
نيوزويك، 4 أغسطس 2009
على خطى "مينكسين بي" المتفائلة سَارَ "جيفري أيه غارتن"، أستاذ كرسي "جوان تربي" المختص بالتجارة الدولية والشؤون المالية في كلية إدارة الأعمال بجامعة "يـيل"، في مقاله الذي نشرته مجلة نيوزويك تحت عنوان (أمريكا لا تزال الأقوى
و يرى "غارتن"، الذي عمل نائبا لوزير التجارة في إدارة كلينتون ومديرًا لمجموعة "ابلاكستون"، أن الولايات المتحدة ستخرج من الأزمة متفوقة، رغم إعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل نهاية الهيمنة الرأسمالية الآنغلوساكسونية، وتوبيخ مجموعة من كبار المسؤولين الصينيين، مثل نائب رئيس الوزراء "وانغ كيشان" ومحافظ البنك المركزي "جو شياشوان"، الولايات المتحدة على تهتكها. وإعلان بعض الأمريكيين المحترمين أمثال "روجر ألتمان"، نائب وزير الخزانة في إدارة كلينتون، نهاية الدور الريادي الأمريكي في القطاع المالي.
لقد بدأ النهوض ولو بفتور وتردد. ربما لا نشعر به بعد، لا سيما في الولايات المتحدة وأنحاء كثيرة من أوروبا، حيث لا تزال التجارة تشهد ركودا وتزداد عمليات حبس الرهن ولاتزال معدلات البطالة مرتفعة. لكن صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، اللذين كانا حذرين في توقعاتهما السنة الماضية، يقولان إن هناك تحسنا ـ ولو متواضعا ـ يلوح في الأفق. هذا الشهر، رفع صندوق النقد الدولي تقديراته للنمو العالمي العام المقبل من 2 بالمائة، وهي توقعات أطلقها في أبريل، إلى 2.5 بالمائة. كما رفعت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية توقعاتها فيما يتعلق بنمو البلدان الغنية للمرة الأولى منذ بدء الأزمة. وخفَّت حدة المخاوف من انهيار النظام المالي العالمي، وعلى الرغم من الضغوط الحمائية المستمرة، فقد خفَّ القلق في الأوساط الحكومية من مواجهة العالم كارثة شبيهة بتلك التي حصلت في ثلاثينات القرن الماضي.مع أن التحسن في الولايات المتحدة قد يحدث بسرعة أكبر منه في معظم البلدان الأخرى، فإنه من غير المرجح أن يكون كبيرا بما يكفي ليكون محرك النهوض العالمي، كما حصل في فترات الركود السابقة. وإذا كان بإمكان أي بلد تحقيق هذه المهمة، فهو قد يكون الصين، حيث يبلغ معدل النمو 7 بالمائة على الأقل.
لكن على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها الرئيس أوباما، فهو بلا شك القائد الأكثر إثارة للإعجاب، وهو أكثر ثقة بنفسه وأكثر فصاحة وأكثر حنكة سياسية من أي من القادة الآخرين. رئيس الوزراء البريطاني "غوردن براون" يتعرض لهجمات ضارية في بلده، وإعادة انتخابه تكاد تكون مستحيلة. واحتمالات فوز رئيس الوزراء الياباني "تارو آسو" تبدو ضئيلة مع اقتراب الانتخابات المبكرة التي دعا إلى إقامتها في 30 أغسطس. وتواجه المستشارة الألمانية أيضا انتخابات وشيكة وقد عارضت بشدة الخطة التحفيزية التي يبدو أن العالم في أمس الحاجة إليها، كما أن الرئيس الفرنسي متقلب جدا وحاد الطباع بشكل لا يمكنه من أن يكون فعالا على الساحة الدولية. هذا لا يترك سوى الصين، حيث النمو قوي والبنوك تملك أموالا وفيرة. لكن الرئيس "هوو جنتاو" لا يطمح لأن يكون قائدا عالميا، والعالم لن يتقبل رئيسا صينيا في دور كهذا قبل سنوات عدة.
ما يساعد إدارة أوباما للقيام بهذا الدور –من وجهة نظر نيوزويك- هو أن العالم يتوق إلى من يقوده في وجه كل هذا الغموض. وهو مستعد لتأييد أي نوع من التقدم، وعلى الرغم من كل المطالبات بزيادة التدخل الحكومي للحول دون حصول أزمة أخرى، والتشكيك في نموذج الرأسمالية الآنغلوساكسوني، قد تكون القيادة الأمريكية والأسواق المنفتحة على الطراز الآنغلوساكسوني ما يريده العالم في الواقع. فهذا النظام هو الذي كان سائدا خلال السنوات الـ30 الماضية من الازدهار العالمي. وقد استفادت أوروبا، فضلا عن أسواق نامية كبيرة مثل الصين والهند والبرازيل والمكسيك وتركيا، إلى حد كبير من الوضع القائم آنذاك عندما كانت القروض متيسرة والتجارة مزدهرة. قد تفهم هذه البلدان أنه سيصعب العودة إلى ذلك الزمن، لكنها لا تملك أي خيار آخر وبالتالي تفضل أن تستمر في اتباع النموذج الأمريكي قدر الإمكان، بالرغم من التهجم السياسي على أمريكا، الضروري للاستهلاك المحلي.
ثم تتسائل المجلة ما هي الخطوات التالية إذن؟
هناك شرطان ضروريان كي تتمكن الولايات المتحدة من المحافظة على دورها الريادي المتجدد وتوجيه النظام العالمي في اتجاه يجعله أكثر استقرارا.الشرط الأول يقضي بأن يظهر الرئيس أوباما وفريق عمله الاقتصادي أنهما جديان في التعامل مع العجز الذي يفوق التريليون دولار الذي ستعانيه الولايات المتحدة خلال العقد المقبل على الأقل. وحتى الآن لم يقوما بذلك مع أنهما تحدثا عن الأمر. لكي تكون الإدارة جديرة بالثقة، عليها أن تخلق هيكلية للانضباط المالي الذي لا وجود له بأي شكل حاليا. هذا يعني تحديد أهداف عامة يؤيدها الكونغرس، فيما يتعلق بمعايير عدة اقتصادية. على الصعيد السياسي، يجدر بالإدارة أن تستمر في التحاور بشكل أوسع مع كل البلدان فيما يتعلق بمستقبل الاقتصاد العالمي. فمن الناحية الاقتصادية، ليس واضحا ما يتم تحقيقه خلال اجتماعات مجموعة الدول الصناعية السبع ومجموعة الدول الـ20 واجتماعات الولايات المتحدة والصين. لكن كي تتمكن الولايات المتحدة من لعب دور قيادي، يجب أن يكون هناك من يتبعها. ولكي يحصل ذلك، على الحكومة الأمريكية أن تصغي جيدا. البعد السياسي للتعاون الاقتصادي ليس مختلفا جدا عما يحدث داخليا. فالمساهمون يريدون أن يشعروا بأنه يتم الاستماع إلى مخاوفهم وفهمها. أخيرا، لا يزال ينبغي تصميم النظام المالي العالمي المستقبلي. فعلى الرغم من حصول اجتماعين لمجموعة الدول الـ20، واجتماعين لمجموعة الدول الثماني، ودراسات لا تحصى أجرتها منظمات دولية في القطاعين العام والخاص، لاتزال المسائل المهمة قيد الدرس، بما فيها عدم ارتباط السوق العالمية والمؤسسات التنظيمية الوطنية المختلفة، والضعف الكامن في التنسيق الدولي.
وفيما يلي بعض المسائل التي يتم التجادل بشأنها والتي ما من إجماع عليها بالكامل: من المسؤول عن تنظيم المؤسسات المالية العالمية الكبيرة التي تؤثر على الكثير من البلدان ومن المسؤول عن إدارة إعادة هيكلتها؟ كيف يمكنها أن تشرف على المشتقات المالية المعقدة؟ ما هو رأس المال الذي من الضروري أن تمتلكه المؤسسات المالية كضمانة ضد الخسائر في اقتصاد عالمي مضطرب، وكيف يجب دفعها إلى القيام بذلك؟ من الذي ينظم أمور العدد الكبير من المؤسسات العالمية (الضعيفة), مثل صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية ومنتدى الاستقرار المالي؟ إن لعب فريق أوباما دورا رياديا في التعامل مع مسائل كهذه، سيشكل ضمانة كبيرة لاستمرار الرأسمالية على الطراز الأمريكي لمدة أطول، بعدما كانت قد اعتبرت محتضرة منذ فترة غير بعيدة.النقطة الأساسية هي أن أمريكا قادرة على قيادة النهوض العالمي سياسيا من دون أن تقع على عاتقها المسؤولية الاقتصادية كاملة. وللاستمرار في ذلك، عليها اتخاذ قرارات صعبة جدا في الداخل والانفتاح دبلوماسيا بشكل لم تفعله أي إدارة أخرى منذ عقود. يجدر بالولايات المتحدة وبقية دول العالم، التي سترزح تحت وطأة الديون والعجز طوال سنوات، أن تتكيف مع هذا الواقع الجديد.
No comments:
Post a Comment