداهمات، وربما يطرح المستقبل القريب خيارًا ثالثًا أشد إيلامًا!

صحيح أن الاعتماد على الهجمات الجوية التي تقوم بها "قوات الخدمات الخاصة" البريطانية (ساس) تحافظ على حياة طياريّي أمريكا وجنود مشاتها، إلا أن ضحاياها من المدنيين الأفغان أكثر بكثير من ضحايا العمليات البرية.
هؤلاء الضحايا لم تنجح منظمة هيومان رايتس ووتش إلا في توثيق 50% فقط منهم، فيما لم تسجل وكالة ذي أسوشييتد برس سوى 33% .
إن القارئ لأحداث ما بعد الحادي عشر من سبتمبر يَخلُص إلى أن التقارير التي تتحدث عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين الأفغان بسبب القصف الجوي الغربي، أشعلت روح المقاومة في نفوس المسلمين، والخطوة التالية ربما تكون تجاهل تلك التقارير المفصلة أو التقليل من شأنها أو إسكاتها، وهو الأمرالذي تقوم به أمريكا الآن بالفعل.
للأسف، نحن نعيش في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، الذي تسود فيه ثقافة تكميم الأفواه، وهو الأمر الذي يستدعي للأذهان حادث استهداف مكتب قناة الجزيرة في كابل في الثاني عشر من نوفمبر من العام 2001.
وهاهو البنتاجون وأبواقه الإعلامية من خلفه يعملون على قلب الحقائق، فبضغطة زر على لوحة المفاتيح يتحول الضحايا المدنيون إلى "ميليشيات" أو "متمردين"!
كما تعمل الآن وسائل الإعلام وعلى رأسها "ذي أسوشييتد برس" على تسليط الضوء التفصيلي على المدنيين الذين يسقطون نتيجة هجمات طالبان، حتى أنها توثق ذلك بالصور، في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن الضحايا المدنيين للهجمات الجوية لقوات الناتو، وبالطبع لا تنشر لهم صورًا.
أما الذرائع التي تتخذها القوات الأمريكية والناتو وأذنابهما لتبرير مقتل هؤلاء المدنيين في الغارات الجوية، فذريعتان، الأولى: أن يقولوا إننا لم نتعمد أبدا استهداف المدنيين، ويردفون بالإعراب عن أسفهم لذلك. أما الذريعة الأخرى فتتلخص في التأكيد على أن طالبان ومن خلفهم من المقاتلين العرب والمسلمين يستعملون المدنيين كدروع بشرية!

الأغلبية الجديدة في مجلس الشيوخ


ذا نيشن، 27 أكتوبر 2008

ترجمة/ علاء البشبيشي

في الوقت الذي يُتوقع فيه للديمقراطيين أن ينتزعوا مقاعد جديدة من الجمهوريين في انتخابات الرابع من نوفمبر المقبل، والحصول على المزيد من السلطات، خرج المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية جون ماكين يوم السبت الماضي بتصريح يائس حذر فيه من احتمال سيطرة الديمقراطيين بشكل تام على واشنطن!
وفي هذا السياق توقعت مجلة "ذا نيشن" الأمريكية أن يحظى مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية جديدة، الأمر الذي رفع من درجة مصداقيته المحلل "ستيوارت روثنبرغ" حين توقع هو الآخر أن يفوز الديمقراطيون بأغلبية 60 مقعدا في مجلس الشيوخ.
وهنا يُطرح التساؤل: لماذا أفل نجم الجمهوريين بهذا الشكل؟، ليأتي الجواب حاسمًا: إنه بوش، الذي فاز عن جدارة بلقب أسوأ رئيس عرفته أمريكا منذ اكتشافها على يد كولمبوس، والذي يرى الكثيرون أن اختياره لسكنى البيت الأبيض كان الخطيئة الكبرى للحزب الجمهوري، والتي يدفع الآن ثمنها غاليًا!

"لم يكن بوش وحده هو الذي أخرج قاطرة بلاده عن القضبان، بل كانت وراءه لجنة حزبية تعج بنواب مجلس الشيوخ من الجمهوريين، الذين يمكنونه من ذلك في كل خطوة يخطوها" على حد قول النائب الديمقراطي تشاك شومر، رئيس لجنة الحملة الانتخابية للديمقراطيين في انتخابات مجلس الشيوخ، مضيفًا: "طيلة سنوات ست على عرش الأغلبية، حاول الجمهوريون إخفاء أثر فشل السياسات البوشيّة، وخلال العامين الأخيرين في نفس الموقع وقفوا حجر عثرة في طريق التغيير الحقيقي.
كما عمل الجمهوريون مرات لاحصر لها على عرقلة التشريعات التي تهدف إلى إنهاء حرب العراق، وسدوا الطريق أمام الجهود الرامية إلى تخفيض أسعار الوقود، بل أعاقوا حتى ما يتعلق منها بالرعاية الصحية لأطفالنا، ومن الواضح أن أوباما كي يحرك بلادنا إلى الأمام سيكون بحاجة إلى أغلبية غير هذه".
أما الديمقراطيون فما زال بإمكانهم التحدث على نحو يمكن تصديقه، ليس فقط عن انتخاب أوباما، لكن أيضًا عن توفير أغلبية للرئيس الجديد بإمكانها جعل وعد أوباما بالتغيير أكثر من مجرد شعار.

الصعود


جلوبال فاينانس، أكتوبر 2008
ترجمة/ علاء البشبيشي


مازالت خطط التطوير الاقتصادية في دول تجمع جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية تعرقلها مخاوف تاريخية من الاستثمار في مجال البنى التحتية. إلا أن مجلة "جلوبال فاينانس" ترى أن بإمكان مستثمري القطاع الخاص أن يشكلوا الحلقة المفقودة في هذا السياق.
في تقرير صدر في يوليو الماضي أقر البنك الدولي بأنه تعلم درسًا هامًا، وهو "أنه لم يعد هناك مجال لنقاش ما إذا كان للبنى التحتية دور فاعل في تقليل نسب الفقر، فالأمر أضحى حتميًا"، وخَلُص التقرير إلى أن "خدمات البنى التحتية الحديثة والتي يمكن الاعتماد عليها أصبحت ضرورية للغاية لجهود التنمية"، بحسب تصريحات كاثرين سييرا، نائبة رئيس البنك الدولي لشؤون التنمية المستدامة.
ويُتوقع أن يستثمر البنك خلال السنوات الأربع القادمة ما بين 59 مليار إلى 72 مليار دولار في مشروعات البنى التحتية، آملا أن يجذب هذا الاستثمار ما بين 109 مليارات إلى 149 مليار دولار أخرى من خلال المساعدات التنموية الرسمية التي تمنحها الدول الرائدة، ومستثمري القطاعين العام والخاص.
وخلال عملياته المستقبلية يسلط البنك الدولي ضوءًا خاصًا على مشروعات الطاقة في أفريقيا، ويرجع هذا التركيز الشديد إلى أن أفريقيا، وإن استفادت من طفرتها الاقتصادية التي حدثت خلال عقود، فإن مناطق صحراوية كبيرة تبقى بدون ما يسميه البنك "الطاقة الحديثة". وهو نفس الأمر الذي سلط عليه الضوء فالى موسى، وزير شؤون البيئة والسياحة بجنوب أفريقيا، حينما قال: "القارة بأكملها تسير على درب النمو، مما يعني ضرورة إيجاد كميات كبيرة من الطاقة الإضافية للقارة الأفريقية بأكملها".
ورغم أن سكان أفريقيا يعادلون سبع سكان العالم، بتعداد يصل إلى 900 مليون نسمة، إلا أن إنتاجها من الطاقة لم يتعد 4% من الطاقة العالمية.

الرأسمالية في مأزق


ذي إيكونوميست، 18-25 أكتوبر، 2008

ترجمة/ علاء البشبيشي


بدأ نجم الرأسمالية في الأفول، وأصبح قادة الغرب ومُنَظِّروه يُصَرِّحُون بذلك علانيةً، بعد أن خجلوا من الاعتراف بذلك طويلًا، اللهم إلا القليل الذي لا يزال يدافع عن تلك الورقة الخاسرة، من أمثال بوش؛ الذي يرى أن الفرصة مازالت سانحةً لاستدراك ذبالة المصباح قبل أن ينطفئ.
أسبوعية "ذي إيكونوميست" البريطانية انضمت لركب المهللين للرأسمالية، معتبرة إياها "أفضل نظام اخترعه البشر على مر التاريخ"! ورغم ذلك لم تستطع أن تنكر أنها سبب الكوارث التي تحيق بالعالم الآن.
حرية الاقتصاد باتت في خطر، والنظام الذي يمثلها، الذي هو الرأسمالية، أصبح في مأزق. الأمر الذي دفع بريطانيا، بلد الملكية الخاصة، أن تؤمم حكومتها قطاعا كبيرا من صناعتها المصرفية، في الوقت الذي تتواتر فيه التحليلات عن نهاية حقبة تاتشر-ريجان.
أما الحكومة الأمريكية فوعدت بضخ 250 مليار دولار في قطاعها المصرفي، والحكومات الأخرى تعيد صياغة نظامها المالي، وفرق التدخل غارقة في النحيب، والغرب أشبه ما يكون بـ "المعلم الذي تواجهه المشكلات" على حد وصف أحد الزعماء الصينيين مؤخرًا، وكل العلامات تشير الآن إلى اتجاه واحد هو تدخل أكبر للدولة، وإلجام لجماح القطاع الخاص.
إن الرأسمالية في مأزق، وعلى المؤمنين بها القتال لإنقاذها.

Wednesday, October 22, 2008

إنقاذ النظام



ذي إيكونوميست 11 – 18 أكتوبر 2008

ترجمة/ علاء البشبيشي


مازالت أنظار العالم مركزة على الأزمة المالية التي ضربت العالم، وقادته إلى المجهول. فيما توقعت صحيفة واشنطن بوست أن يصل العجز الفدرالي في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار في السنة المالية التي بدأت في أول أكتوبر الجاري، وهو أسوأ رقم سجله العجز في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. أسبوعية ذي إيكونوميست الاقتصادية هي الأخرى لا ترى في الواقع ما يبعث على الأمل، ورغم ذلك طالبت بجهد دولي مشترك لمواجهة هذه الكارثة. يمر الاقتصاد العالمي بحالة هزال حققية، ومازال وضعه مرشحا للتدهور أكثر، وقد حان الوقت لوضع السياسات والنظريات جانبًا، والتركيز على الحلول العملية، وهذا معناه تدخل أكبر للحكومات، بعيدًا عن دافعي الضرائب والسياسيين أو حتى صحافة السوق الحرة. لقد بلغ السيل الزبى، وبدأ الصبر ينفد، وإذا لم يهدأ هذا الذعر الذي تسبب في خنق شريان الائتمان حول العالم، سيكبر الخطر ولن تكون اقتصاديات الدول الغنية عرضة للانكماش وفقط، بل وللانهيار أيضًا. وهو نفس السيناريو المرشح حدوثه في العديد من الأسواق الناشئة، خاصة تلك التي تعتمد على رؤوس الأموال الأجنبية. إنها أزمة قلبية مالية عالمية لن تستطيع دولة أو صناعة تفادي آثارها. إنه إذا، شر لابد منه، ولأن العالم الغربي مازال متمسكا بالرأسمالية التي جرت عليه تلك الويلات، فربما يصدق فيه المثل القائل: (على أهلها جنت براقش). لقد أصبح العالم اليوم كالغريق الذي يبحث عن أي طوق للنجاة، ورغم إثبات النظام المالي الإسلامي نجاحه في هذا الخضم، إلا أن الحلول التي طرحتها ذي إيكونوميست للخروج من هذه الأزمة لم تشر من قريب أو بعيد لهذا الحل المجرب. علمنا التاريخ أن التحرك الحكومي السريع والحاسم بإمكانه تخفيف الألم وتقليل كلفة الكارثة المصرفية، لكن المشكلة أن أزمة الائتمان هذه المرة أعمق وأوسع من ذي قبل، حيث تخطت الأسواق والبلدان. لذلك ينبغي أن تكون الحلول المطروحة أكثر نظامية وعالمية من ذي قبل. وإذا ماحاولت دولة بمفردها إصلاح جزء من نظامها المصرفي فلن تُفلح أبدًا.وإذا ما توقف هذا الفزع، فربما كان بإمكاننا التعامل مع المشكلة، يساعدنا في ذلك قوة الاقتصاد في الدول الناشئة.

هل يتوجه عدد أكثر من اللازم إلى الجامعة؟


ذي أميركان، سبتمبر – أكتوبر 2008
ترجمة/ علاء البشبيشي


"ليست مهمة الجامعات في الواقع أن تدرِّس لمرتاديها المعلومات التي يحتاجونها من أجل توفير لقمة العيش. وليست مهمتها مجرد إخراج محامين أو أطباء أو مهندسين مهرة، بل تتلخص مهمتها في تكوين أناس مثقفين وأكفاء"... جملة لـ "جون ستيوارت ميل" ألقاها على مسامع الطلاب في جامعة ساتنت أندروز في عام 1867، اختارتها مجلة ذي أميركان لتستهل بها موضوع غلافها الأخير والذي خصصته للحديث عن النظام الجامعي في الولايات المتحدة الأمريكية، مطالبة من خلاله بعدم اقتصار التعليم الليبرالي على نخبة المثقفين، وفتح الباب أمام الجميع.
كل الأطفال الأمريكيين، أيا كان إرثهم العرقي، وسواء جاءت عائلاتهم إلى البلاد منذ 300 عام خلت، أو منذ ثلاثة شهور فقط، كلهم بحاجة إلى دراسة معلومات حول العديد من القضايا المحورية المتعلقة بالبلاد، لأنها تمثل للمجتمعات المهاجرة الهوية المشتركة التي تجعلهم أكثر ارتباطًا بأمريكا من الأمريكيين أنفسهم.إن القول بأن هناك عددا أكثر من اللازم يذهب إلى الجامعة، ليس كقولنا بأن السواد الأعظم من الطلاب ليسوا بحاجة إلى دراسة التاريخ والعلوم والأعمال الفنية العظيمة والأدب؛ لأنهم بالفعل يريدون أن يتعلموا، وأن يعرفوا أكثر مما درسوه... لذا دعونا نعلمهم مايريدون، لكن دون انتظار للجامعة لتقوم بهذه المهمة.

ديفيد ميليباند


بروسبكت، أكتوبر 2008

ترجمة / علاء البشبيشي


ديفيد ميليباند، هو وزير خارجية بريطانيا، الذي يبلغ من العمر 41 عاما، ويعد أصغر من تولى هذا المنصب في المملكة المتحدة منذ ثلاثين عاما.
في حوار نشرته مجلة بروسبكت الأمريكية، تحدث ميليباند عن السبل المتاحة أمامه لإصلاح سياسات بريطانيا الخاطئة، وعن مدى كونه براجماتيًا، في عالم ربما تدفع فيه الظروف المرء للتعامل مع أناس لا يحبهم، فكانت هذه الكلمات.
إنني براجماتي.. بمعنى أنني أمتلك قيمًا وأفكارًا، لكن إذا وجدتها ستؤثر سلبًا في مكان ما، هل سأتزحزح عنها؟ بالطبع لا. وهذا هو السبب وراء كل الجدل الذي أثرتُه في العلاقات المتغيرة بين الدولة والمجتمع الدولي، وبين بلادنا ومواطنيها. لذلك علينا التكيف مع قواعد هذا العالم الجديد.
أحد عشر عامًا مرت الآن منذ 1997، وقد أضحى العالم مختلفًا، فهاهي روسيا اجتاحت جارتها، فيما اختلفت الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط بصورة جذرية، ومازال التغيير مستمرًا.
سألته المجلة عن كوسوفا، ومدى اهتمام بلاده بالأوضاع هناك، فقال: لقد تم تهجير الملايين من بيوتهم، وقتل الآلاف، وهو الأمر الذي يستحق وقفة، أما عن سبب اهتمامنا بهؤلاء فيكمن في التصاق البلقان بأوروبا، لذلك فعدم استقرارها يمثل تهديدًا للعديد من شركائنا الأوروبيين، بل ولنا أيضًا إلى حد ما.
وانتقلت المجلة بعد ذلك للحديث عن التغير المناخي، والتقنيات التي يحتاجها العالم لمواجهة هذا التحدي القابع فوق رأسه، متسائلة هل يمكن لنا هزيمة هذه المشكلة دون تغيير في نمط الحياة الغربية؟ وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، في ظل شواهد كثيرة تقول بأن الغرب ليس مستعدًا للتضحية من أجل هذا الهدف، فمالذي يمكننا فعله حيال هذا الأمر؟ فأجاب ميليباند:
هذه المشكلة ليست تقنية، فالتكنولوجيا التي نحتاجها لمواجهة هذا التحدي موجودة بين أيدينا، أو على الأقل في المستقبل القريب. إنها مشكلة جماعية لا ينحصر الخيار فيها بين مجرد نمط الحياة الاقتصادي والتغير المناخي، بل أعتقد أن الأمر ينحصر بين نمط حياة يعتمد على كربون أكثر مقابل آخر يعتمد على نسبة أقل من الكربون.أعتقد أن المشكلة عالمية النطاق، وهذا يعني ضرورة تبني مبادئ العدالة الاجتماعية والمسئولية المشتركة على المستويين المحلي والعالمي.

لحظة باراك أوباما


رولينج ستون، 30 أكتوبر 2008
ترجمة/ علاء البشبيشي


مع اقتراب السباق الرئاسي الأمريكي من خط النهاية، يواصل المرشح الديمقراطي باراك أوباما تقدمه في استطلاعات الرأي، كما نجح في التوغل بعمق في مناطق كانت محسومة في السابق لصالح الجمهوريين، وأجبر منافسه اللدود ماكين على اتخاذ موقف الدفاع على أرض طالما أيدت حزبه.
وقبل نحو أسبوعين على الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها في الرابع من نوفمبر المقبل، أعدت مجلة "رولينج ستون"، حوارًا مع أوباما تحدث فيه عن الأسباب الجوهرية وراء فشل بوش، وتغير وجه ماكين، والدروس التي تعلمها من بيل كلينتون.
لكن الحوار قد غلبت عليه نبرة التأييد المطلق لهذا الشاب الديمقراطي.

بغض النظر عن رأيك في باراك أوباما، فمن المستحيل عدم ملاحظة أنه يمثل تغيرًا تاريخيًا في السياسة الأمريكية، وأن زخم السباق الرئاسي قد مال بقوة لصالحه خلال الأسابيع الأخيرة. جزء من هذا التغير بالطبع سببه الانهيار الكارثي في وول ستريت، وجزء آخر يرجع إلى الانهيار المؤثر لجون ماكين، الناتج عن تعامله الطائش والمتهور مع الأزمة المالية.
وبينما كان باراك في طريقه إلى شيكاغو، ليحتفل بعيد زواجه السادس عشر، مع زوجته ميشيل، اقتطع نصف ساعة من وقته تحدث فيها مع "رولينج ستون" حول الأيام الأخيرة من سباقه التاريخي، والأشياء التي تنتظر أمريكا.
صارحته المجلة قائلة: انظر ما الذي تواجهه؛ أسوأ انهيار اقتصادي منذ الركود العظيم، وأسرع تغير مناخي فاق كل التخيلات، وأخطر عدم استقرار نووي شهده العالم.. هل لا زالت لديك الرغبة في تلك الوظيفة؟
فأجاب: إنه الوقت المناسب كي أريد هذه الوظيفة؛ لأنها ستكون لحظة انتقالية في تاريخ الولايات المتحدة. بوضوح أتمنى لو لم تكن إدارة بوش قد دفعت الأمور لهذا العمق من السوء، لكن على كل حال سيكون بانتظارنا بعض القرارات الكبيرة التي علينا اتخاذها بشأن الطاقة، والرعاية الصحية، ونظام التعليم، والاقتصاد العالمي، وسياستنا الخارجية، وكيفية التعامل مع التهديدات القومية؛ كالإرهاب والتغير المناخي وتدفق اللاجئين والإبادة الجماعية.
سألته المجلة: هل تغيرت نظرتك لشخصية ماكين بعدما أصبحت الحملة الانتخابية قذرة خلال الأسابيع الأخيرة؟
فأجاب: أعتقد أنه يريد الفوز وفقط، وأظنه رأى أن المناخ غير ملائم للجمهوريين؛ لذلك سيفعل مايرى أنه ضروري لتحقيق مآربه. لكنني مندهش من لجوئه إلى توظيف أشخاص على علاقة بنفس السياسات المدمرة التي انتهجها بوش في العام 2000.
فتحولت المجلة لسؤال آخر، مستفسرة عن الأمور التي تجعله أكثر استعدادًا من جون ماكين للتعامل مع هذه الأزمة، سواء كانت هجمات إرهابية، أو أزمة مالية، أو كارثة طبيعية، فأجاب:
هناك أمران هامان: أولهما حرب العراق، والآخر ما حدث خلال الأسابيع الثلاثة والنصف الماضية في وول ستريت. وفي كلا الأمرين، لاحظتم اندفاع جون ماكين، وكيف أنه لم يكن يحصل على كل المعلومات التي يحتاجها، محيطًا نفسه بأناس ميالين للموافقة على ما يقول. ونتيجة لذلك أظنه أصدر أحكامًا خاطئة. ففي العراق تبنى المعلومات الاستخباراتية التي كانت مؤذية لأبعد الحدود، ومازلنا نعاني من تبعاتها حتى الآن. أما خلال الأسابيع الثلاثة والنصف الفائتة فتحوَّل من الرجل الذي كان دائمًا يطالب بالتحرر من القوانين والتنظيم، إلى البطل الذي ينادي بالتقيد بالأنظمة. ولا أعتقد أن هذا هو التعامل الذي سنحتاجه في المرحلة الراهنة. أعتقد أننا بحاجة إلى شخص يستطيع رؤية جوانب النقاش جميعها، وتجميع أفضل الأشخاص سويًا، وتقييم كل خياراتنا، واتخاذ قرارات حاسمة، ولديه حس استراتيجي، أو رؤية حول الهدف الذي تريد بلادنا الانطلاق صوبه، ولا يكتفي بردود الفعل طيلة الوقت دونما تفكير تكتيكي.
سألته المجلة: لقد تناولت طعام الغداء مع بيل كلينتون في سبتمبر. كيف كان هذا اللقاء؟ وهل تشعر أنك تعلمت منه شيئًا كمرشح وكرئيس؟
فأجاب: لم يكن اللقاء صعب المراس على الإطلاق؛ لأن كلينتون أحد الأشخاص الجيدين، اللذين لم أشعر معهم بعدم ارتياح، وأعتقد أن بعض الاتهامات التي وجهها إليه قلة من مؤيديَّ لم تكن صحيحة. وأحد الأشياء التي اكتشفتها خلال فترة واحد وعشرين شهرًا مضت، يتلخص في كونه لا يأخذ الأمور بصورة جدّ شخصية.وبالطبع تعلمت منه الكثير؛ فأنا أعتقد أن بيل كلينتون أدرك، بصورة أسرع من بقية الديمقراطيين، ضرورة تصحيح بعض التجاوزات التي حدثت في أواخرالستينات وأوائل السبعينات، ما يتعلق منها بسياساتنا المالية وموقعنا الثقافي تجاه الشرق الأوسط، وقد كان محقًا بهذا الشأن، ولا زلتُ مدينا لـ بيل كلينتون بعد ما حققه.

Sunday, October 19, 2008

أزمة الرأسمالية


بزنس وورلد، 13 أكتوبر 2008

ترجمة/ علاء البشبيشي


لمَّا كان النموذج الرأسمالي الأميركي هو الضحية الكبرى لأسوأ أزمة مالية شهدها العالم منذ الكساد الكبير، تسائلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مؤخرًا (أهي نهاية الرأسمالية؟)، لتأتيها الإجابة حاسمة من صحيفة ليبراسيون الفرنسية: بالفعل "إن الرأسمالية تحتضر".
مجلة "بزنس وورلد" لم تكن بعيدة عن هذا الحوار الاقتصادي، فأدلت بدلوها مؤكدة: ولم لا (فلا أحد كبير على السقوط)!
لقد قالها أحد الظرفاء يومًا: لا يمكن قتل الرأسمالية، لكن يمكنها تدمير نفسها.
انظر إلى هذا الخراب الذي اجتاح معظم المؤسسات المالية في الولايات المتحدة وأوروبا خلال الأزمة المالية العالمية، وسيتضح لك أن الرأسمالية – أو على الأقل النسخة الأمريكية منها – التي دخلت الخدمة منذ سبعينيات القرن الماضي، أصبحت الآن على فراش الموت، أو مريضة للغاية على أفضل التقديرات.
حينما واجه الرئيس فرانكلين روزفلت الكارثة الاقتصادية، التي خلفتها الرأسمالية في عشرينيات القرن الماضي قال بأنه "مدعو لمعالجة مريض لا يعرف نوع مرضه "، أما اليوم، وبعد مرور أكثر من 80 عامًا، فيبدوا أن القوم لا يزالون غير قادرين على تشخيص مرضهم، ومعرفة أسبابه.
يقول معظم الخبراء إن خطة الإنقاذ لن تغير من الوضع القائم كثيرًا، ويبقى التخوف الأكبر من أن الحكومة الأمريكية ربما لن تكون قادرة على حل المشكلات التي لم تستطع أفضل عقول وول ستريت التعامل معها، وفي هذا يقول أنيرفان بانيرجي، رئيس البحث في معهد اكري، بنيويورك: في هذه المرحلة من اللعبة، لا يوجد بالفعل طريق آخر".

عالم على الحافة


"ذي إيكونوميست"، 4 – 11 أكتوبر 2008

ترجمة/ علاء البشبيشي

أيًا كانت الخطط التي أقرها الكونجرس الأمريكي، فلن تستطيع أمريكا هذه المرة أن تنقذ العالم وحدها، في وقت تقف فيه عاجزة حتى عن إنقاذ نفسها.
أسبوعية ذي إيكونوميست الليبرالية البريطانية رأت أن الأزمة الآن أصبحت أكبر من أن تستطيع دولة واحدة مواجهتها، وأن الوقت قد حان لتتكاتف حكومات العالم في مواجهتها، مؤكدة أن خطة الإنقاذ الأمريكية لن تكون العصا السحرية التي تُنهي هذه الأزمة بين طرفة عين وانتباهتها، وهو الأمر الذي اعترف به بوش نفسه حين قال: إن خطة الإنقاذ تحتاج لوقت كافٍ حتى تظهر نتائجها".
حتى بعد موافقة الكونجرس على هذه الخطة، فإنه لا يوجد ما يدعوا للتفاؤل .
ارجع البصر لما هو أبعد من البورصات، خاصة في أسواق المال المتعثرة، فلن يرتد إليكَ البصر إلا بفشل المصارف، وخطط الإنقاذ الطارئة، والهلع الشديد الذي ضرب أسواق الائتمان.
هذه العوامل تدفع النظام المالي برمته إلى شفا جرف هارٍ، والعالم الغني إلى حافة ركود غاية في الخطورة.
إن من شأن هذه الخطوة أن تخفف من وطأة الأزمات، لكنها لن تستطيع إيقافها.
وهاهي الأزمة تمتد في اتجاهين؛ عبر الأطلنطي صوب أوروبا، وخارج الأسواق المالية صوب الاقتصاد.
ولطالما تعاملت الحكومات مع ذلك الأمر كارثة تلو الأخرى، وجاهدت لتمسك بزمام الأمور، ليس فقط بسبب سرعة انتشار تلك العدوى، ولكن أيضًا لأن صانعي السياسات والشعوب الذي يخدمونها قد فشلوا كُليَّة في السيطرة على عمق واتساع هذه الكارثة.
أمريكا هي السبب وراء ذلك كله، وهو الأمر الذي أكده وزير المالية الألمانى "بير ستينبروك" حين قال في 25 ديسمبر الماضي: "لقد كانت أمريكا مصدر هذه الأزمة ومركزها "، وهو الأمر الذي يُنذِر بنهاية عهد القوة العظمى.
المشكلة ليست في أن تسقط أمريكا، فلن يأسف عليها أحد، لكن الأزمة الكبرى تكمن في أنه بسقوطها سيسقط كل ما هو مرتبط بها، وللأسف هناك خيوط كثيرة في العالم لاتزال بيد العم سام.
لقد نام العالم كثيرًا، ثم استيقظ على دوي كارثة لم يعرف سبيلا للخروج منها حتى الآن، ولو انتبه العالم منذ فترة، ربما كانت الخسائر ستكون أقل مما هي عليه الآن.
معظم الوقت لم يكن الكثيرون ينتبهون للائتمان التي يمر عبر رئة الاقتصاد، والذي كان كالهواء الذي نتنفسه ويمر عبر رئتنا. لكن الجميع بدأ ينتبه عندما توقف الائتمان في الأسواق والبنوك عن التحرك.
أما الآن فالأسواق المالية بحاجة ماسة إلى الحكومات لوضع القواعد، فحينما تفشل البنوك تبقى الحكومات هي الملجأ الوحيد لها حتى تستفيد عافيتها، وهذا ما نطلق عليه المبدأ العملي لا مبدأ الرأسمالية.
الحكومات ليس عليها أن تتواصل مع البنوك وفقط، بل وأن تنسق معها أيضًا، وقد علمتنا الأزمة المالية الأخيرة أن خطط الإنقاذ المتقطعة تكلفتها أكثر ونتائجها أقل، لكنه كان درسًا بعد فوات الأوان.

نهاية الرخاء


"تايم"، 13 – 21 أكتوبر 2008.

ترجمة/ علاء البشبيشي


اهتمامات وسائل الإعلام العالمية والمحلية كانت - ولا زالت -اقتصادية بامتياز خلال الأيام القلية الماضية، في ظل أزمة مالية تركت الحليم حيرانًا!
مجلة تايم الأسبوعية الأمريكية رأت في هذه الأزمة نهاية حقبة اتسمت بالرخاء، وتدشينا لمرحلة جديدة لا يعرف أحد معالم خارطة طريقها بعد. كما طوّفت المجلة في أرجاء الماضي لتستلهم حلا قد يصلح لأزمات الحاضر.
فلنعد بالأذهان لعام 1930، حينما أقر مجلس الشيوخ الأمريكي قانون تعريفة سموت-هولي، والذي تم بموجبه رفع الرسوم على ما يقارب 20 ألفًا من البضائع المستوردة. ومن العادل أن نتسائل الآن: هل بإمكان صانعي السياسات إعادة مافعلوه من قبل.
إن ما يحدث الآن على كافة الأصعدة يعكس مدى خطورة الوضع الراهن الذي لا تستطيع حتى 700 مليون دولار من أموال دافعي الشرائب وقف عجلة تدهورها.
أما البنوك والمؤسسات المالية الأخرى ففي وضح أشد سوءًا؛ لأن ديونها تتكدس بشكل أسرع. فمع حلول العام 2007 كانت ديون القطاع المالي تعادل 116% من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بـ 21% فقط في عام 1980.
وترى المجلة أن الأزمة الحالية ترجع جذورها لأزمة السوق التي شهدها عام 1929، حيث سقوط وول ستريت يوم (الثلاثاء الأسود)، الموافق 24 من أكتوبر عام 1929، حينما هبطت معدلات داو جونز نقطتين بالمائة. أما في يوم (الاثنين الأسود) الموافق 28 أكتوبر فانخفضت إلى 13%، وفي اليوم التالي إلى أكثر من 12%. وخلال السنوات الثلاث التي تلت ذلك تدهورت البورصة الأمريكية بشكل مذهل إلى 89% لتصل بعد ذلك إلى أدنى مستوياتها في يوليو من العام 1932.
وهاهي الكارثة تطل برأسها من جديد.
كل من يشك في أن الولايات المتحدة متوجهة نحو الركود يناقض الواقع؛ فبالإضافة للتدهور الراهن، مازالت البطالة في أعلى مستوياتها منذ خمس سنوات.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل الركود القادم سيكون قصيرًا وجزئيًا كما حدث في العام 2001؟!
ربما نتخطى هذه الأزمة، لكن سيبقى العالم بعد ذلك متوجهًا صوب الانكماش الكبير.

Saturday, October 11, 2008

حينما يرسم القضاة السياسة الخارجية


مجلة ذي نيويورك تايمز، 25 سبتمبر – 5 أكتوبر 2008

ترجمة/ علاء البشبيشي


في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر أصبحت قرارات المحكمة العليا الأمريكية هي التي تحدد شكل العلاقات الخارجية الأمريكية.
هكذا ترى مجلة ذي نيويورك تايمز سطوة الدستور الأمريكي على السياسة الخارجية للبلاد.
كل جيل يحصل على الدستور الذي يستحقه، وخلال العقدين الأخيرين، كانت قرارات المحكمة، المروِّع منها والمُلهَم، تشكل وتعكس طريقة رؤيتنا لأنفسنا، وبعد أحداث سبتمبر بدأت المحكمة العليا في تقديم إجاباتها الخاصة عن مختلف الأسئلة.
إنها مشكلة ذات أبعاد كثيرة، وتطرح أسئلة كثيرة، من قبيل: هل من المفترض أن يُحاسَب المسئولون الأمريكيون رفيعو المستوى في جرائم تتعلق بانتهاك القانون الدولي؟ وهل للمحكمة العليا الأمريكية أن تُمرِّر قرارات المحاكم الدولية إذا ما تعارضت مع الدستور؟
في الأعوام الأخيرة ظهرت مدرستان للإجابة عن أسئلة من هذا القبيل، المدرسة الأولى مرتبطة بإدارة الرئيس بوش، ولديها قناعة بأن القانون في عهد الديمقراطية الحديثة يستمد شرعيته من تأييد ممثلي الشعب له.
أما المدرسة الأخرى والتي يتبناها الليبراليون فينظرون فيها إلى حكم القانون بشكل مختلف؛ وهو من وجهة نظرهم يتعلق بالعالمية ولا يقتصر على القومية.

! أريد أموالك


مجلة "ذي إيكونوميست"، 25 سبتمبر – 4 أكتوبر

ترجمة/ علاء البشبيشي


خطة الإنقاذ الأمريكية.. يراها البعض المُخلِّص المنتظر، والحل السحري لإخراج الاقتصاد الأمريكي من عثرته، فيما يُشكك البعض الآخر في أنها قد تدفع بالاقتصاد الأمريكي إلى مأزق التضخم.
مجلة "ذي إيكونوميست" تناولت تلك الخطة التي تهدف إلى تأمين حماية أفضل للمدخرات والأملاك العقارية، التي تعود إلى دافعي الضرائب، وحماية الملكية وتشجيع النمو الاقتصادي وزيادة عائدات الاستثمارات إلى أقصى حد ممكن.
الشيء الوحيد الذي لا يقبل النقاش في خطة الـ 700 مليار دولار -التي صاغها وزير الخزانة الأميركية هنري بولسون، ورئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي بن برنانك؛ لإنهاء الأزمة المالية- هو أن الجميع يجد فيها شيئًا يكرهه؛ فاليسار يتهمها بالسطو على أموال دافعي الضرائب من أجل عيون وول ستريت، واليمين يلعنها باعتبارها اشتراكية، بعدما ألقت الإدارة الأمريكية الكرة في ملعب الكونجرس، وقام جورج بوش بطلب وقف السباق الرئاسي بين مرشحي الرئاسة الأمريكية جون ماكين وبارك أوباما.
إن توفير مبلغ من المال يكفي لتمويل حرب في العراق أمر ليس سهلا؛ خاصة في ظل تساؤلين جوهريين، الأول: هل ستنجح تلك الخطة؟ والثاني: ما هو الثمن المتوقع دفعه في حالة الفشل؟
وتقوم خطة السيد باولسون على شراء الديون الهالكة التي تقض مضاجع الأسواق المالية الأميركية وتهدد بانهيارها، وتعود في معظمها إلى السياسة الخاطئة للرهونات العقارية التي اعتمدها المضاربون الماليون في وول ستريت.
وترى ذي إيكونوميست أن دعم الحكومة للنظام المصرفي بإمكانه وقف دائرة الرعب والتشاؤم التي تهدد بإدخال الاقتصاد في دوامة ركود عميق.
هذا التدخل الحكومي قد يساعد دافعي الضرائب أيضًا؛ لأنهم في النهاية إما موظفون أو مستهلكون. ورغم أن الـ 700 مليار دولار تعتبر مبلغًا ضخمًا، إلا أن بعضها سيتم استرجاعه.
وقد أحسن باولسون وبرنانك صنعًا؛ إذ تحركا بسرعة، فقد استغرقت اليابان 7 سنوات حتى استطاعت القيام بخطوة مشابهة في تسعينيات القرن الماضي.

نظرة عن قرب على حياة ماكين تكشف رقمًا قياسيًا من التهور والنفاق


مجلة رولينج ستون، عدد 16 أكتوبر 2008

ترجمة/ علاء البشبيشي


(تكلم حتى أراك).. مقولة أثبتت الأيام عدم مصداقيتها في كل الأحوال، فربما تكلم الإنسان بغير لسانه، ليعكس شخصية غير شخصيته، وهو الأمر الذي ينجح فيه الكثيرون.
مجلة "رولينج ستون" ترى المرشح الجمهوري جون ماكين أحد هؤلاء الذين لم يعرف العوام حقيقتهم بعد، وأن نظرة عن قرب في حياته تكشف المستور، وتوضح الشبه الكبير بينه وبين بوش الابن.
إنها قصة رجل وضع مصلحته الخاصة فوق كل اعتبار، رجل قادر على قول وفعل أي شيء في سبيل تحقيق طموحاته.
إن حياة ماكين مشابهة بصورة عجيبة لحياة المقيم الحالي في البيت الأبيض؛ فقد كان كل من جون سيدني ماكين الثالث وجورج ووكر بوش من نفس الجيل، وكلاهما ناضل بطريقة خرقاء.
وتبين المجلة كيف أن قصة حياة ماكين لها وجهان، الأول يحكيه ماكين عن نفسه، والآخر ترويه الوقائع ويؤكده التاريخ، والروايتان بالطبع مختلفتان.
ماكين، حسب روايته الشخصية، هو الابن المبذر الذي علمته تجربته في حرب فيتنام أن يضع مصلحة بلاده قبل كل شيء. ثم هو بعد ذلك المصلح الخارج عن عرف الجماعة، والذي يتجنب أي شيء يمكن تفسيره، ولو من بعيد، على أنه استغلال لموقعه الوظيفي.
إنها الأسطورة التي نسجها ماكين حول نفسه طيلة سنواته في واشنطن، لكن القناع الذي كان يرتديه انزلق خلال حملته الانتخابية هذا العام، حينما قال لاري ويلكرسون، مدير مكتب وزير الخارجية في عهد كولن باول: "دعونا نواجهه، لقد بنى جون ماكين سمعته على حقيقة أنه لم يتنازل عن مبادئه من أجل السياسة، وهذا أمر غير صحيح".