برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Tuesday, August 4, 2009

فَكِّروا مرة أخرى فيما يعنيه صعود آسيا


فورين بوليسي، يوليو- أغسطس 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


عَبْرَ موضوعِ الغلاف الذي نشرته مجلة فورين بوليسي في عددها الأخير تحت عنوان (فكروا مرة أخرى فيما يعنيه صعود آسيا) حاول "مينكسين بي"، الأستاذ المشارك في مؤسسة كارنيجي للسلام الدوليّ، التبشيرَ بوجهة نظرٍ تبدوا للوهلة الأولى تسبح عكس التيار. حيث دعا "بي" إلى عدم الانجراف وراء التوقعات التي تتحدث عن أفول القوة الأميركية، وبزوغ فجر عهد آسيوي جديد؛ لأن حدوث ذلك–من وجهة نظره- قد يحتاج إلى عدة عقود.
ورغم اعتراف الكاتب بالنمو الاقتصادي القوي الذي شهدته القارة الآسيوية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإنه يرى في القول بأن آسيا سوف تنتزع الريادة من أميركا كقوة مهيمنة على العالم، نوعًا من المبالغات الهائلة؛ لأن صعود الدول الآسيوية، مهما كانت وتيرته، لن يؤدي سوى لعالم متعدد الأقطاب وليس إلى عالم أحادي القطبية الآسيوية.
لا تُصدِّق الشائعات المتطايرة حول تدهور أمريكا وبزوغ فجر عهدٍ آسيوي جديد. فأمام الصين والهند وبقية بلدان هذه المنطقة سنوات عديدة قبل أن يكون بإمكانها السيطرة على العالم. هذا إن تمكنوا من ذلك أصلا.
اعكُف على قراءة كتب من فصيلة (نصف الكرة الآسيوي الجديد: التحول الحتمي للقوة العالمية إلى الشرق) لمؤلفه "كيشور مهبوهاني"، عميد كلية "لي كوان بو" للسياسات العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، أو كتاب (عندما تحكم الصين العالم) لمؤلفه البروفيسور البريطاني "مارتن جاك"، وسيكون من السهولة بمكان أن تعتقد أن المستقبل ينتمي إلى آسيا. كما يقول أحد المبشرين بهذا الصعود "نحن على أعتاب عصر جديد من تاريخ العالم: يتمثل في نهاية الهيمنة الغربية وقدوم القرن الصيني".
ما يدعم هذه الفكرة هو النمو الاقتصادي المتسارع مذ عززت الحرب العالمية الثانية - بشكل لا يمكن إنكاره- ناتج آسيا الاقتصادي وقدراتها العسكرية. ورغم ذلك يبقى القول بأن آسيا ستصبح أبرز اللاعبين على الساحة الدولية أمرًا مبالغًا فيها. فعلى أبعد التقديرات يمكن لهذه المقدمات أن تُفضي إلى ولادة عالم متعدد الأقطاب، وليس عالمًا آخر أحادي القطب.

وقد اختارت المجلة التي تَصدُر كل شهرين عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي أن تُبرِز على غلافها بشكل واضح جملة (لا تصدق النموذج الآسيوي) في محاولة منها لوقف مد النبوءات التي تناثرت مؤخرًا حول سقوط أمريكا وصعود آسيا كقوة عالمية بديلة.
واستكمالا لنفس الهدف استشهد الكاتب بإحصائيات اقتصادية وعسكرية، ووقائع تاريخية تدلل –بحسب تحليله- على أن آسيا أمامها الكثير حتى تصبح هذه القوة العالمية الذي يبشر بها المتفائلون.

لم تقترب آسيا بعدُ من تجسير فجوة التفوق العسكري والاقتصادي بينها وبين الغرب. صحيح أنها تنتج قرابة 30% من الناتج الاقتصادي العالمي، لكن بفضل تعداد سكانها الهائل يتراجع الناتج المحلي الإجمالي لدولها مقارنة بأمريكا (على سبيل المثال). صحيحٌ أن الدول الآسيوية تسابق الزمن لتطوير جيوشها، لكن إنفاق الدول الآسيوية مجتمعة في مجال التسليح عام 2008 لم يبلغ ثلث ما أنفقته الولايات المتحدة في نفس المجال. حتى وإن استمرت معدلات النمو في هذه البلدان بوتيرتها الحالية المتسارعة، فسيكون أمام مواطني الدول الآسيوية 77 عامًا لبلوغ معدلات دخول نظرائهم في أمريكا. الصين تحديدًا تحتاج إلى 47 عامًا لبلوغ ذلك، أما الهند فتحتاج إلى 123 عامًا. أما الميزانية العسكرية للدول الآسيوية مجتمعة فلن تبلغ ميزانية الولايات المتحدة حتى 72 عامًا قادمة.
وفي كل الأحوال لا يمكننا الحديث عن آسيا كقوة موحدة، فتاريخها متخم بالصراعات العسكرية التي نشبت بين لاعبيها الكبار. فقد تصارعت الصين واليابان حول كوريا، وأبحر الاتحاد السوفييتي سريعًا صوب الهند وفيتنام لكبح جماح الصين، بينما دعمت الأخيرة باكستان في معركة التوازن مع الهند. وقد دفع نهوض الصين مؤخرًا اليابان والهند إلى التقارب أكثر. وبهذا الشكل إذا أصبحت آسيا مركز الثقل الجيوسياسي في العالم سيكون المشهد جِدُّ مظلم.

No comments: