برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Tuesday, August 18, 2009

تقلص النفوذ البريطاني


نيوزويك، 11 أغسطس 2009

حتى في العقود التي أعقبت خسارتها لإمبراطوريتها، كانت بريطانيا تتبختر في العالم وكأنها قوة عظمى. فقوتها الاقتصادية ونفوذها الثقافي، وقوة جيشها النووية وعلاقتها الاستثنائية بأميركا، كل هذه الأمور ساعدت الدولة الصغيرة على التمتع بنفوذ يفوق حجمها الحقيقي.
مجلة نيوزويك رأت أن هذا النفوذ البريطاني بدأ يتقلص، بعد أن تلقت العظمة البريطانية ضربة قاضية مع استحقاق الفواتير المتأتية من الدور الذي لعبته بريطانيا في الانهيار المالي الذي حصل العام الماضي وفي عملية إنقاذ البنوك والركود الذي أعقب ذلك.

فجأة، يبدو أن الشمس التي لم تغب قط عن الإمبراطورية البريطانية باتت تلقي ظلالا طويلة على ما تبقى من الطموحات الإمبريالية البريطانية، ويجب على البلد إعادة النظر في دورها العالمي, ربما كبريطانيا صغرى، أو كبريطانيا أقل شأنا بالتأكيد.هذه لحظة محورية للمملكة المتحدة. فالدين العام في البلد يزداد إلى حد كبير، ولعله سيتضاعف ليصل إلى مستوى قياسي يبلغ 100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس المقبلة بحسب صندوق النقد الدولي. ويتوقع المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية أن عودة المدخول الفردي إلى المعدلات التي كان عليها في أوائل عام 2008 ستتطلب ست سنوات. التأثيرات ستطول كل أقسام الحكومة. سيتم تخفيض الميزانيات في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والكومنولث، مما سيؤثر على قدرة بريطانيا على إظهار قوتها العسكرية والدبلوماسية. وليس هناك الكثير مما يمكن لرئيس الوزراء جوردن براون أو حكومة محافظي ديفيد كاميرون المقبلة القيام به لعكس هذه النزعة، ذلك إن افترضنا أنهم سيفوزون في الانتخابات العامة التي يجب أن تقام في غضون الأشهر الـ10 المقبلة. وكما قال ويليام هيج، نائب كاميرون ووزير الخارجية في حكومة الظل في خطاب ألقاه حديثا: "سيصبح أصعب على بريطانيا مع مرور الوقت أن تمارس النفوذ الذي اعتادت ممارسته على الساحة الدولية".
التاريخ يُطَبَّق على بريطانيا لبعض الوقت. فنشوء الاقتصادات العملاقة مثل الصين والهند لطالما عَنِى أن دور بريطانيا سيصبح أصغر على طاولة البلدان الأكثر نفوذا في العالم التي تزداد ازدحاما. كما أنه عَنِى أن الولايات المتحدة ستعيد تقييم العلاقة الخاصة المزعومة فيما تبحث عن شركاء وتحالفات جديدة، مما سيقلص بالتأكيد دور بريطانيا الكبير بشكل مفرط على الساحة الدولية.

صحيحٌ أن الركود العالمي ضرب كل البلدان تقريبا، لكنه أثَّر على بريطانيا أكثر من غيرها. وفي هذا السياق استشهدت المجلة بالركود الراهن الذي يشهده القطاع المالي البريطاني، الذي يعتبر محرك الازدهار الأهم في البلاد. بالإضافة إلى انزلاق بريطانيا إلى حالة من الانكماش للمرة الأولى منذ 50 عاما. ويعتقد صندوق النقد الدولي أن الركود الاقتصادي البريطاني سيكون أعمق وأطول من ركود أي اقتصاد متقدم آخر. وتقول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إن نهوض بريطانيا قد يبدأ في وقت لاحق من هذا العام، لكنه سيكون متأخرا عن نهوض البلدان الغنية الأخرى مثل اليابان والولايات المتحدة.

ما يسلط الأضواء على الحالة البريطانية أكثر هو أنها البلد الوحيد بهذا الحجم في التاريخ الحديث الذي سعى لأن يكون له دور كبير بشكل يفوق حجمه على الساحة العالمية. فخلال الحرب الباردة، كانت مارغريت تاتشر تعتبر نفسها القائدة الثانية على الساحة العالمية بعد رونالد ريجان في مساهمتها بإطاحة الاتحاد السوفييتي وجَعْلِ العالم ملاذًا آمنا لانتشار الرأسمالية. وخلال العقد الذي أمضاه بلير في منصبه، من عام 1997 وحتى عام 2007، خاضت بريطانيا ثلاث حروب في كوسوفا وأفغانستان والعراق حيث احتلت المرتبة الثانية من حيث المشاركة العسكرية بعد الولايات المتحدة، لكن هذا يتغير الآن. يقول إيان كيرنز من معهد أبحاث السياسات العامة الذي أَجرى مؤخرًا تقييما للأمن البريطاني: "مع أن بلدنا غني نسبيا ولدينا مقعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فنحن قوة في طَور الانحطاط". ويقول بادي آشداون، وهو زعيم سابق للديمقراطيين الليبراليين شارك في دراسة معهد أبحاث السياسات العامة، إنه يتذكر الملاحظة الساخرة التي تفوه بها وزير الخارجية الأميركي دين آيكسن عام 1962: "لقد خسرت بريطانيا إمبراطوريتها لكنها لم تجد دورا تلعبه بعد".مسكينٌ هو رئيس الوزراء الذي سيأتي بعد براون. ففوز المحافظين في الانتخابات المقبلة ـ أو فوز أي حزب فيها ـ لن يُنظَر إليه على أنه حدث سيغير الوضع القائم مثلما حصل عند فوز بلير قبل 12 عاما. فآنذاك، اقتنعت بريطانيا بشعار بلير لأنه كان يبدو واقعيا: فالاقتصاد كان قد بدأ يشهد فترة نمو غير مسبوقة، وكانت الهجرة تُغنِي البلد، وكانت حماسة أصحاب المبادرات منتشرة حتى في الوسط الصناعي القديم. اليوم تبخر كل ذلك. الاختبار الحقيقي لرئيس الوزراء التالي، وربما للذي سيأتي بعده، لن يكون فقط إعادة تحديد موقع بريطانيا بين البلدان العظيمة، بل أيضا إعادة إحياء الروح التي كانت تسود بريطانيا في السابق.

No comments: