برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Tuesday, August 18, 2009

كرزاي العالق في المتاهة


نيويورك تايمز، 9 – 16 أغسطس 2009
ترجمة: علاء البشبيشي


بعدما ذَكَرَتْ منذ شهور أن الرئيس الأفغاني
حامد كرزاي لم يعد يُنظَر إليه باعتباره بطلا، لا من جانب الولايات المتحدة ولا من جانب شعبه، وأنه لم يعد مرغوبا فيه، وصار يوصف بأنه رجل يترأس "دولة مخدرات" يعمها الفساد في كل الاتجاهات. عادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية لتعبر عن وجهة نظر مشابهة قُبَيل أيام من الانتخابات الأفغانية المقرر إجراؤها في20 من الشهر الجاري، وذلك عبر شهادة أدلت بها من كابل الصحفية الأميركية الشهيرة "إلزابيث روبين".

في أحد أيام يونيو الصيفية في كابل، كنتُ أجلس بين مئات من الرجال المعممين من إقليمي هلمند وقندهار داخل قاعة أفراح حيث كانوا محتشدين في إحدى الحملات الانتخابية لإعادة تنصيب حامد كرزاي رئيسًا للبلاد. في هذه الأثناء كانت الحرب مستعرة في موطن رأس هؤلاء الرجال. ولم يكن منظم هذا الحشد ومدير تلك المراسم سوى محمد أخوندزادا، حاكم قندهار السابق الذي يبلغ من الطول 5 أقدام، ويعتبر أيضًا أشهر مهربي المخدرات في البلاد، والذي قال من فوق مُضطَجعٍ مِخمَليّ عبر مكبر الصوت: "لا نريد قصائد مطولة! اجعلوا خطابكم قصيرًا"... لكن لا أحد كان يستمع لقوله.
على المنضدة التي كنتُ أجلس عليها، وصف مهندس من هلمند الحوادث المروعة التي شدها إقليمه، حيث تُقتَل العائلات في القصف الجوي الذي تقوم به قوات التحالف على المدن التي تسيطر عليها حركة طالبان. لذا سألته: "لماذا إذن المزيد من حكم كرزاي؟ فأجاب عبر مترجمٍ: "إذا اخترنا شخصًا آخر، لن يزداد الأمر إلا سوءًا". فيما قال آخر: "على الأقل جلب لنا كرزاي التعليم والوحدة"، هنا تدخل ثالث وقال بالإنجليزية: "كلهم يكذبون". كان هذا الأخير ابن أحد سكان قندهار البارزين الذي اغتيل أمام منزل عائلته. وأخبرني أنه فقد أيضًا عمّه وأخاه و 45 آخرين من عائلته الكبيرة، ملقيًا باللائمة في ذلك على الحكومة. كان يهز رأسه وهو ينظر إلى الردهة، ثم ضحك وقال: "لقد أخبرتُ من كانوا يجلسون على مائدتي أنهم ما جاءوا إلا لإظهار وجوههم للكاميرا، حتى إذا ما فاز كرزاي كان لهم من العكعة نصيب، فأخبروني أنهم أتوا لمجرد تناول الغداء".
سألتُه عما يتوقع حدوثه في الانتخابات الرئاسية القادمة بقندهار، فأجاب: "غشٌ وتدليس"، وأكد أنه قام بنفسه بتزوير 8 آلاف بطاقة انتخابية، بيعت بـ 20 دولارًا.

ضباب الحرب


نيوستيتسمان، 17 أغسطس 2009
ترجمة: علاء البشبيشي


ننتقل من السياسة إلى ميدان الحرب، مع مجلة نيوستيتسمان التي خصصت موضوع غلافها الأخير للحديث عن المستنقع الأفغاني الذي سقطت فيه القوات البريطانية منذ العام 2001 ولم تتمكن من الخروج منه حتى الآن.
تحت عنوان "ضابا الحرب" كتب ستيفن جراي، حول الخاسر الأكبر من هذه الحرب المدمرة.

في عام 2001 توجهت القوات البريطانية صوب أفغانستان في مهمة لقتال القاعدة والإطاحة بطالبان. وبعد مرور ثمانية سنوات وإزهاق آلاف الأرواح، لا تزال هذه القوات في مستنقع الصراع، دون وجود أي إشارة لإمكانية الخروج. فما الذي يموت من أجله (هؤلاء الجنود)؟ وإلى متى سيظلون هناك؟
هناك شيء واحد واضح. على الرغم من ضخامة الثمن الذي دفعته القوات البريطانية، إلا أن أحدًا لم يعاني من هذه الحرب كما عانى المدنيون (الأفغان) الذين شهدت أرضهم هذه الحرب، لكنهم لم يكونوا مجرد متفرجين (بل سالت دماؤهم بلا ذنب ارتكبوه).
حينما قَدِمت القوات البريطانية في أبريل 2006، قطعت وَعْدًا بتوفير الأمن وتدشين المشروعات الإنمائية. لكن على النقيض من ذلك، دخلوا حربًا شاملة مع طالبان، انشغلوا خلالها بالدفاع عن أنفسهم، باستخدام الأسلحة الثقيلة، ما أثمر مُهَجَّرين في الوطن، بعدما تحولت مدن رئيسية في إقليم هلمند مثل سانجين وموسا قالا و جارمسير إلى ركامٍ، بينما تحوَّلت أخرى مثل كاجاكي وناوزاد إلى مدن أشباح.
ومرة تلو الأخرى تكرر الحكومة البريطانية الكذبة الكبرى نفسها، وتتحدث عن تقدم لا حدود له. ربما تمر الحملة العسكرية بمدٍ وجزر، وقد ينقطع (العرض الدموي) عن المدن والأقاليم ثم يعود. لكن يبقى السكان المحليون هم الضحية الكبرى لهذه الحرب.

تعقيدات الحياة


نيوزويك، 18 أغسطس 2009

إن كانت جينات الإنسان تحدد قدره، لماذا تتمتع ابنتا "ساني شي" التوأمتان بشخصيتين مختلفتين ولديهما حتى بصمات يد مختلفة؟ هاتان الفتاتان تتشاركان جينات متطابقة وتربية شبه متطابقة، لكن مساريهما البيولوجيين افترقا في السنوات الأولى من حياتهما.
تساؤل طرحته مجلة نوزويك في صدر حديثها عن علم الجينوم وتعقيداته، وما توصل إليه علماء الجينات باكتشاف خريطة المورثات البشرية والتي اعتبرت من قبل كثير من رؤساء الدول على أنها أعظم من الصعود إلى القمر. وتكمن أهمية هذه الخريطة في أنها سوف تساعد على التعرف على الكثير من الموروثات المسئولة عن كثير من الأمراض المستعصية والتي من أهمها السرطان والسكر ومن ثم إيجاد طرق علاجية لها.

لقد مضت تسعة أعوام منذ أن فك "كريغ فنتر" وآخرون شفرة الجينوم البشري، وهي مجموعة الجينات التي تتحكم بعمل كل خلية بشرية، وأُعلِن أنه تم الكشف عن "كتاب الحياة". منذ ذلك الحين، اكتشف علماء الأحياء أن الجينوم مجرد بداية لتعقيدات الحياة. فأكثر من 1 بالمائة بقليل من الجينوم فقط يتألف من جينات تنتج البروتينات المسئولة عن إدارة عمل الخلايا اليومي. العلماء شبه متأكدين من أن الـ99 بالمائة الباقية تلعب دورا كبيرا، لكن هذا الدور لا يزال موضع بحث.
مع أن علماء الأحياء يعرفون منذ ثمانينات القرن الماضي أن عددا قليلا فقط من الأمراض تسببه جينة واحدة، يُعتقد الآن أن بعضها متأتٍ من مجموعات فرعية مختلفة مؤلفة من عشرات آلاف الجينات. ولزيادة الأمور تعقيدا في الجينوم ، فإن طريقة تغليف هذه الجينات داخل الخلية قد يكون لها دور في عملية النشوء والأمراض بقدر الجينات أنفسها. هذه الظاهرة المسماة بـ"التخلق" قد تكون مسؤولة أيضا عن الخصائص الموروثة من جيل إلى آخر، أي أنها وراثية لكن من دون حمض نووي.هذه التطورات تعني أن مكافآت الثورة في علم الجينوم ستتطلب وقتا أطول مما كان معظم الناس يظنونه قبل 10 سنوات. لكن ثمة أسباب تدعو للاعتقاد أن المسار الذي يفضي إلى خارج الالتباس الحالي سيؤدي إلى اكتشافات أعمق وأهم، مثلما تظهر المقالات في هذا التقرير الخاص عن علوم الحياة. فقد بدأت الإنجازات العملية المهمة تحدث في المختبرات. وأدى علم التخلق حتى الآن إلى بعض التقدم المدهش في الحرب على السرطان وغيره من الأمراض، ويتم حاليا صنع عقاقير لمكافحة بعض أنواع سرطان الدم مثلا. لقد توصل العلماء إلى معرفة كيفية أخذ الخلايا الجذعية الراشدة من الجلد وأعضاء أخرى وإعادة برمجتها جينيا، وهي الخطوة الأولى نحو تحويلها إلى أنسجة بديلة مصنوعة خصيصا لملائمة جهاز مناعة المريض.
إدراك أن الخلية هي كيان معقد ذو دور أهم من مجموع مكوناته أجبر الأطباء الرياديين في قطاع الأبحاث الطبية على اعتبار مرضاهم "أنظمة" بيولوجية. وهو الإدراك الذي يغير الآن طريقة ممارسة الطب وتدريسه، كما يشير الدكتور" ليروي هود" في أحد مقالاته.الطب ليس الحقل الوحيد الذي سيستفيد من علم الجينوم الجديد، كما يظهر تقريرنا. ففهم العملية البيولوجية داخل النباتات بشكل أفضل يساعد العلماء على تحسين المحاصيل والمحتويات الغذائية للمزروعات من دون الحاجة إلى التلاعب بالتركيبة الجينية للنباتات مباشرة.

تحريك الجبال


بيجين ريفيو، 6 أغسطس 2009
ترجمة: علاء البشيشي


في سابقة هي الأولى من نوعها، انطلق الشهر الماضي الحوار الاستراتيجي والاقتصادي الأول بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، ليؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين بكين وواشنطن، وليحقق "أولوية للبلدين"، على حد قول "تايا سميث" الخبيرة الأميركية في مجال العلاقات الدولية.
حول هذه التطورات كتب "يان وي"، و "تشين وين"، في مجلة بيجين ريفيو.

"نعم نستطيع".. كان هذا شعار الحملة الانتخابية الذي جعل من باراك أوباما الرئيس الـ 44 للولايات المتحدة الأميركية. وهو نفس الشعار الذي كرره عضو مجلس الدولة الصيني "داي بينجو" في العاصمة واشنطن وهو يخاطب الاحتفال الافتتاحي للجولة الأولى للحوار الاستراتيجي والاقتصادي الأول بين الصين والولايات المتحدة الذي انطلق في الـ 27 من يوليو الماضي.
وقد شارك في الحوار الذي استمر يومين قرابة 150 من كبار المسئولين الصينيين والأميركيين، بهدف دفع العلاقات التعاونية والشاملة بين البلدين. بالإضافة إلى المبعوث الصيني الخاص "داي بينغو"، و "وانج كيشان" نائب رئيس الوزراء الصيني، ونظرائهم الأميركيين فضلا عن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزير الخزانة تيموثي جيثنر.
وقد تطرَّق النقاش إلى تعزيز الأواصر بين البلدين، وتقوية العلاقات الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى قضايا التغير المناخي والطاقة النظيفة والتنمية وصولا إلى التحديات الأمنية.
ورغم الاختلافات وتضارب المصالح بين الطرفين، يرى مسئولو البلدين والخبراء الدوليين أن مجرد إقامة مثل هذا الحوار الكبير يُعتَبر تطورًا عظيمًا من شأنه تعزيز التفاهم المشترك بين البلدين.

السياسة الخارجية الأميركية.. من يديرها؟


ذا نيو ريبابلك، 12 أغسطس 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


تحت عنوان (السياسة الخارجية الأميركية.. من يديرها؟!) تحدثت مجلة ذا نيو ريبابلك عن كواليس صياغة السياسات الخارجية في أميركا، وآلية صنع القرارات التي تحدد كيفية تواصل هذا البلد مع البلدان الأخرى في العالم.
وقد اتخذت المجلة من الموقف الأميركي الأخير حيال الانتخابات الرئاسية في طهران نموذجًا لهذا الطرح، ولم تنس في هذا السياق أن تُعَرِّج على فشل إدارة بوش في اتباع النهج الأمثل للتوصل إلى مثل هذه التوجهات.

عشية يوم السبت الموافق 13 من يناير الماضي، وقبل يوم واحد من انطلاق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، كان جو بادين، نائب الرئيس الأميركي، يستعد للظهور صباح اليوم التالي في برنامج "واجه الصحافة" الذي تذيعه قناة (إن بي سي) الأميركية. في هذه الأثناء كان الرئيس محمود أحمدي نجاد يزعم انتصارًا بأغلبية ساحقة (في الانتخابات الرئاسية الإيرانية)، بينما كان المتظاهرون الإصلاحيون يشتبكون مع قوات التعبئة الشعبية (الباسيج) في طهران. و (بين هذا وذلك) كانت إدارة الرئيس أوباما تواجه موقفًا حساسًا، ولم يكن واضحًا ما الذي ينبغي على بايدن قوله في هذا السياق.
في ظروف كهذه، كان لا يمكن لنائب الرئيس-لاسيما إن كان هذا النائب هو بايدن- أن يرتجل ما يقوله، بل كانت الإدارة بحاجة إلى تشكيل جبهة موحدة تدعم تصريحات واضحة.
في المواقف العادية التي تمر بها واشنطن غالبًا ما يشترك العديد من المساعدين في تشذيب وإعادة صياغة التصريحات لساعات طوال حتى يصلوا في النهاية لصيغة بسيطة للرسالة التي يريد رئيسهم توصيلها. وقد ضلَّت هذه العملية طريقها أثناء فترة بوش الرئاسية، ذلك أن نائب الرئيس كان يُملي على رئيسه ما يقوله. لكن إدارة أوباما تدير الأمور بشكل مختلف جذريًا. فبدلا من تكليف كبار مستشاري الرئيس للشئون الخارجية بصياغة موقف يتوافق مع أجندة الرئيس الخاصة، توجه بايدن مباشرة إلى أوباما، وجلسا سويًا، ثم خرجا بما توصلا إليه للعيان.

تقلص النفوذ البريطاني


نيوزويك، 11 أغسطس 2009

حتى في العقود التي أعقبت خسارتها لإمبراطوريتها، كانت بريطانيا تتبختر في العالم وكأنها قوة عظمى. فقوتها الاقتصادية ونفوذها الثقافي، وقوة جيشها النووية وعلاقتها الاستثنائية بأميركا، كل هذه الأمور ساعدت الدولة الصغيرة على التمتع بنفوذ يفوق حجمها الحقيقي.
مجلة نيوزويك رأت أن هذا النفوذ البريطاني بدأ يتقلص، بعد أن تلقت العظمة البريطانية ضربة قاضية مع استحقاق الفواتير المتأتية من الدور الذي لعبته بريطانيا في الانهيار المالي الذي حصل العام الماضي وفي عملية إنقاذ البنوك والركود الذي أعقب ذلك.

فجأة، يبدو أن الشمس التي لم تغب قط عن الإمبراطورية البريطانية باتت تلقي ظلالا طويلة على ما تبقى من الطموحات الإمبريالية البريطانية، ويجب على البلد إعادة النظر في دورها العالمي, ربما كبريطانيا صغرى، أو كبريطانيا أقل شأنا بالتأكيد.هذه لحظة محورية للمملكة المتحدة. فالدين العام في البلد يزداد إلى حد كبير، ولعله سيتضاعف ليصل إلى مستوى قياسي يبلغ 100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس المقبلة بحسب صندوق النقد الدولي. ويتوقع المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية أن عودة المدخول الفردي إلى المعدلات التي كان عليها في أوائل عام 2008 ستتطلب ست سنوات. التأثيرات ستطول كل أقسام الحكومة. سيتم تخفيض الميزانيات في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والكومنولث، مما سيؤثر على قدرة بريطانيا على إظهار قوتها العسكرية والدبلوماسية. وليس هناك الكثير مما يمكن لرئيس الوزراء جوردن براون أو حكومة محافظي ديفيد كاميرون المقبلة القيام به لعكس هذه النزعة، ذلك إن افترضنا أنهم سيفوزون في الانتخابات العامة التي يجب أن تقام في غضون الأشهر الـ10 المقبلة. وكما قال ويليام هيج، نائب كاميرون ووزير الخارجية في حكومة الظل في خطاب ألقاه حديثا: "سيصبح أصعب على بريطانيا مع مرور الوقت أن تمارس النفوذ الذي اعتادت ممارسته على الساحة الدولية".
التاريخ يُطَبَّق على بريطانيا لبعض الوقت. فنشوء الاقتصادات العملاقة مثل الصين والهند لطالما عَنِى أن دور بريطانيا سيصبح أصغر على طاولة البلدان الأكثر نفوذا في العالم التي تزداد ازدحاما. كما أنه عَنِى أن الولايات المتحدة ستعيد تقييم العلاقة الخاصة المزعومة فيما تبحث عن شركاء وتحالفات جديدة، مما سيقلص بالتأكيد دور بريطانيا الكبير بشكل مفرط على الساحة الدولية.

صحيحٌ أن الركود العالمي ضرب كل البلدان تقريبا، لكنه أثَّر على بريطانيا أكثر من غيرها. وفي هذا السياق استشهدت المجلة بالركود الراهن الذي يشهده القطاع المالي البريطاني، الذي يعتبر محرك الازدهار الأهم في البلاد. بالإضافة إلى انزلاق بريطانيا إلى حالة من الانكماش للمرة الأولى منذ 50 عاما. ويعتقد صندوق النقد الدولي أن الركود الاقتصادي البريطاني سيكون أعمق وأطول من ركود أي اقتصاد متقدم آخر. وتقول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إن نهوض بريطانيا قد يبدأ في وقت لاحق من هذا العام، لكنه سيكون متأخرا عن نهوض البلدان الغنية الأخرى مثل اليابان والولايات المتحدة.

ما يسلط الأضواء على الحالة البريطانية أكثر هو أنها البلد الوحيد بهذا الحجم في التاريخ الحديث الذي سعى لأن يكون له دور كبير بشكل يفوق حجمه على الساحة العالمية. فخلال الحرب الباردة، كانت مارغريت تاتشر تعتبر نفسها القائدة الثانية على الساحة العالمية بعد رونالد ريجان في مساهمتها بإطاحة الاتحاد السوفييتي وجَعْلِ العالم ملاذًا آمنا لانتشار الرأسمالية. وخلال العقد الذي أمضاه بلير في منصبه، من عام 1997 وحتى عام 2007، خاضت بريطانيا ثلاث حروب في كوسوفا وأفغانستان والعراق حيث احتلت المرتبة الثانية من حيث المشاركة العسكرية بعد الولايات المتحدة، لكن هذا يتغير الآن. يقول إيان كيرنز من معهد أبحاث السياسات العامة الذي أَجرى مؤخرًا تقييما للأمن البريطاني: "مع أن بلدنا غني نسبيا ولدينا مقعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فنحن قوة في طَور الانحطاط". ويقول بادي آشداون، وهو زعيم سابق للديمقراطيين الليبراليين شارك في دراسة معهد أبحاث السياسات العامة، إنه يتذكر الملاحظة الساخرة التي تفوه بها وزير الخارجية الأميركي دين آيكسن عام 1962: "لقد خسرت بريطانيا إمبراطوريتها لكنها لم تجد دورا تلعبه بعد".مسكينٌ هو رئيس الوزراء الذي سيأتي بعد براون. ففوز المحافظين في الانتخابات المقبلة ـ أو فوز أي حزب فيها ـ لن يُنظَر إليه على أنه حدث سيغير الوضع القائم مثلما حصل عند فوز بلير قبل 12 عاما. فآنذاك، اقتنعت بريطانيا بشعار بلير لأنه كان يبدو واقعيا: فالاقتصاد كان قد بدأ يشهد فترة نمو غير مسبوقة، وكانت الهجرة تُغنِي البلد، وكانت حماسة أصحاب المبادرات منتشرة حتى في الوسط الصناعي القديم. اليوم تبخر كل ذلك. الاختبار الحقيقي لرئيس الوزراء التالي، وربما للذي سيأتي بعده، لن يكون فقط إعادة تحديد موقع بريطانيا بين البلدان العظيمة، بل أيضا إعادة إحياء الروح التي كانت تسود بريطانيا في السابق.

Tuesday, August 4, 2009

حملاتٌ تنصيرية


إن فوكَس نيوز، يوليو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


مجلة إن فوكاس نيوز خصصت موضوع غلافها الأخير لتغطية تطورات المعركة التي يخوضها مايكل وينستين، خريج الأكاديمية الجوية 1977, ضد رؤساء الأكاديمية العسكرية الأمريكية الحاليين الذين اتهمهم بفرض ضغوط على الطلبة للتحول للمسيحية الإنجيلية. كما رفع وينستين دعوى قضائية الأسبوع الماضي في محكمة فيدرالية في نيومكسيكو تؤكد وجود تمييز ديني "بالغ ومنهجيّ ومنتشر" في الأوساط العسكرية. ومن بين الأدلة التي قدمتها الدعوى، مقالة لصحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن الجنرال "سيسيل ريشاردسون"، نائب رئيس القساوسة في سلاح الجو الأمريكي قوله: "إننا لن نُحَوِّل عقيدة أفراد الجيش ولكننا لدينا الحق لتنصير غير الكنسيين".
فتح مايكل وينستين بريده الإلكتروني ليجد رسالة مزعجة أخرى، كُتِب فيها: "أنت تكره المسيح بشدة، وتُرغي وتُزبِد بذلك، وتتآمر مع وسائل الإعلام الإسلامية لتلويث سمعة المسيحية (...). وبالرغم من كونك خائنًا، نتمنى لك يومًا سعيدًا".. ابتسم وينستين واستمر في قراءة الرسالة بحماسة متجددة؛ فمثل هذه الكلمات هي من تجعل النشاط يدب في أوصال عمله كل يوم.
"وينستين" هو رئيس مؤسسة الحرية الدينية في أوساط العسكريين، ومؤسسها، وهي منظمة عسكرية تتخذ من مكسيكو مقرًا لها وتعمل على تعزيز الحرية الدينية والتسامح في أوساط القوات المسلحة الأمريكية.
هذه المؤسسة التي يشرف عليها وينستين رفعت قضية ضخمة ضد زير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ووزارئه بتهمة انتهاك مجموعة من المسئولين العسكريين الأمريكيين قائمة لقائمة طويلة من الحريات الدينية، وقد مُورس بعض هذه الانتهاكات بحق المسلمين. ويتوقع وينستين أن تستمع المحكمة الأمريكية العليا إلى تلك القضية.
ورغم مطالبة محامو الحكومة برفض القضية في أبريل الماضي، لا يزال يحدوا وينستين الأمل إلى الإيمان بأن العدالة التي يدافع عنها ستنتصر حتمًا.
وأضاف وينستين الشهر الماضي صفحة جديدة لقائمة الاتهامات المطولة، أوضحت كيف تحوَّل حامي الدستور إلى الشخص الذي ينتهكه. وفي خطاب وجهه وينستين لـ جيتس في 24 من يونيو الماضي أكد "حدوث انتهاكات من قبل وُعَّاظ الكنيسة لعدد من لوائح وزارة الدفاع، والدستور الأمريكي" بالإضافة إلى تشويه كل الأديان والطوائف ماعدا المسيحية، وهو الافتراء الذي ضمَّ تصريحات معادية للسامية ومناهِضَة للإسلام، بالإضافة إلى التقليل من شأن الكاثوليكية والبروتستانتية السائدة" وهو الأمر الذي ظهر جليًا في النشرات الصادرة عن الوُعَّاظ الكنسيين، فضلا عن تصريحاتهم الإعلامية.
وأعرب وينستين عن غضبه من سماح الحكومة لمثل هذه الثلة أن تتبوأ القيادة الروحية والرقابة داخل الجيش، وحمَّل الرئيس أوباما المسئولية المباشرة عن حدوث ذلك.
وأضاف وينستين: "كم هو مخزٍ أن يخاطب رئيسنا العالم الإسلامي من على منبر جامعة القاهرة في الرابع من يونيو الماضي، في محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإظهار احترامٍ للإسلام، وهو الذي يتربع في الوقت ذاته على رأس المؤسسة العسكرية الأمريكية التي ارتكبت مثل هذه الانتهاكات".

وقت الحسم


ذي إيكونوميست، 1 أغسطس 2009
ترجمة: علاء البشبيشي


(الأسابيع القليلة القادمة قد تحدد مصير فترة أوباما الرئاسية) هكذا بدأت مجلة ذي إيكونوميست موضوع غلافها الأخير متحدثة عن التحديات الجسام التي تواجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ومؤكدة في الوقت ذاته أن العالم في الخارج والشعب الأمريكي في الداخل لن يرضيهم بعد اليوم سماع قعقعةٍ مالم يروا طحينًا

إذا كان يمكن الوثوق باستطلاعات الرأي فإن أوباما، الذي دخلت فترة ولايته الرئاسية شهرها السادس، ليس أكثر شعبية من سلفه جورج بوش أو ريتشارد نيكسون. فمعدلات تأييده في أوساط الناخبين المستقلين تدهورت بشكل ملحوظ، حيث يعتقد ثلثي هؤلاء أنه يريد أن يبذر أموالهم
كما أن اثنين من أبرز الرهانات التي تبناها أوباما خلال حملته الانتخابية ويتمثلان في إصلاح الرعاية الصحية وتبني سياسة جديدة لتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، لم يحدث فيهما أي اختراق
لكن من الواضح أيضًا أن أوباما خلال أيامه المائتين في البيت الأبيض حرص ألا يرتكب أخطاء جسيمة خاصة فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية المفعمة بالمخاطر. أما فيما يتعلق باستعادة سمعة أمريكا المهدرة في العالم فقد أوفى الرجل ببعض مما وعد به. لكن لا يزال عليه التعامل مع أسوأ ركود شهده العالم منذ نصف قرن
وهكذا يتضح أن تدني مستوى آداء السيد أوباما أمر نسبي وجزئي، لكنه خطير خاصة فيما يتعلق بالسياسات الداخلية. وإذا لم تُثمِر سياساته في الداخل شيئًا، ستذبل مصداقيته في الخارج (ويكون الفشل الداخلي قد أحرق ما حققه من نجاح خارجي). لذلك فإن الأسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة بالنسبة للرئيس

فَكِّروا مرة أخرى فيما يعنيه صعود آسيا


فورين بوليسي، يوليو- أغسطس 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


عَبْرَ موضوعِ الغلاف الذي نشرته مجلة فورين بوليسي في عددها الأخير تحت عنوان (فكروا مرة أخرى فيما يعنيه صعود آسيا) حاول "مينكسين بي"، الأستاذ المشارك في مؤسسة كارنيجي للسلام الدوليّ، التبشيرَ بوجهة نظرٍ تبدوا للوهلة الأولى تسبح عكس التيار. حيث دعا "بي" إلى عدم الانجراف وراء التوقعات التي تتحدث عن أفول القوة الأميركية، وبزوغ فجر عهد آسيوي جديد؛ لأن حدوث ذلك–من وجهة نظره- قد يحتاج إلى عدة عقود.
ورغم اعتراف الكاتب بالنمو الاقتصادي القوي الذي شهدته القارة الآسيوية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإنه يرى في القول بأن آسيا سوف تنتزع الريادة من أميركا كقوة مهيمنة على العالم، نوعًا من المبالغات الهائلة؛ لأن صعود الدول الآسيوية، مهما كانت وتيرته، لن يؤدي سوى لعالم متعدد الأقطاب وليس إلى عالم أحادي القطبية الآسيوية.
لا تُصدِّق الشائعات المتطايرة حول تدهور أمريكا وبزوغ فجر عهدٍ آسيوي جديد. فأمام الصين والهند وبقية بلدان هذه المنطقة سنوات عديدة قبل أن يكون بإمكانها السيطرة على العالم. هذا إن تمكنوا من ذلك أصلا.
اعكُف على قراءة كتب من فصيلة (نصف الكرة الآسيوي الجديد: التحول الحتمي للقوة العالمية إلى الشرق) لمؤلفه "كيشور مهبوهاني"، عميد كلية "لي كوان بو" للسياسات العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، أو كتاب (عندما تحكم الصين العالم) لمؤلفه البروفيسور البريطاني "مارتن جاك"، وسيكون من السهولة بمكان أن تعتقد أن المستقبل ينتمي إلى آسيا. كما يقول أحد المبشرين بهذا الصعود "نحن على أعتاب عصر جديد من تاريخ العالم: يتمثل في نهاية الهيمنة الغربية وقدوم القرن الصيني".
ما يدعم هذه الفكرة هو النمو الاقتصادي المتسارع مذ عززت الحرب العالمية الثانية - بشكل لا يمكن إنكاره- ناتج آسيا الاقتصادي وقدراتها العسكرية. ورغم ذلك يبقى القول بأن آسيا ستصبح أبرز اللاعبين على الساحة الدولية أمرًا مبالغًا فيها. فعلى أبعد التقديرات يمكن لهذه المقدمات أن تُفضي إلى ولادة عالم متعدد الأقطاب، وليس عالمًا آخر أحادي القطب.

وقد اختارت المجلة التي تَصدُر كل شهرين عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي أن تُبرِز على غلافها بشكل واضح جملة (لا تصدق النموذج الآسيوي) في محاولة منها لوقف مد النبوءات التي تناثرت مؤخرًا حول سقوط أمريكا وصعود آسيا كقوة عالمية بديلة.
واستكمالا لنفس الهدف استشهد الكاتب بإحصائيات اقتصادية وعسكرية، ووقائع تاريخية تدلل –بحسب تحليله- على أن آسيا أمامها الكثير حتى تصبح هذه القوة العالمية الذي يبشر بها المتفائلون.

لم تقترب آسيا بعدُ من تجسير فجوة التفوق العسكري والاقتصادي بينها وبين الغرب. صحيح أنها تنتج قرابة 30% من الناتج الاقتصادي العالمي، لكن بفضل تعداد سكانها الهائل يتراجع الناتج المحلي الإجمالي لدولها مقارنة بأمريكا (على سبيل المثال). صحيحٌ أن الدول الآسيوية تسابق الزمن لتطوير جيوشها، لكن إنفاق الدول الآسيوية مجتمعة في مجال التسليح عام 2008 لم يبلغ ثلث ما أنفقته الولايات المتحدة في نفس المجال. حتى وإن استمرت معدلات النمو في هذه البلدان بوتيرتها الحالية المتسارعة، فسيكون أمام مواطني الدول الآسيوية 77 عامًا لبلوغ معدلات دخول نظرائهم في أمريكا. الصين تحديدًا تحتاج إلى 47 عامًا لبلوغ ذلك، أما الهند فتحتاج إلى 123 عامًا. أما الميزانية العسكرية للدول الآسيوية مجتمعة فلن تبلغ ميزانية الولايات المتحدة حتى 72 عامًا قادمة.
وفي كل الأحوال لا يمكننا الحديث عن آسيا كقوة موحدة، فتاريخها متخم بالصراعات العسكرية التي نشبت بين لاعبيها الكبار. فقد تصارعت الصين واليابان حول كوريا، وأبحر الاتحاد السوفييتي سريعًا صوب الهند وفيتنام لكبح جماح الصين، بينما دعمت الأخيرة باكستان في معركة التوازن مع الهند. وقد دفع نهوض الصين مؤخرًا اليابان والهند إلى التقارب أكثر. وبهذا الشكل إذا أصبحت آسيا مركز الثقل الجيوسياسي في العالم سيكون المشهد جِدُّ مظلم.

أمريكا لاتزال الأقوى


نيوزويك، 4 أغسطس 2009


على خطى "مينكسين بي" المتفائلة سَارَ "جيفري أيه غارتن"، أستاذ كرسي "جوان تربي" المختص بالتجارة الدولية والشؤون المالية في كلية إدارة الأعمال بجامعة "يـيل"، في مقاله الذي نشرته مجلة نيوزويك تحت عنوان (أمريكا لا تزال الأقوى
و يرى "غارتن"، الذي عمل نائبا لوزير التجارة في إدارة كلينتون ومديرًا لمجموعة "ابلاكستون"، أن الولايات المتحدة ستخرج من الأزمة متفوقة، رغم إعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل نهاية الهيمنة الرأسمالية الآنغلوساكسونية، وتوبيخ مجموعة من كبار المسؤولين الصينيين، مثل نائب رئيس الوزراء "وانغ كيشان" ومحافظ البنك المركزي "جو شياشوان"، الولايات المتحدة على تهتكها. وإعلان بعض الأمريكيين المحترمين أمثال "روجر ألتمان"، نائب وزير الخزانة في إدارة كلينتون، نهاية الدور الريادي الأمريكي في القطاع المالي.
لقد بدأ النهوض ولو بفتور وتردد. ربما لا نشعر به بعد، لا سيما في الولايات المتحدة وأنحاء كثيرة من أوروبا، حيث لا تزال التجارة تشهد ركودا وتزداد عمليات حبس الرهن ولاتزال معدلات البطالة مرتفعة. لكن صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، اللذين كانا حذرين في توقعاتهما السنة الماضية، يقولان إن هناك تحسنا ـ ولو متواضعا ـ يلوح في الأفق. هذا الشهر، رفع صندوق النقد الدولي تقديراته للنمو العالمي العام المقبل من 2 بالمائة، وهي توقعات أطلقها في أبريل، إلى 2.5 بالمائة. كما رفعت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية توقعاتها فيما يتعلق بنمو البلدان الغنية للمرة الأولى منذ بدء الأزمة. وخفَّت حدة المخاوف من انهيار النظام المالي العالمي، وعلى الرغم من الضغوط الحمائية المستمرة، فقد خفَّ القلق في الأوساط الحكومية من مواجهة العالم كارثة شبيهة بتلك التي حصلت في ثلاثينات القرن الماضي.مع أن التحسن في الولايات المتحدة قد يحدث بسرعة أكبر منه في معظم البلدان الأخرى، فإنه من غير المرجح أن يكون كبيرا بما يكفي ليكون محرك النهوض العالمي، كما حصل في فترات الركود السابقة. وإذا كان بإمكان أي بلد تحقيق هذه المهمة، فهو قد يكون الصين، حيث يبلغ معدل النمو 7 بالمائة على الأقل.
لكن على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها الرئيس أوباما، فهو بلا شك القائد الأكثر إثارة للإعجاب، وهو أكثر ثقة بنفسه وأكثر فصاحة وأكثر حنكة سياسية من أي من القادة الآخرين. رئيس الوزراء البريطاني "غوردن براون" يتعرض لهجمات ضارية في بلده، وإعادة انتخابه تكاد تكون مستحيلة. واحتمالات فوز رئيس الوزراء الياباني "تارو آسو" تبدو ضئيلة مع اقتراب الانتخابات المبكرة التي دعا إلى إقامتها في 30 أغسطس. وتواجه المستشارة الألمانية أيضا انتخابات وشيكة وقد عارضت بشدة الخطة التحفيزية التي يبدو أن العالم في أمس الحاجة إليها، كما أن الرئيس الفرنسي متقلب جدا وحاد الطباع بشكل لا يمكنه من أن يكون فعالا على الساحة الدولية. هذا لا يترك سوى الصين، حيث النمو قوي والبنوك تملك أموالا وفيرة. لكن الرئيس "هوو جنتاو" لا يطمح لأن يكون قائدا عالميا، والعالم لن يتقبل رئيسا صينيا في دور كهذا قبل سنوات عدة.
ما يساعد إدارة أوباما للقيام بهذا الدور –من وجهة نظر نيوزويك- هو أن العالم يتوق إلى من يقوده في وجه كل هذا الغموض. وهو مستعد لتأييد أي نوع من التقدم، وعلى الرغم من كل المطالبات بزيادة التدخل الحكومي للحول دون حصول أزمة أخرى، والتشكيك في نموذج الرأسمالية الآنغلوساكسوني، قد تكون القيادة الأمريكية والأسواق المنفتحة على الطراز الآنغلوساكسوني ما يريده العالم في الواقع. فهذا النظام هو الذي كان سائدا خلال السنوات الـ30 الماضية من الازدهار العالمي. وقد استفادت أوروبا، فضلا عن أسواق نامية كبيرة مثل الصين والهند والبرازيل والمكسيك وتركيا، إلى حد كبير من الوضع القائم آنذاك عندما كانت القروض متيسرة والتجارة مزدهرة. قد تفهم هذه البلدان أنه سيصعب العودة إلى ذلك الزمن، لكنها لا تملك أي خيار آخر وبالتالي تفضل أن تستمر في اتباع النموذج الأمريكي قدر الإمكان، بالرغم من التهجم السياسي على أمريكا، الضروري للاستهلاك المحلي.
ثم تتسائل المجلة ما هي الخطوات التالية إذن؟
هناك شرطان ضروريان كي تتمكن الولايات المتحدة من المحافظة على دورها الريادي المتجدد وتوجيه النظام العالمي في اتجاه يجعله أكثر استقرارا.الشرط الأول يقضي بأن يظهر الرئيس أوباما وفريق عمله الاقتصادي أنهما جديان في التعامل مع العجز الذي يفوق التريليون دولار الذي ستعانيه الولايات المتحدة خلال العقد المقبل على الأقل. وحتى الآن لم يقوما بذلك مع أنهما تحدثا عن الأمر. لكي تكون الإدارة جديرة بالثقة، عليها أن تخلق هيكلية للانضباط المالي الذي لا وجود له بأي شكل حاليا. هذا يعني تحديد أهداف عامة يؤيدها الكونغرس، فيما يتعلق بمعايير عدة اقتصادية. على الصعيد السياسي، يجدر بالإدارة أن تستمر في التحاور بشكل أوسع مع كل البلدان فيما يتعلق بمستقبل الاقتصاد العالمي. فمن الناحية الاقتصادية، ليس واضحا ما يتم تحقيقه خلال اجتماعات مجموعة الدول الصناعية السبع ومجموعة الدول الـ20 واجتماعات الولايات المتحدة والصين. لكن كي تتمكن الولايات المتحدة من لعب دور قيادي، يجب أن يكون هناك من يتبعها. ولكي يحصل ذلك، على الحكومة الأمريكية أن تصغي جيدا. البعد السياسي للتعاون الاقتصادي ليس مختلفا جدا عما يحدث داخليا. فالمساهمون يريدون أن يشعروا بأنه يتم الاستماع إلى مخاوفهم وفهمها. أخيرا، لا يزال ينبغي تصميم النظام المالي العالمي المستقبلي. فعلى الرغم من حصول اجتماعين لمجموعة الدول الـ20، واجتماعين لمجموعة الدول الثماني، ودراسات لا تحصى أجرتها منظمات دولية في القطاعين العام والخاص، لاتزال المسائل المهمة قيد الدرس، بما فيها عدم ارتباط السوق العالمية والمؤسسات التنظيمية الوطنية المختلفة، والضعف الكامن في التنسيق الدولي.
وفيما يلي بعض المسائل التي يتم التجادل بشأنها والتي ما من إجماع عليها بالكامل: من المسؤول عن تنظيم المؤسسات المالية العالمية الكبيرة التي تؤثر على الكثير من البلدان ومن المسؤول عن إدارة إعادة هيكلتها؟ كيف يمكنها أن تشرف على المشتقات المالية المعقدة؟ ما هو رأس المال الذي من الضروري أن تمتلكه المؤسسات المالية كضمانة ضد الخسائر في اقتصاد عالمي مضطرب، وكيف يجب دفعها إلى القيام بذلك؟ من الذي ينظم أمور العدد الكبير من المؤسسات العالمية (الضعيفة), مثل صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية ومنتدى الاستقرار المالي؟ إن لعب فريق أوباما دورا رياديا في التعامل مع مسائل كهذه، سيشكل ضمانة كبيرة لاستمرار الرأسمالية على الطراز الأمريكي لمدة أطول، بعدما كانت قد اعتبرت محتضرة منذ فترة غير بعيدة.النقطة الأساسية هي أن أمريكا قادرة على قيادة النهوض العالمي سياسيا من دون أن تقع على عاتقها المسؤولية الاقتصادية كاملة. وللاستمرار في ذلك، عليها اتخاذ قرارات صعبة جدا في الداخل والانفتاح دبلوماسيا بشكل لم تفعله أي إدارة أخرى منذ عقود. يجدر بالولايات المتحدة وبقية دول العالم، التي سترزح تحت وطأة الديون والعجز طوال سنوات، أن تتكيف مع هذا الواقع الجديد.

الأيام الأخيرة لبوش وتشيني


تايم، 3 أغسطس 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


عادت مجلة تايم الأمريكية بالأذهان إلى الأيام الأخيرة لبوش وتشيني، وذَكَّرت بقضية لويس ليبي المستشار السابق لنائب الرئيس الاميركي ديك شيني، الذي أصدرت محكمة أميركية بحقه حكمًا بالسجن ثلاث سنوات، وبدفع غرامة ربع مليون دولار، وذلك بعد أدانته بتهمة الكذب على شرطة مكتب التحقيق الفيدرالي (اف.بي.آي)، عندما حققوا معه لدوره في كشف اسم فاليرى بليم، جاسوسة وكالة الاستخبارات المركزية (سي،آي،ايه).
لكن بعد صدور الحكم على ليبي، انتشرت أخبار بأن شيني يضغط على بوش ليصدر أمرا رئاسيا بالعفو عنه. لأن إدانة ليبي ادانة للرئيس ونائبه. ولأن كاميرات التلفزيون ستقف أمام السجن يوم يدخله ليبي، وسيكون اليوم "مهرجانا اعلاميا".
وبالفعل جاء إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش عن تخفيف الحكم على لويس ليبي، ليحول دون قضائه عامين ونصف العام في السجن. ليثير جدلا واسعاً على الساحة السياسية الأميركية وردود فعل متباينة، ويدفع بشعبية بوش الى أدنى مستوى لها. وليثير عند مجلة تايم أسئلة أخرى حول مدى صدق بوش مع شعبه فيما يتعلق بحربه على ما يسمى بـ "الإرهاب".

بعد 8 سنوات مزعجة، وقُبَيل ساعاتٍ من مغادرتهما منصبهما، كان أمام جورج بوش وديك تشيني مهمة أخيرة، لكنها مؤلمة، تنتظر أن يُنجزاها. لأكثر من شهر كان تشيني يلتمس من بوش أو حتى يتملقه أو بالأحرى يضايقه ليصدر عفوًا رئاسيًا عن، لويس ليبي، المدير السابق لمكتب نائب الرئيس الأمريكي آنذاك. وكان "ليبي" قد اتهم قبلها بسنتين بإعاقة مجرى العدالة والحنث باليمين على خلفية قضية تسريب اسم أحد عملاء الاستخبارات المركزية.
وقد أفاد مساعدوا تشيني أن استصدار عفو عن "ليبي" أصبح الشغل الشاغل والمعركة الكبرى بالنسبة لـ "تشيني". وقد أُثِر عنه قوله: لا نريد أن نترك أيًا من أصدقائنا وحيدًا في أرض المعركة".
وكان بوش قد قرر خلال الأسبوع الذي قبله أن ليبي لا يستحق مثل ذلك العفو، وهو الأمر الذي أخبر تشيني به. لكن كبار مستشاري الأخير أكدوا بأنهم لم يروه منشغلا بقضية على مدار فترتي بوش الرئاسيتين كمثل انشغاله بهذا الملف. وهكذا أخَّر بوش قراره حتى اليوم الأخير في منصبه، الذي وافق 19 يناير 2009. (ليمثل عملية إنقاذ في الوقت الضائع).
وقد مثَّلت هذه الساعات الأخيرة فصلا مثيرًا للغاية في مسلسلٍ من أكثر العلاقات غموضًا وأقلها شفافية في التاريخ الأمريكي. ذلك أنها أظهرت كيف يمكن لسؤال واحد أن يجهد العلاقة بين الرئيس ونائبه المقرب، وكشفت فجوة بين رؤية الرجلين حيال الجريمة والعقاب. بل أبدت للعيان اختلافًا جذريًا بين طريقة الرجلين في النظر إلى الإرث الذي سيخلفه بوش. فبينما كان ينظر نائب الرئيس إلى إمكانية أن تمثل الحرب على الإرهاب الإرث الأكبر الذي سيخلفه بوش، فقط إذا دافعوا عن كل رجل وامرأة شارك في هذه المعركة. لكن حينما وصل الأمر إلى "ليبي" شعر بوش بأنه قد قام بما فيه الكفاية.
لكن العفو عن "ليبي" لم يكن نهاية المطاف، بل كان مقدمة تلتها أسئلة عدة حول العدالة والأمن القومي الذَين ورثتهما إدارة أوباما. كما تمكن اتهام "ليبي"، الذي بدأ منذ 6 أعوام مضت، من الوصول إلى لُبّ اللغز المتمثل فيما إذا كان بوش قد خدع شعبه فيما يستعلق بغزو العراق.

صحوة من النوم


ذي إيكونوميست، 23 يوليو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


تقريرٌ من 14 صفحة أعدته أسبوعية ذي إيكونوميست حول الأوضاع في العالم العربي، رسمت خلاله صورة قاتمة للغاية على مختلف المستويات، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، رغم اعترافها بالكثير من المميزات التي أنجزها العرب خلال تاريخهم العريق، في مجالات عدة منها الفن والثقافة والعلوم والدين
وللخروج من هذه الأزمة توقعت المجلة حلا ربما لن يُعجِب الكثيرين، يتمثل في أن تتغير قواعد التعامل بين الشعوب والحكام، وهذا لا يقتصر فقط على إيجاد انتخابات نزيهة، بل يتعداه إلى توفير النوايا الجادة لدى الطرف الثاني لتحقيق هذا التصحيح
نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هذا الأسبوع تقريره الخامس ضمن سلسلة لاذعة تتناول الأوضاع في العالم العربي. ورغم أن العرب أناس مبدعون وديناميكيون، يضمَّ تاريخهم الطويل والمُشرِّف إسهاماتٍ رائعة في مجالات الفن والثقافة والعلوم وطبعًا الدين. إلا أنهم نجحوا مؤخرًا في إحراز رقمٍ قياسيّ من الفشل المنظَّم
ففي البداية فشلت الدول العربية في تحرير شعوبها: حيث قامت 6 دول عربية جهرًا بحظر أحزابٍ سياسية، فيما قامت الدول الباقية بتقييدها خِفية. كما فشلت في أن تُغني شعوبها: فرغم نفطها، أفاد تقرير الأمم المتحدة أن اثنين من كل خمسة أشخاص في العالم العربي يعيشون على دولارين أو أقل في اليوم. وهي الآن على وشك أن تُفسِد شبابها: حيث يقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عدد الوظائف التي من المفترض توفيرها بحلول عام 2020 بـ 50 مليون وظيفة جديدة؛ وذلك لمواكبة الزيادة السكانية، واستيعاب القوة العاملة، وهي المهمة المستحيلة واقعيًا في ظل المؤشرات الحالية
لقد عرقل النفط وإسرائيل والتنافس بين أمريكا وروسيا مسيرة العالم العربي حتى بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية. كما صدمهم غزو العراق، والآن.. وجدوا أنفسهم عالقين في منطقة إطلاق نار بين أمريكا وإيران ضمن صراع البلدين على مفاتيح الهيمنة في المنطقة
(على الجانب الآخر).. ارتفعت نسب المتعلمين في معظم الدول العربية، لاسيما من النساء، وحدثت ثورة في مجال القنوات الفضائية، نجحت في إفساد التعويذة التي صنعتها وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، وأفرزت مشاهدين يرغبون في أن يخاطبهم حكامهم بلهجة غير التي عودوهم عليها