برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Thursday, July 30, 2009

المشَّاءون على القمر


تايم، 27 يوليو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


يشهد العالم هذا الأسبوع الذكرى الـ 40 لهبوط أول إنسان على سطح القمر، ضمن مشروع أبولو الذي قُدِّرت كلفته بـ 25 مليار دولار في 196 (أي ما يوازي حاليا 115 مليار دولار).
حول هذه القفزة العلمية غير المسبوقة في تاريخ البشرية، أعدت مجلة تايم الأمريكية تقريرًا خاصًا تحت عنوان (المشَّاءون على القمر)، تناول فيه الكاتب "جيفري كلاجر" جوانب من مغامرة مشروع أبولو الذي سمح لـ12 رائد فضاء بأن يطأوا أرض القمر خلال ست مهمات بين عامي 1969 و1972.
ظهرت إشارات مبكرة على أن المشاكل قد بدأت في الهبوط على رأس رائد الفضاء الأمريكي "ألدرين باز"، حتى قبل أن يطأ بقدميه سطح القمر، برفقة نيل أرمسترونج. حيث صارعت جدته الاكتئاب معظم حياتها، ولم يضع حدًا لهذه المعاناة سوى انتحارها. كذلك صارعت أمه حالة نفسية مشابهة، دفعتها - بعد رحلة ألدرين الأولى إلى الفضاء عام 1966- إلى ارتداء نظارة سوداء في المناسبات العامة لتواكب شهرة العائلة. وفي مايو 1968، وقبل 14 شهرًا فقط من مغادرة ألدرين إلى رحلته القمرية، رحلت أمه بنفس طريقة جدته.
التقيتُ ألدرين في 1990، بعد سنوات من قيامه بمهمته التاريخية، وقد تمكن من التغلب على الاكتئاب الذي أصابه، وتعافى من الإدمان على الكحوليات. وتناقشنا حول مستقبل تسيير المركبات الصاروخية والسفر إلى الفضاء.
هذا المستقبل الذي تناقشنا حوله لايزال يحوطه الغموض كما كان دومًا، لكن مع اقتراب الذكرى الـ 40 لهبوط أبولو 11 على سطح القمر في 20 يوليو، يظل الماضي مألوفًا. لقد أُطلِقَت 9 مهام لأبولو صوب القمر، نجحت 6 منهن في الهبوط على سطحه، ولا تزال الذكريات الثقافية لهذه المهام لامعة، ويبقى الرجال المسنين الذين قادوا المركبات في مرتبة سامقة، ليست كمراتب لاعبي الكرة أو نجوم السينما. فالتاريخ أفرز من الرؤساء أكثر مما أفرز من رواد الفضاء.

ما الخلل الذي أصاب الاقتصاد؟


ذي إيكونوميست، 18 يوليو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


خصصت أسبوعية ذي إيكونوميست موضوع غلافها الأخير للدفاع عن الاقتصاد وأهله، بعد السهام المتلاحقة التي وُجهت إلى الاقتصاديين إثر تفاقم الأزمة المالية على مستوى العالم، الأمر الذي جعل تصريحاتهم يُنظر إليها نظرة ريبة، لم يعتادوا عليها من قبل.
لطالما كان يوثق في الاقتصاديين بصورة أكبر من السياسيين، حتى أن السيناتور جون ماكين كان يقول مازحًا إن آلان جرينسبان - رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي السابق خلال الفترة بين 1987 و 2006- لا يمكن الاستغناء عنه، لدرجة أنه إن مات سيتحتم على الرئيس أن يثبته بدعامات ويُلبسه نظارة (حتى لا يُكتشف موته).
وفي مطلع الكارثة الاقتصادية الأسوأ من 80 عامًا، تلقت هذه السمعة ضربة مؤلمة. ورغم أن الاقتصاديين لا يزالون في مركز صنع السياسات (ويُذكر في هذا السياق بين بيرنانكي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، ولاري سامرز، وزير الخزانة الأمريكي الأسبق ورئيس جامعة هافارد، وكلاهما من أمريكا، بجانب البريطاني، محافظ بنك انجلترا المركزي)، إلا أن تصريحاتهم باتت يُنظر إليها بعين أكثر تشككًا من ذي قبل. بل إن المهنة نفسها تعاني.
لكن إذا كان الجهل هو الذي دفع المستثمرين والساسة إلى تضخيم فضائل الاقتصاديين، فهو الآن يعميهم عن رؤية فوائدهم. إن علم الاقتصاد هو شريعة واسعة تمتد من النظريات التي توضح كيف تتقرر الأسعار إلى تلك التي تشرح كيف تنمو الاقتصادات. جزء كبير من هذه المعلومات لا علاقة له بالكارثة الاقتصادية ويبقى نافعًا كاما كان دومًا.
أعداد كثيرة، لاسيما في أوروبا، تساوي الأخطاء التي يرتكبها الاقتصاديون بفشل الليبرالية الاقتصادية. ومنطقهم في ذلك على ما يبدوا أن الاقتصاديين إذا ما أفسدوا أمرًا، فإن السياسيون سيقومون به بشكل أفضل. وهذا استنتاج خطأ، وخطير.

الغزو الإسلامي للغرب وَهْـــم.. لـمـاذا؟


نيوزويك، 21 يوليو 2009


عند الإصغاء إلى اليمين المتطرف الأوروبي، يُخيَّل إليك أن القارة على وشك خوض صراع مرير مع خصم تعود العداوة معه إلى قرون. لكن حينما تقرأ موضوع غلاف مجلة نيوزويك الأخير سيتبين لك أن هذه التوقعات حول قيام "أوروبا إسلامية" معادية لأمريكا والقيم الغربية، ليس هناك ما يبررها، بل هي محض تحريض ضد الإسلام والمهاجرين المسلمين.
وجهة النظر هذه تزداد انتشارا منذ بعض الوقت ـ تغذيها التوقعات التهويلية والافتراضية إلى حد كبير التي يطلقها كتّاب مثل مارك ستاين الكندي، مؤلف كتاب (أمريكا بمفردها) الذي لقي نجاحا كبيرا ـ ومفادها أن الهجرة ومعدلات المواليد المرتفعة قد تعني أن المسلمين سيشكلون 40 بالمائة من سكان أوروبا بحلول عام 2025. لقد صدرت تحذيرات مماثلة وعلنية من الدبلوماسي الأمريكي تيموثي سافادج الذي ادعى أن التوقعات بأن المسلمين سيصبحون الأكثرية في أوروبا الغربية بحلول منتصف القرن "قد لا تكون مستبعدة" إن استمرت النزعات الحالية، مما سيزيد من احتمالات حصول نزاعات. وكتب المؤرخ البريطاني نيل فيرغسون أن "مجتمعا إسلاميا شابا في جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط على وشك استعمار ـ والتعبير ليس مبالغا فيه ـ أوروبا المتقدمة في السن". ويتوقع الصحافي الأمريكي كريستوفر كولدويل أن يكون المجتمع الإسلامي "الراسخ" و"الواثق" مستعدا لفرض رغبته على ثقافة أوروبية "غير واثقة" و"نسبية". المعلقون الأكثر تشاؤما، بمن فيهم ستاين والكاتب الأمريكي المحافظ توني بلانكلي، يتكلمون عن نشوء "أوروبا عربية" معادية للمصالح الأمريكية وخاضعة للإسلام.وتزداد المخاوف من أن أعداد المهاجرين المتزايدة والمقاومة للانصهار أو الاندماج ستسرق الوظائف وتضع ضغوطا على الخدمات العامة. ففي العام الماضي، تبين أن نحو نصف المشاركين في استطلاع للرأي أجرته شركة "بيو" في إسبانيا وألمانيا ينظرون إلى المسلمين نظرة سلبية. في إسبانيا، كانت هذه النسبة قد ارتفعت 15 بالمائة منذ عام 2004 لتصل إلى 52 بالمائة. وفي انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في شهر يونيو، فاز حزب ويلدرز بـ17 بالمائة من الأصوات في هولندا. كما أن الحزب الوطني البريطاني المناهض للهجرة الذي حذر من طالأسلمة المطردة" للمجتمع البريطاني فاز بأول مقعدين له. وفي النمسا، فاز حزب الحرية اليميني بـ13 بالمائة من الأصوات، وهي توازي نحو ضعفي النسبة المعتادة.وقد تنبهت الحكومات الأوروبية اليمينية المعتدلة بمعظمها إلى المزاج العام، وبدأت بفرض قيود صارمة على الهجرة من البلدان الإسلامية وأماكن أخرى، وعززت رسالتها القائلة إن تركيا المسلمة غير مرحب بها في الاتحاد الأوروبي. وإيطاليا بصدد إقرار قانون يفرض سجن مالكي العقارات الذين يؤجرون ممتلكاتهم لمهاجرين لا يملكون وثائق قانونية. الشهر الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن النقاب هو "علامة خضوع" وغير مرحب به على أراضي الجمهورية الفرنسية.لكن كل هذا يحجب واقعا بسيطا: فالكلام عن نشوء أوروبا عربية يستند إلى أدلة محدودة ومشكوك في صحتها.

هل يمكن أن نكون أصدقاء؟


تايم، 13 يوليو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


هل يمكن أن نكون أصدقاء؟).. ملخصٌ للرسالة التي حملها أوباما إلى روسيا أواخر الأسبوع المنصرم، اتخذتها مجلة تايم الأمريكية عنوانًا لموضوع غلافها الأخير، الذي خصصته لسبر أغوار هذه الزيارة التاريخية. ورغم أن حقبة الحرب الباردة قد انتهت رسميًا، فإن العلاقات بين أمريكا وروسيا لاتزال متوترة واقعيًا، وقد حان الوقت –بحسب المجلة- لإصلاح ما أفسده الدهر.
بتسليط الضوء على هذا التوتر القائم في بين واشنطن وموسكو، والمصالح التي تتشبث بها كل دولة، استهلت تايم تغطيتها الخاصة لهذه المهمة الصعبة.
ربما وضعت الحرب الباردة أوزارها منذ 20 عامًا مضت، لكن الطريقة التي تتعامل بها أمريكا وروسيا تبقى ذات أهمية، ويجب ألا ننسى أن هاتين الدولتين تمتلكان أسلحة كافية لإرسالنا جميعًا إلى العالم الآخر. كلا الدولتين تريد تدشين قاعدة جديدة لعلاقاتهما المشتركة، بعدما مرَّتا بمرحلة حرجة إبان الحرب على جورجيا أغسطس الماضي، حينما اجتاحت القوات الروسية بلدًا هي حليفة لأمريكا، وهو الأمر الذي أثار انتقادًا لاذعًا لروسيا من قبل إدارة الرئيس السابق جورج بوش، وقد بقي المسئولون الروسيون ممتعضون مما اعتبروه رفض اعتراف بأن تحركهم العسكري لم يكن إلا ردّ فعل على الاستفزازات التي لا تُحتمل من قبل الحكومة الجورجية.
مضى الآن عام على هذه المشاحنة، وهو وقت كافٍ كي تهدأ الانفعالات إلى حدّ ما ، و(دليل ذلك أن) قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، ونائب الرئيس جو بايدن إنهما يرغبان في أن تستعيد العلاقات عافيتها بين بلادهما وروسيا، من جانبها تسعى الأخيرة إلى علاقة طبيعية ومستقرة ويمكن توقعها مع الولايات المتحدة، لكن لا أحد منهما يعرف كيف ولا من أين يبدأ.
ويقول "كويت بلاكر"، البروفيسور في جامعة ستانفورد، والمستشار السابق لإدارة الرئيس كلينتون: "كلا البلدين يستكشف الفوائد التي ستعود عليهما من هذه العلاقة".
أكثر الأمور التي تريدها كلتا الدولتين من الأخرى سهلة وبسيطة؛ تريد أمريكا من روسيا أن تصادق على تحركات أكثر حزمًا لمقاومة الطموحات النووية الإيرانية والكورية الشمالية، وأن تتوقف عن إزعاج الديمقراطيات المجاورة مثل أوكرانيا وجورجيا، كما تريد روسيا من أمريكا أن تعترف بدائرة تأثيرها الخاصة على محيطها القريب، والذي يتمثل في مقاطعات الاتحاد السوفييتي القديم، وأن توقف تمدد الناتو صوب الشرق. الأكثر إجمالاً تريد موسكو بعضًا من الاحترام، (وإن كان الأمر كذلك، فلا أنسب من أوباما لهذه المهمة).
وفي هذا يقول وزير الخارجية الفنلندي، ألكسندر ستاب، الذي التقى ميدفيديف وبوتين بعد تنصيب أوباما: "يريد الروس أن يشعروا أنهم كبار... هناك شعور بالعظمة في التاريخ الروسي، وهكذا تشعر روسيا أنها يجب أن تُعامل".
بالتأكيد لا تعتمد روسيا على أمريكا بشكل كامل كي تشعر بالأهمية ، (ودليل ذلك) أنها استضافت في منتصف يونيو قمتين في مدينة يكاترينبورج: واحدة مع أعضاء منظمة تعاون شنغهاي (SCO ) (والتي تضم إلى جانب روسيا الصين وأربعة جمهوريات من آسيا الوسطى هي: كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان)، بالإضافة إلى 4 دول مراقبة هي: الهند وإيران ومنغوليا وباكستان، و ثلاثة ضيوف شرف آخرين هي: أفغانستان ومنظمة الآسيان ومنظمة كومنولث الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق. وقمة أخرى مع زعماء دول "بريك" التي تشمل الصين وروسيا والبرازيل والهند. وقد كان الرئيس ميدفيديف أول رئيس غربي يستقبل نظيره الإيراني بعد إعادة انتخابه المثيرة للجدل. ورغم ذلك، تبقى زيارة رئيس الولايات المتحدة لا يضاهيها شيء لدعم الوضع الروسي في العالم. وربما يمثل القلق بشأن الاقتصاد إحدى النقاط المشتركة التي تجمع بين الرئيسين ميدفيديف وبوتين من جهة وأوباما من جهة أخرى.
وتطرقت المجلة إلى وجهتي النظر الأمريكية والروسية فيما يتعلق بطريقة التعامل مع الملف النووي الإيراني، خاتمة بالحديث عن رغبة الرئيسين ميدفيديف وأوباما في التوصل إلى معاهدة جديدة للأسلحة النووية قبل نهاية العام الجاري، موضحة في الوقت ذاته أن طموحات الدرع الصاروخية الأمريكية تبقى العقبة الكأداء في هذا الطريق. ولا يذلل من هذه العقبة تأكيد أمريكا مرارًا وتكرارًا: إن مثل هذه الدفاعات (الصاروخية)، بما فيها الإنشاءات في بولندا والجمهورية التشيكية، ضرورية لحماية الغرب من أي ضربة محتملة من قبل إيران.
على النقيض من أمريكا، لا تنظر روسيا إلى البرنامج النووي الإيراني باعتباره تهديدًا كبيرًا؛ حيث يقول الروس: بإمكاننا التعايش مع إيران نووية، إنهم لا يريدون ذلك، بل يتوقعون حتمية حدوثه؛ لذلك بدلاً من وقف برنامج إيران النووي، عرضت موسكو أن تُخَصّب اليورانيوم بالنيابة عن طهران، لكن الملالي في إيران رفضوا ذلك بشكل مهذَّب، كما تشك روسيا في جدوى العقوبات المفروضة على إيران في إقناعها بتغيير مسارها النووي، بل تخشى أن تأتي بنتائج عكسية وتشجع فقط المتشددين الإيرانيين.
يقول الخبير في الشأن الروسي، ديمتري ترينين: "إيران ليست كوريا الشمالية، وروسيا ليست الصين... فمستوى الاستقلالية والتأثير ببساطة غير موجود".
حينما التقى كلٌّ من أوباما وميدفيديف في أبريل الماضي أعربا عن رغبتهما في التوصل إلى معاهدة جديدة للأسلحة النووية قبل نهاية العام الجاري، وانتهاء صلاحية اتفاقية خفض الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) في ديسمبر المقبل، والتي تحدد عدد الأسلحة النووية التي بإمكان البلدين نشرها. وهذه مساحة لطالما تفاوض البلدان داخلها، وقد أدّت مرحلتان من اتفاقية (ستارت)- الأولى تم التصديق عليها في 1991، قبيل انهيار الاتحاد السوفييتي، والثانية تم التوقيع عليها في العام 1993- إلى تقليل 81% من عدد الأسلحة النووية الإستراتيجية على مستوى العالم. واستكمال هذه الاتفاقية من شأنه أن يَشْذُب أكثر هذه الترسانة الدولية، وهي الخطوة التي يؤمن الخبراء بإمكانية اتخاذها.
يقول الخبير الروسي ستروب تالبوت، والنائب السابق لوزيرة الخارجية الأمريكية، ومدير معهد بروكينجز: "العلاقات مع روسيا تمر بمرحلة غريبة من "العودة إلى المستقبل"... والشيء الوحيد الذي بإمكاننا فعله هو عقد اتفاقيات للحدّ من انتشار الأسلحة".
وقد قال الرئيس "ميدفيديف"، ووزير خارجيته "سيرجي لافروف" مؤخرًا: إن تقليل الأسلحة النووية ممكن فقط إذا أسقطت الولايات المتحدة خططها لمدّ درعها الصاروخي داخل أوروبا الشرقية. وتجادل الولايات المتحدة قائلة: إن مثل هذه الدفاعات (الصاروخية)، بما فيها الإنشاءات في بولندا والجمهورية التشيكية، ضرورية لحماية الغرب من أي ضربة محتملة من قبل إيران. و(بالطبع) لا يشتري الروس ما تحاول أمريكا تسويقه لها، وهو ما صرّح به نائب وزير الخارجية الروسي "سيرجي رايبكوف" مؤخرًا لمجلة تايم، قائلًا: "لا نصدق أن أي خطط لنشر الدرع الصاروخية بإمكانها فعل أي شيء حيال "التهديد الإيراني"، مضيفًا: "بالنسبة لنا.. يتعلق الأمر مباشرة بقدرة الولايات المتحدة في مجال أسلحة الهجوم الاستراتيجي.
ورغم العواصف، تبقى (دائمًا) مساحة للمناورة!

موجة إيران الخضراء


ذا نيشن، 20 يوليو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


بعد شهر على الانتخابات الرئاسية في إيران تبدو حركة الاحتجاج وكأنها ضعفت أمام القمع وتصلب السلطات، لكن تغييرًا ما حصل، فالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لا يزال بعيدا عن كسب ثقة كل الإيرانيين. مجلة ذا نيشن رأت أن إرهاصات هذا التغيير بدأت منذ الساعات الأولى للحملة الانتخابية الرئاسية.
في إحدى ليالي الجمعه، وتحديدًا قبل أسبوع من الانتخابات الإيرانية المثيرة التي جرت في 12 من يوليو الماضي، كانت الهزات الأولية للزلزال الذي ضرب البلاد شرعت في الظهور بصورة ملموسة جنوبي طهران، حيث شريحة من الطبقة العاملة في المنطقة المعروفة بأنها معقل الرئيس محمود أحمدي نجاد.
(في المقابل) كانت توجد شاحنات ودراجات بخارية، وسيل من السيارات تشق ظلمة الليل، وأبواق تصيح، بل تزأر، في جنبات الشارع العريض، وصرخات وهتافات تنطلق من نوافذ السيارات المفتوحة، وأيادٍ ترتفع مُلَوِّحَة بصور المنافس مير حسين موسوي. كانت توجد أمامهم شاحنة آيلة للسقوط تنقل عشرات المؤيدين للرئيس أحمدي نجاد، كانوا يسخرون من مناوئيهم.
هذا المشهد كان متكررًا في أكثر من مكان، داخل هذه البلد التي لم تعرف شوارعه السياسة من قبل. وهو المشهد الذي يختلف عن مثيله في مارس 2008 حينما انعقدت الانتخابات البرلمانية، حيث كان الشعب الإيراني يسير متثاقلا صوب مراكز الاقتراع ليصوت لأقل المرشحين سوءًا، فيما أقعد الضجر البعض عن الذهاب أصلا.
(أما هذه المرة) فقد كانت البلاد متحمسة. وكان الآلاف يخرجون في أوقات مبكرة، فيما كانت آخر أخبار الانتخابات تُنثَر في أرجاء طهران. والرجال يحتشدون حول أكشاك بيع الصحف لقراءة العناوين ومناقشة مناظرة الليلة الفائتة بين المرشحين.
وكانت النتيجة أن دخلت إيران هذه المرحلة الفارقة.

Sunday, July 19, 2009

معنى مايكل


نيوزويك، 7 يوليو 2009


امتلأت حياته بالغرائب التي لم تنفك تلاحقه حتى بعد موته.. تواترت الأنباء عن اعتناقه الإسلام العام المنصرم في احتفال خاص، لم يحضره سوى قليل من رفاقه المقربين وأحد الأئمة المسلمين الذي دُعِي إلى منزل أحدهم في لوس أنجلوس، حيث نطق مايكل جاكسون الشهادتين بمساعدته.
بعد رحيله رأت مجلة نيوزويك الأمريكية أن الطريقة المثلى لمعرفة من كان مايكل جاكسون، إنما تكون بتسليط الضوء على المعاناة التي عاشها، والتي رآها البعض الدافع الرئيسي وراء اعتناقه الإسلام، الذي وجد فيه بغيته لتحقيق السكينة الداخلية، إن صحت التقارير الصحفية التي بلغت حد التواتر في هذا السياق.
عندما انتشر خبر وفاته، أدت كثرة طلبات الولوج إلى (تويتر) إلى تعطيل هذا الموقع الإلكتروني، ولا غروَ أن فقد اختار جاكسون ـ سواء كان ذلك بشكل متعمد أم لا ـ إعادة تصوير نفسه على أنه حلم البراءة والظرف الأمريكي.لا عجب أيضا أن حنكته أصبحت مخيفة في النهاية، وأصبح وجه هذا الرمز أكثر شبها بالجثة. قُرَّاء آخر رواية لتوني موريسون بعنوان (رحمة)، قد يتذكرون فقرة تتكلم فيها امرأة أفريقية عن رؤيتها تجار الرقيق البيض لأول مرة: "هناك نرى رجالا نظنهم مرضى أو موتى. لكننا سرعان ما ندرك أنهم ليسوا كذلك. لون بشرتهم مربك". هذا وصف دقيق لمايكل جاكسون في منتصف العمر. كانت بشرة جاكسون داكنة عام 1979 لكن بحلول العام 1982كان التحول قد بدأ.
لماذا شعر إلى هذا الحد بعدم الارتياح الداخلي؟ فالعملية الميئوسة لنحت وتبييض بشرته لكي يشبه رجلا أبيض توحي بنفور عميق من لونه الأسود. لكن بشكل من الأشكال، يبدو أن المجتمع الأمريكي الأسود تغاضى عن ذلك؛ ربما لأن بعض الأمريكيين من أصل أفريقي، الذين يستخدمون مُمَلِّسات الشعر ومراهم لتبييض البشرة، فهموا لماذا كان جاكسون يغير شكله، حتى وإن كانوا لا يؤيدون ذلك.كان جاكسون يعاني مشاكل صحية منذ سنوات. ومشاكل إدمان على العقاقير أيضا على ما يبدو، ففي عام 2007، وفقا لوكالة أسوشييتد برس، رفعت عليه صيدلية في لوس أنجلوس دعوى قضائية، مدعية أنه يدين لها بـ 100.000 دولار وهو ثمن عقاقير وصفها له الأطباء طوال سنتين. ومشاكل مالية أيضا، ففي عام 2008، كادت البنوك تستولي على مزرعته؛ لأنه تخلف عن تسديد قرض بقيمة 24.5 مليون دولار. وطبعا، كان يعاني مشاكل أخرى أيضا: مشاكل وجودية، كابن ورجل أسود، في أيامه الأخيرة.

مرحبا في موسكو


ذي إيكونوميست، 4 يوليو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


أوباما في عرين الدب الروسي.. مجبرٌ على ذلك لا بطل؛ لأنها تركته الثقيلة التي ورثها من سلفه بوش، فماذا هو فاعل؟ وإلى أي مدى يمكنه النجاح؟
إطلالة على هذه الزيارة الحرجة التي يقوم بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى روسيا هذا الأسبوع، قدمتها أسبوعية ذي إيكونوميست البريطانية، من خلال موضوع غلافها الأخير الذي حمل عنوان (مرحبًا في روسيا)، مستهلة حديثها بتوضيح صعوبة هذه الرحلة رغم الأوضاع المعقدة التي يعيشها الدب الروسي حاليًا.
في المرة الأخيرة التي زار فيها أوباما روسيا، بصحبة السناتور الجمهوري ديك لوجار، تم تأخيره من قبل حرس الحدود لعدة ساعات في المطار، (كجزء من الإجراءات الاعتيادية التي يقومون بها). لكن الرئيس الأمريكي يأمل أن تكون زيارته أفضل هذه المرة.
وتعتبر روسيا أصعب التركات التي ورثها أوباما من الراحل بوش، وصعوبتها لاتنبع فقط من تزايد صعوبة التعامل معها، بل لأنها أيضًا لا يمكن تجاهلها.
على مدار السنوات العشر الماضية، أصبحت روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين أكثر قومية وفسادًا. ورغم أن اقتصادها أضحى أكبر مما كان عليه منذ عقود، فإنه يعتمد أكثر على النفط والغاز، وهي الصناعة التي يتحكم فيها مجموعة صغيرة من الجواسيس السابقين والكليبوتوقراطيين من لصوص الطبقة الحاكمة. أضف إلى ذلك انكماش تعداد السكان في روسيا بشكل ينذر بالخطر، حيث تضاعفت معدلات الوفاة مرتين أكثر من مثيلاتها في الدول المتقدمة، واشتعال نيران الصراع مجددًا في جمهوريات القوقاز الشمالي، ومعاناة قواتها المسلحة من نقص التسليح وتواضع مستوى التدريب.
ورغم ذلك كله تبقى روسيا، التي يجب على أوباما التعامل معها، قوة عالمية فاعلة، وتعتبر أكبر دولة في العالم حيث تمتد أراضيها من أوروبا حتى الصين. كما أنها أكبر منتج للغاز والنفط في العالم، ولديها مقعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وبالطبع تمتلك ترسانتها النووية الخاصة. فضلا عن ذلك كله لديها قدرة هائلة على الإيذاء أو النفع.
وبعدما شرحت المجلة وضع روسيا في عالم اليوم قوة وضعفًا، انتقلت للحديث عن سياسة الرئيس بوش في التعامل مع موسكو، مسلطة الضوء على بعض المشاكل التي وقع فيها وينبغي على أوباما تفاديها، مقدمة للأخير بعض النصائح التي قد تفيده في زيارته الهامة لعرين الدب الروسي، والتي تأمل منها موسكو أن تعيد الثقة بين البلدين وتساعد في الاتفاق على إلغاء الدرع الصاروخية.
كانت سياسة الرئيس بوش حيال روسيا مشوشة ومحيرة في نفس الوقت. فتارة ينظر في عيني الرئيس بوتين ويرى رجلا جديرًا بالثقة، وتارة أخرى يرى رجلا يبشر بالديمقراطية بينما يفشل في رفع القيود الاقتصادية لحقبة الحرب الباردة.
وربما يتمكن الرئيس أوباما، بجمعه بين الهدوء والتواضع، من مساعدة أمريكا على إبرام صفقة مع دولة كروسيا، ولا يمنع ذلك وجود الكثير من الصعوبات التي تنتظره في هذا الطريق.
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى أن يقاوم إغراء اللعب على الاختلافات المفترضة بين السيد بوتين والأكثر ليبرالية السيد ميدفيديف. فهي خلافات خيالية أكثر من كونها حقيقية.
في هذه الأثناء، ينبغي ألا يعطي التواضع فيما يتعلق ببعض أخطاء أمريكا في الماضي القادة الروس انطباعًا أن السيد أوباما سهل المنال. لذلك تعتبر الغلظة ضرورية (في هذه المواقف)، نتيجة الفجوة المتزايدة بين مصالح الشعب الروسي ومثيلاتها في أوساط النخبة الحاكمة (هؤلاء الأشخاص الذين يدفعون باتجاه العداء لأمريكا حتى وهم يرسلون أبنائهم للجامعات الغربية ويبتاعون منازل صيفية في فرنسا).
والأكثر أهمية من ذلك، يحتاج السيد أوباما إلى الحسم فيما يتعلق بطموح روسيا في السيطرة على الدول الواقعة على حدودها الغربية والجنوبية. وقد أخطأ بوش حينما حاول التسريع في إلحاق جورجيا وأوكرانيا بالناتو، سواء أكانا مستعدتين أم لا. لكن هاتين الدولتين، كغيرهما في أوروبا، لديهما كامل الحرية في اختيار أصدقائهما. وينبغي على السيد أوباما أن يوضح أنه لن يتركهما هائمتين بلا هدف، وأنه لن يسمح بأي محاولات لزعزعة استقرار حكومتيهما. وبإمكان الأوروبيين أن يساعدوا أيضًا (في هذا السياق) بتنويع مصادر النفط والغاز التي يعتمدون عليها، ما يقلل مساحة المناورة الروسية.

Wednesday, July 15, 2009

إيران ضد إيران


تايم، 29 يونيو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


لوهلةٍ ظنَّ المراقبون أن إيران على شفا مرحلة جديدة من التغيير السلمي، وأن بابًا جديدًا قد فُتِح أمام الشعب الإيراني ليُعبِّر عن رأيه بحرية تامة. لكن بعد حملة انتخابية استفرغ فيها أنصار المرشحين وُسعَهم، على اختلاف توجهاتهم، فوجيء الجميع بأن الباب قد أُغلِق، وبدأ حُلمهم يتلاشى... فلم يجدوا بدًا من الثورة على الثورة!
جو كلين، يحكي قصة الثورة التي شهدتها إيران كما عايشها طيلة عشرة أيام، وقد أفردت له مجلة تايم الأمريكية مساحة كافية لإنجاز هذه المهمة.
قُبَيل الانتخابات الإيرانية ببضعة أيام، حشد الرئيس محمود أحمدي نجاد جمعًا كبيرًا في مسجد "المُصلى"، وسط طهران. لم يكن هذا الحشد مُنظَّمًا بصورة جيدة. وكان قرابة 20,000 من مؤيدي الرئيس داخل المبنى، يتسلون بمشاهدة المسلسلات التلفزيونية والألعاب الرياضية والأناشيد الدينية. بينما كانت بضعة آلاف أخرى متواجدة في الخارج.
كان المكان مزدحمًا وحارًا، لدرجة أن البعض كان يُصاب بالإغماء. وبعد بضع ساعات، أُعلِن أن الرئيس لن يُلقي كلمته؛ لأنه عَلِق في الزحام المتواجد خارج المسجد ولم يستطع الدخول.
كانت الشوارع ممتلئة عن آخرها، وكان الزحام أشبه بتجمعات ما بعد الانتصارات الرياضية. حيث كان أنصار أحمدي نجاد يرتدون ثيابًا حُمرًا وبيضًا وخُضرًا ترمز إلى العلم الإيراني، وكان يبدوا أنهم يستمتعون بالحرية أكثر مما يستمتع بها أنصار موسوي الذين كانوا يرتدون ثياباً خُضرا (بألوان حملته ويلوحون بملصقات وأعلام وبالونات بنفس اللون). بدا الأمر وكأن أحدًا فتح بابًا فهرول إليه كل مواطني البلد. بدا لوهلة احتمالية أن يتمكن هؤلاء الشباب المعتدلون، في كلا الفريقين، من إيجاد بلد أكثر انفتاحًا.
لكن الباب سرعان ما أُغلِق مجددًا، مُحدِثًا دويًا عنيفًا...
من الممكن أن يكون أحمدي نجاد قد فاز، ومن الممكن أيضًا أن تكون الحكومة الإيرانية قد عملت بالتناغم مع توجهات القائد الأعلى للثورة آية الله على الخميني، على ألا تترك فرصة للمفاجآت.
واعترفت المجلة بأن الرئيس أحمدي نجاد ربما يكون هو المرشح الأنسب لهذا المنصب، لكنها رأت أن طريقته في الهجوم على معارضية تعدت نطاق المنافسه الانتخابية، لتضرب في أماكن حساسة كانت تُعتَبر في السابق من المحرمات. مستشهدة بتحليلاتٍ لبعض السياسيين الإيرانيين أكدوا فيها أن هذه الأجواء المتوترة إنما تصب في النهاية لغير صالح النظام الإيراني.
على الرغم من أن الحملة الانتخابية بدت في النهاية عديمة الجدوى، إلا أنها أتاحت إطلالة نادرة على الانقسامات الموجودة داخل المجتمع الإيراني، ليس فقط بين أبناء الطبقة العاملة من أنصار أحمدي نجاد، والأكثر ثراءً وتعليمًا من مؤيدي موسوي. لكنها وضعت أيضًا المنافسة الداخلية بين أعلى المستويات القيادية في الحكومة الإيرانية على مرمى ومسمع العوام للمرة الأولى في تاريخ الثورة.
صحيحٌ أن الرئيس أحمدي نجاد كان أفضل المرشحين السياسيين بلا منازع، لدرجة أن الإصلاحيَيْن موسوي وكروبي اللذين يمثلان الجيل القديم الذي أقام الثورة الإسلامية عام 1979، ذُهِلا من مستوى أحمدي نجاد الذي بدا وكأنه قد تلقى تدريبًا على يد "كارل روف" مستشار جورج دبليو بوش السياسي وصانع مجده. فقد كان يتحدث مباشرة إلى الكاميرا، ويوزع رسومًا بيانية صغيرة، كما كان يفعل مرشح الرئاسة الأمريكي "روس بيروت" أثناء حملة الانتخابات الأمريكية لعام 1992؛ ليدلل على أن الأمور ليست بالسوء الذي يعتقده الشعب. كما هاجم موسوي لتلقيه تأييدًا من قبل الرئيس السابق على أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي وصفه بالمرتشي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل هاجم زوجة موسوي السيدة "زهراء راهنافارد"، الناشطة المعروفة، متهمًا إياها بدخول الجامعة دون الخضوع لاختبار القبول. كما هاجم كروبي متهمًا إياه بتقاضي أموال من أحد المحتالين.
إلا أن الإصلاحيين، وكثير من المحافظين البارزين على حد سواء، اعتبروا هذا الهجوم معيبًا، وخارجًا عن سياق السياسات الإيرانية. وفي هذا يقول "أمير محبيان" عضو هيئة تحرير صحيفة "رسالت" المحافظة، والذي يؤيد الرئيس نجاد بتحفظ: "ربما تكون هذه الانتقادات راقت لبعض مؤيدي أحمدي نجاد، لكنها بالطبع ليست جيدة للنظام الإيراني".

هذا سوف يؤلم


ذي إيكونوميست، 27 يوليو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


أمريكا في أمس الحاجة إلى إطار أفضل لتوفير الرعاية الصحية، وإدارة أوباما مصيبة في الإلحاح على التغيير. لكن في ضوء تفجر الدين الفيدرالي، من المهم جدا وضع خطة لا تهدد كثيرا الصحة المالية للحكومة.
مجلة ذي إيكونوميست البريطانية ذَكَّرت بأن "الرئيس باراك أوباما كان قد انتُخب جزئيًا ليُصلح هذا النظام الصحي في أمريكا، وقد حان الوقت للوفاء بوعده)، مؤكدة أن "تشخيص الداء الذي يعاني منه النظام الصحي في أمريكا هو الجزء الأسهل"، أما المهمة الأصعب فتتمثل في إيجاد العلاج الأنسب له.
لمَّا كان 1 من كل 6 دولارات تُنتجها أغنى الاقتصادات العالمية تُنفَق على الرعاية الصحية، ولأن التأمين الصحي مُكلِف للغاية، يوجد 50 مليون أمريكي لا تشملهم هذه الرعاية، وهو عدد هائل في مثل هذا البلد الغني. هؤلاء قد لا يجدوا ما يعالجون به أنفسهم وقت المرض أو الإصابة. على الجانب الآخر تؤدي تكاليف الرعاية الصحة للإضرار بأمريكا، وفق صور ثلاثة:
أولا: لمَّا كان ثلث الأمريكيين –معظمهم من الأطفال والمعدمين وكبار السن وعمال القطاع العام- يحصلون على الرعاية الصحية من الحكومة، أصبح العبء ثقيلا على عاتق دافعي الضرائب، كما يؤثر ذلك على تآكل ميزانية الدولة بطريقة بطيئة لكنها مؤكدة.
ثانيًا: تمثل خطط التأمين الخاص مشكلة كبرى لأصحاب العمل، لدرجة أن الكثير من الشركات الصغيرة تضطر إلى التخلي عن ذلك.
ثالثًا: الأقساط الباهظة تؤثر سلبًا على أجور العاملين.
وتواجه كل الدول الغنية مثل هذه المشكلات، لكن لا أحد يعاني منها مثلما تعاني أمريكا. وربما يقرر النقاش الدائر هذا الصيف حول الرعاية الصحية مصير فترة أوباما الرئاسية، فمالذي ينبغي عليه فعله الآن؟
إذا كان سيبدأ من الصفر، فستكون المهمة معقدة، لكن الحال بالنسبة لأمريكا ليس بهذه الصورة.

Sunday, July 12, 2009

التململ من الثيوقراطية


نيوزويك، 30 يونيو 2009


حول تداعيات الانتخابات الإيرانية، قالت أسبوعية نيوزويك الأمريكية: إننا نشهد سقوط الثيوقراطية الإسلامية في إيران، وفشل


أيديولوجية تشكل أساس الحكومة الإيرانية. ولم تكن تعني بذلك أن النظام الإيراني على وشك السقوط، مع أن هذا قد يكون صحيحا –بل وتتمناه المجلة- لكنها توقعت أن مثل هذه الأنظمة يمكن أن تبقى قائمة مدة طويلة.
الأهم من ذلك ما قالته المجلة حول "أيدلوجية ولاية الفقيه" وكيف "مُنِيَت بضربة فتاكة الأسبوع الماضي"، بعدما كانت تمثل خطًا أحمرًا يحرم الاقتراب منه.
عندما أعلن المرشد الأعلى الحالي، آية الله علي خامنئي، أن فوز أحمدي نجاد في الانتخابات هو "حكم إلهي"، كان يستعمل السلاح الأساسي في ترسانة ولاية الفقيه، ألا وهو الموافقة الإلهية. لكن ملايين الإيرانيين لم يقتنعوا، وكانوا متأكدين من أن أصواتهم سُرِقت منهم. وسرعان ما اضطر خامنئي إلى القبول بضرورة إجراء تحقيق في الانتخابات. كما وعد مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة الدستورية العليا في إيران، بإجراء تحقيقات ولقاء المرشحين وإعادة فرز بعض الأصوات.
أدرك خامنئي أن وجود النظام على المحك لذلك يتخذ موقفا متصلبا الآن، لكن هذا لن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه. لقد أصبح واضحا أن الشرعية في إيران اليوم ليست متأتية من سلطة إلهية بل من الإرادة الشعبية. طوال ثلاثة عقود، مارس النظام الإيراني سلطته من خلال مكانته الدينية، مُقصيا الذين يتحدونه. لكن هذا لم يعد مجديا, والملالي يعرفون ذلك. بالنسبة إلى ملايين الناس، وربما معظم الإيرانيين، فإن النظام خسر شرعيته.لماذا يحدث هذا؟
لقد حصلت تظاهرات في إيران من قبل، لكنها كانت دائما تضع الشارع في مواجهة الدولة، وكان جميع رجال الدين يقفون إلى جانب الدولة. عندما كان الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في السلطة، كان ينظر في إمكانية دعم الشارع بعد حصول أعمال شغب طلابية عامي 1999 و2003، لكنه في النهاية قرر المحافظة على دعمه للنظام القائم. الشارع والدولة يتواجهان من جديد, لكن الفرق هذه المرة هو أن رجال الدين منقسمون. لقد دعم خاتمي بشكل علني المرشح المنافس مير حسين موسوي، وأيده أيضا آية الله العظمى الإصلاحي حسين علي منتظري. وحتى رئيس مجلس النواب علي لاريجاني، وهو ليس رجل دين لكن له علاقات عائلية وطيدة بأعلى مستويات الهرمية الدينية، عبر عن شكوكه بشأن الانتخابات. وفي الكواليس، يزعم أن الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني ـ وهو رئيس مجلس الخبراء، وهي هيئة دستورية مهمة أخرى ـ يشن حملة ضد أحمدي نجاد وربما أيضا ضد المرشد الأعلى. إذا شكك بعض كبار رجال الدين في "الحكم الإلهي" الذي تحدث عنه خامنئي، وجادلوا بأن مجلس صيانة الدستور مخطئ، فسوف يشكل ذلك ضربة قاضية للمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه جمهورية إيران الإسلامية. الأمر شبيه بقول قائد سوفييتي كبير عام 1980 إن كارل ماركس ليس المرشد المناسب للسياسات الاقتصادية.
قد تبقى الجمهورية الإسلامية قائمة لكنها –بحسب المجلة- ستكون مجردة من شرعيتها. كذلك بإمكان النظام أن ينتصر في هذا النزاع، ولعل هذه النتيجة في الواقع هي الأكثر ترجيحا. لكنه سيتمكن من ذلك من خلال اللجوء إلى حلول جذرية, تتمثل في حظر كل التظاهرات، واعتقال الطلاب، ومعاقبة كبار القادة، وشلّ المجتمع المدني.
وتضيف المجلة: مهما كانت النتيجة ـ القمع أو استيعاب المعارضة ـ من الواضح أن الملايين في إيران لم يعودوا مؤمنين بالأيديولوجية التي يحكم النظام على أساسها. وإذا تمسك النظام بالسلطة، فإنه سيفعل ذلك من خلال التهويل العسكري فقط، مثلما فعل الاتحاد السوفييتي في أواخر حقبة بريجنيف.
لقد شهدت الجمهورية الإسلامية انحسار شرعيتها على مر العقد الماضي. أولا أتى خاتمي، المصلح الذي حقق فوزا ساحقا في الانتخابات وبدأ بإجراء بعض الإصلاحات قبل أن يقوض عمله مجلس صيانة الدستور. هذه التجربة جعلت الملالي يقررون أن عليهم إعادة النظر في العنصر الديموقراطي الوحيد الذي سمحوا به في إيران, أي الانتخابات الحرة نوعا ما. الوسيلة التي اتبعها النظام لفرض سيطرته كانت انتقاء المرشحين المقبولين، وتأييد واحد أو اثنين منهم، والسماح بتصويت سري حقيقي. لكن في الانتخابات البرلمانية عام 2004، قرر مجلس صيانة الدستور أن الوسائل العادية لن تؤدي إلى نتائج مقبولة. فحظر ترشيح 3.000 شخص، بمن فيهم الكثير من النواب آنذاك. ولأن الدعم الشعبي كان غير مؤكد هذه المرة، اتخذ النظام خطوة إضافية، معلنا نتائج الانتخابات في غضون ساعتين وفوز أحمدي نجاد بفارق كبير يحول دون الطعن بالنتائج.
تجدُر الإشارة إلى أن الرئيس باراك أوباما صعّب إلى حد كبير على النظام الإيراني الادعاء بأنه يحارب أمريكا عدائية عازمة على مهاجمة إيران. لهذا السبب كانت ردة فعل خامنئي غاضبة جدا في معظم الخطاب الذي رد فيه على رسالة التهنئة بحلول رأس السنة الجديدة. فهي تقوض صورة الشيطان الأكبر التي غالبا ما يرسمها في خطبه.
لكن المسألة الحقيقية هنا لا تتمحور حول بضع كلمات من أوباما بل حول المجريات على الأرض في إيران. فترنح الجمهورية الإسلامية سيكون له تبعات في كل أنحاء العالم الإسلامي. مع أن إيران شيعية ومعظم العالم الإسلامي سني، فإن تسلم الخميني الحكم شكل صدمة لكل البلدان الإسلامية. وإذا انهار النظام الإيراني الآن، فسيكون المسار الذي دام 30 عاما قد انقلب.

Saturday, July 4, 2009

إيران تنهض



ذي إيكونوميست، 21 يونيو 2009
ترجمة: علاء البشبيشي

انتهت الانتخابات الإيرانية رسميًا، لكنها لم تضع بعد أوزارها شعبيًا، فلا يزال ملايين المتظاهرين يجوبون شوارع طهران في مشهدٍ ذكرت أسبوعية ذي إيكونوميست أنه لم يُرَ له مثيل منذ الثورة التي أطاحت بالشاه عام 1979. زاعمة أن قلوب من وصفتهم بـ "محبي الحرية حول العالم" ربما تتحرك في مواجهة الرئيس أحمدي نجاد "مُنكِر الهولوكوست، الذي يضع يده على السلاح النووي"، على حد قول المجلة. كما رأت ذي إيكونوميست أن الحكومة الإيرانية الحالية تواجه مصيرين لاثالث لهما: إما التراجع وإما الانهيار. بعدما حكموا البلاد بقبضةٍ حديدية طيلة ثلاثين عامًا، وجد حكام إيران أنفسهم في حالة من الفوضى. فالمرشح الرئاسي الذي من المفترض أنه حلَّ ثانيًا في الانتخابات الأخيرة، مير حسين موسوي، يتحدث عن تزوير ويدَّعي الفوز. والمؤسسة الإيرانية منقسمة، مع انضمام بعض أقطاب الثورة إلى صفوف المتظاهرين. حتى المرشد الأعلى، الذي كان من المفترض ألا ينخرط في هذا النقاش، أصبح متورطًا في هذه المشاجرة الانتخابية الحقيرة. وربما يواجه في النهاية اختبار البقاء، ليس بقائه فحسب بل بقاء الثورة برمتها. لا أحد بإمكانه رؤية كواليس المؤسسة الدينية ولا الحرس الثوري في طهران. ولا أحد يعرف النتائج الحقيقية للانتخابات الرئاسية (التي أُجريَت مؤخرًا). ولا أحد بإمكانه التنبؤ إلى متى ستستمر المظاهرات، أو إلى أي مدى هو استعداد هذا النظام لاستخدام القوة ودفع الثمن من دماء شعبه. (لكن المهم) أن شيئًا هامًا حدث في هذا البلد المحوري الواقع في أكثر مناطق العالم قابلية للاشتعال. ولما أخطأت الحكومة الإيرانية بشدة فهم شعبها، كان عليها الآن أن تقرر ما إذا كانت ستتراجع أو ستنهار. ولأن إيران في نظر المجلة البريطانية تعتبر "نقطة ارتكاز المنطقة المتأرجحة"، فإنها إن تعاملت بمسئولية مع الوضع الراهن، سينظر إليها العالم باعتبارها القوة المحلية. لكنها –بحسب الصحيفة - بعكس ذلك تتدخل في شئون جيرانها، وربما تنقِم عليهم، لذلك استحقت أن يتدخل الغرباء في شئونها الخاصة، وربما كانت هذه إشارة من المجلة إلى أن هذه المظاهرات التي تجوب شوارع طهران وراءها من يحركها من الخارج. ماحدث لم يكن مفاجئًا؛ فإيران كانت ضحية التدخل الخارجي، بعد أن وقعت بين مطرقة وسندان الدول الاستعمارية المتنافسة (روسيا- تركيا- بريطانيا- وأمريكا) لأكثر من قرن. فمرة يستولي الغرب على نفط إيران، وأخرى تتعرض لهجوم من قِبل جيش عربي يقوده الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، يخلف مليون قتيل. لقد وصل جنون الارتياب الفارسي لحد لم يعد يمكن تفهمه، فإيران ترى عدوها الرئيسي/أمريكا يطوقها بقواته المسلحة تطويق السوار بالمعصم. فيما يتشارك الشعب الإيراني كله، حتى المدنيين، ذلك الحماس الذي يشعر به قادته تجاه الحصول على تكنولوجيا نووية أقسموا أنها لن تُستَخدم إلا لأغراض سلمية، واعتبرها الكثيرون مجرد مقدمة لامتلاك قنبلة لن ترحم أحدًا. هذا الحماس يمثل لهؤلاء حقًا وطنيًا في مواجهة عالم عدواني. لكن هذا التهديد الخارجي (وإن برَّرَ هذا الحماس تجاه التكنولوجيا النووية) لايبرر التلاعب بنتائج الانتخابات. إيران ليست دولة ديمقراطية، لكنها نظام يضم سلطة دينية غير منتخبة، يتبعها رئيس واحد منتخب، بهدف منح الشعب فرصة للتنفيس عن نفسه من وقت لآخر وفق أُطُرٍ انتخابية صارمة. واليوم يوجد لدى الشعب ما يريد التنفيس عنه. فالشباب يشعرون بالملل ويريدون التمرد ويعانون من البطالة، والمحلات التجارية بلغ سيلها الزُبى جراء التخبط الاقتصادي الذي تغرق فيه البلاد. وبالنسبة لهذه الانتخابات، كانت الخيارات قليلة للغاية. فقد سمح المرشد الأعلى لأربعة مرشحين فقط- من أصل 400 تقدموا بأوراقهم- بخوض هذه الانتخابات، ومواجهة الناخب الإيراني على افتراض أن المرشح الأكثر تقيدًا بمبادئ الجمهورية الإيرانية هو الذي سينجح. لكن على النقيض من ذلك، توحَّدت هذه المجموعات الإيرانية المُحبَطة خلف المتحدي الرئيس، مير حسين موسوي، وقد أدى التلاعب بهذه الأصوات إلى تظاهرات عارمة ضد النظام نفسه. ومع تعهد المرشحين الأربعة بالمحافظة على أسس الحكومة الدينية القائمة في البلاد، يتضح أن أداء الحكومة فيما يتعلق بالشأن الانتخابي كان أحمقًا بقدر ماكان مؤذيًا. قبل سقوط الشاه استمرت المظاهرات لشهور، وقد قد قرر المتظاهرون الإيرانيون اليوم الدفع باتجاه أبعد. لكن ذلك سيتوقف على مقدار الانقسام داخل المؤسسة الحاكمة وقُدرة الشعب الغاضب على التحمل. وهكذا يواجه أئمة إيران معضلة تستعصي على الحل.. والنتيجة الطبيعية لمنح فرصة للتنفيس في بلد يفتقد لأدنى درجات الحرية، ربما يدفع بالمتظاهرين إلى أن يُطيحوا بالحكومة، وفي المقابل يجبر النظام على استخدام القوة ما يجعل البلاد تتحوَّل إلى مجرد دولة مستبدة رخيصة الثمن.

لماذا تريد بريطانيا أن يرحل براون؟


تايم، 23 يونيو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


ظنَّ المراقبون أن "جورودن براون" أضحى قاب قوسين أو أدنى من التنحي عن منصب رئيس الوزراء البريطاني، وفتح الطريق أمام رئيس آخر لحزب العمال الحاكم، لكنه نجا في اللحظة الأخيرة من آخر محاولة لإجباره على الاستقالة، بعدما دعمه معظم أعضاء البرلمان من حزب العمال الحاكم في اجتماع خاص عُقِد في مجلس العموم البريطاني.
لكن لماذا تريد بريطانيا أصلا أن يرحل براون؟ أسبوعية تايم الأمريكية حاولت الإجابة عن هذا السؤال.
اجتماع الثامن من يونيو الماضي الذي كان مقررًا أن يحدد مصير رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون جذب العديد من برلمانيي حزب العمل، وسرعان ما امتلأت الحجرة الخاصة بأعضاء لجنة مجلسي اللوردات والعموم عن آخرها. وبمجرد أن فُتِحت الأبواب هرع الجميع إلى الرواق، الذي كان هو الآخر مكتظًا بالصحافيين، ليشهدوا النطق بالحكم.
وبعد هذه الضجة الإعلامية والتكهنات حول مصير براون، حدث للحكم هبوط مفاجيء. فقد استطاع رئيس الوزراء التغلب على الثوار القليلين الذين تجرأوا على تقديم اقتراح بتنحيته.
قبلها بأربعة أيام، سَلَّم "جيمس بورنيل"، أحد ألمع نجوم الحزب، رسالة لبراون، قال فيها: "أؤمن الآن أن قيادتك المستمرة تصب في صالح نصر المحافظين وليس العكس".
كان "بورنيل" يشير إلى الانتخابات البرلمانية القادمة، لكن نتائج الاستطلاعات المحلية والأوروبية التي أُجريَت الأسبوع الماضي أوضحت جغرافيًا المخاوف التي دفعت بورنيل إلى إطلاق مهمته الانتحارية. إنه الدعم النازف للناخبين الأغنياء وسط انجلترا من ذوي الأصوات الضرورية لتأمين أغلبية برلمانية، والذين أثمر التودد إليهم في تسعينيات القرن الفائت.
(صحيح أن) البريطانيين غِضَاب، لكن غضبهم من النوع الذي يحترق ببطء. وقد واجهت كل الأحزاب الرئيسية حقدًا أثناء حملتهم لانتخابات الأسبوع الماضي، لكن حزب العمل، باعتباره حزب الحكومة، كان ولا بد أن يتحمل القدر الأكبر من المسئولية.

البيان الرأسمالي


نيوزويك، 23 يونيو 2009


(ثمة شبح يلازم العالم, ألا وهو عودة الرأسمالية)...هكذا استهل فريد زكريا موضوع الغلاف الأخير لأسبوعية نيوزويك، تمهيدًا للحديث عن صحوة يراها بدأت تدب في أوصال هذه النظرية المالية التي اعتبرها الكثيرون قد قضت نحبها، قائلا: "إن الرأسمالية الأمريكية تشهد إعادة توازن وإعادة تنظيم وبالتالي إعادة إحياء. ولكي يؤدي ذلك إلى نهوض فعلي، وليس فقط إلى فترة استراحة وجيزة؛ سيتوجب على الرأسمالية الأمريكية في خضم ذلك أن تواجه مشاكل لطالما تم تجاهلها".
على مرّ الأشهر الستة الماضية، كان السياسيون ورجال الأعمال والخبراء مقتنعين بأننا في وسط أزمة رأسمالية سيتطلب تخطيها تغييرات كبيرة وسنوات طويلة من الألم، وبأن شيئا لن يعود إلى سابق عهده. فقد كتب عميد المعلقين الماليين "مارتن وولف" في صحيفة فايننشال تايمز: لقد سقط إله أيديولوجي آخر. وقال الرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك "جيفري إيميلت" إن الشركات ستُغيِّر بشكل جذري طريقة عملها. كما أن قال وزير الخزانة "تيموثي غايتنر": الرأسمالية ستصبح مختلفة.ما من نظام اقتصادي يبقى على حاله بالطبع، لاسيما بعد حدوث انهيار مالي حاد وركود عالمي واسع النطاق. لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، وعلى الرغم من أن الخطة التحفيزية كانت منقوصة، ومن أننا لم نؤمم أي بنوك ولم نشهد تغييرا جذريا للرأسمالية، يبدو أن حدة الهلع بدأت تخف. لعل هذا وَهْم, أو قد تكون الإجراءات التي اتخذتها الدول في أنحاء العالم، لاسيما الحكومة الأمريكية، أعادت الأمور إلى طبيعتها. لكل خبير انتقاداته تجاه سياسات معينة، لكن مع مرور الوقت، قد نرى أن معظم الحكومات اختارت الإفراط في ردة فعلها عندما كان أمامها خياران: إما إبداء ردة فعل ضعيفة أو الإفراط في ردة فعلها. هذا الخيار قد يؤدي إلى مشاكل جديدة في المستقبل، لكن يبدو أنه حال دون حصول انهيار شامل.لايزال الطريق طويلا. وسيحصل الكثير من الإفلاسات الأخرى. وسيتوجب على البنوك أن تتجاوز مشاكلها ببطء أو أن تنهار. وسوف يدخر المستهلكون المزيد من الأموال قبل أن يبدأوا بالإنفاق من جديد. وسيتوجب الحد من الديون الهائلة.
الكثير من الخبراء مقتنعون بأن الوضع لا يمكن أن يتحسن بعد لأنه لم يتم اعتماد الحلول الشاملة التي تقدموا بها لحل المشكلة. معظمنا يريد فرض عقاب أكثر قساوة، لاسيما على المصرفيين الأمريكيين. ففي أعماقنا، لدينا جميعا اعتقاد متزمت بأنهم إذا لم يشعروا بمقدار كبير من الألم، لن يتوبوا حقا. في الواقع، كان الشعور بالألم كبيرا، لاسيما في القطاع المالي، حيث خسر عشرات الآلاف، في جميع المستويات، وظائفهم. لكن الأسواق لا تكترث للأخلاقيات. إنها أنظمة ضخمة ومعقدة، وإن استقرت الأمور بما يكفي، ستمضي قدما.
وعلى الرغم من غرابة الأمر، توقع زكريا أنه بعد بضع سنوات، قد نجد أننا جميعًا متعطشون للمزيد من الرأسمالية وليس العكس؛ فالأزمات الاقتصادية تبطئ النمو، وعندما تكون البلدان بحاجة إلى النمو، تلجأ إلى الأسواق. مستشهدًا بأزمتي العملات في المكسيك وشرق آسيا ـ اللتين كانتا مؤلمتين في تلك البلدان أكثر بكثير من التباطؤ الحالي في أمريكا ـ ورغم ذلك شهدتا تسارعا في وتيرة الإصلاحات في السوق.
في السنوات المقبلة، إن بقي المستهلك الأمريكي مترددا في الإنفاق، وإن رزحت الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات تحت وطأة ديونها الكبيرة، وإن بقيت الشركات التي تملكها الحكومة تشكل أعباء مُكلِفة، عندئذ ستصبح الحركة في القطاع الخاص المسار الوحيد نحو استحداث الوظائف. الحقيقة هي أنه على الرغم من كل عيوب الرأسمالية، فهي لاتزال المحرك الاقتصادي الأكثر إنتاجية الذي اخترعناه. ومثلما قال تشرتشل عن الديموقراطية، فإن الرأسمالية هي أسوأ الأنظمة الاقتصادية، باستثناء كل الأنظمة الأخرى.
أفضل دفاع عنها اليوم أتى من الطرف الآخر من العالم، حيث تمكنت بلدان مثل الصين والهند من النمو وانتشال مئات ملايين الناس من الفقر من خلال دعمها للأسواق والتجارة الحرة.
لقد كتب القطب البريطاني "مارتن سوريل" حديثا: الرأسمالية أخفقت، أو بشكل أدق، الرأسماليون هم الذين أخفقوا. لكن هذا غير صحيح في الحقيقة. فالقطاع المالي هو الذي أخفق، أو بشكل أدق، الخبراء الماليون.
نحن في وسط أزمة كبيرة، واللائمة تقع على الجميع ويجب إصلاح الكثير من الأمور، بدءا من النظام الدولي وصولا إلى الحكومات الوطنية والشركات الخاصة. لكن في الصميم، هناك حاجة إلى إصلاح أعمق في داخلنا، وإلى تحكيم الضمير بكل بساطة. إن لم يبد الأمر صائبا، علينا ألا نفعله. هذا لن يعيد النمو أو يُصلِح العولمة أو ينقذ الرأسمالية، لكنه قد يكون خطوة صغيرة للتوصل إلى نظام سليم.

وضعت الحرب أوزارها


فرانت لاين، 6-19 يونيو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


تحت عنوان (وضعت الحرب أوزراها) تحدثت مجلة فرانت لاين الهندية عن المشهد السريلانكي بعد إعلان الحكومة هزيمة "حركة نمور تحرير تاميل إيلام" وقتل زعيمها "فيلوبيلالي براباكاران"، وطيّ صفحة من الصراع استمرت منذ العام 1983، بين النمور وحكومة كولومبو بهدف الاستقلال الذاتي في إيلام التاميلية، و هي المناطق التي تقطنها عرقية التاميل شمالي وشرقي الجزيرة التي تحكمها غالبية من عرقية السنهاليين.
للمرة الأولى منذ 30 عامًا، يمكن للحكومة السريلانكية أن تُعلِن بفخر فرض سيطرتها على كامل ترابها، بعدما تم اجتثاث حركة نمور تحرير تاميل إيلام، التي حاربت من أجل الانفصال، جسديًا. وبينما يحتفل الآن أبناء الشعب الآري المنحدر من شمال الهند و الذين يشكلون غالبية السكان في البلاد، يغرق التاميل، وجزء من الأقليات الأخرى في سريلانكا، مثل المسلمين، في حالة حداد غير معلن. وذلك ليس بسبب وجود تعاطف بين هذه الطوائف والنمور، لكن بسبب مخاوف يحركها أشباح الماضي مثل مذبحة عام 1983.
إن الانفعال الذي أُطلِق من عقاله مع الإعلان عن نهاية الحرب مع نمور التاميل ومقتل زعيمهم فيلوبيلاي برابهاركران، يزداد ثورانًا بمرور الوقت. ورغم اعتراف مصادر من داخل حركة النمور بوفاة برابهاركران، لا تزال طائفة من التاميل ينكرون ذلك.
والسؤال الذي غالبًا ما يُطرح في هذه الأوقات هو: كيف نجحت حكومة راجاباسكا في الإجهاز على نمور التاميل عسكريًا؟
في أغسطس 2006 قرر "راجاباسكا" شن حملة عسكرية مصيرية ضد نمور التاميل. وقد أعطت الحركة الحكومة الذريعة المثلى التي كانت تريدها بشدة لشن هذا الهجوم حينما أغلق أعضاؤها بوابات "مافيل آرو" في مقاطعة "ترينكومالي" شرقي البلاد، ومنعوا المياه عن أكثر من 30 ألفًا من المدنيين.
وبعدما أوضحت المجلة المشهد النفسي في سريلانكا بعد سقوط النمور، والذي تأرجح بين الفرحة العارمة والحزن الحذر، انتقلت للحديث عن المشهد الاجتماعي، لا سيما في صفوف التاميل والأقليات الأخرى، والذي لايزال هو المنعطف الأخطر في هذه الحرب.
كما تحدثت عن التحديات الكبرى التي تواجه الرئيس السيرلانكي "ماهيندا راجاباسكا"، خاصة ما يتعلق بالمواطنين الذين حولتهم الحرب إلى لا جئين في الوطن، لا يجدون مأوى إلا بعض الخيام التي وفرتها لهم الحكومة بصورة مؤقتة.
يواجه الرئيس السيرلانكي "ماهيندا راجاباسكا" تحدياتٍ ضخمة لا يُحسَد عليها. أولها وأهمها هو ضرورة إنشاء حد أدنى من البنى التحتية الأساسية لمواجهة احتياجات السكان النازحين الذين شردتهم الحرب، ويسكنون حاليًا 29 مخيمًا أعدتها لهم الحكومة في مقاطعتي فافونيا و جافنا (في الشمال)، و مقاطعة مانار (في الشمال الشرقي). وعلى النظام السريلانكي الآن العمل وفق خطة قابلة للتطبيق لإسكان هؤلاء المشردين في بلدانهم الأصلية. ولإنجاز هذه المهمة الضخمة ستكون سريلانكا بحاجة إلى كل مساعدة يمكن حشدها.
وسيكون خطئًا جسيمًا أن يُنظَر إلى الفوز العسكري على حركة نمور تحرير تاميل إيلام باعتباره إجهازًا على سبب ولادة الحركة، والذي يتمثل في طموح التاميل والأقليات الأخرى في الدولة، وشكواهم الواقعية التي لا تفتأ تصرخ. وهذا يوضح الحالة النفسية النكدة والكئيبة التي يعيشها التاميل والأقليات الأخرى. والحقيقة أن قليلا من التاميل -الذين يبلغ عددهم في سريلانكا 3 ملايين، ويزيد عددهم بمليون تقريبًا في الشتات - يؤمنون بحكومة كولومبو.

الدين العام: أضخم فاتورة في التاريخ


ذي إيكونوميست، 13 يونيو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


تحت عنوان (الدين العام: أضخم فاتورة في التاريخ)، تحدثت أسبوعية ذي إيكونوميست في موضوع غلافها الأخير حول تأثير الأزمة العالمية على اقتصاديات الدول الغنية والارتفاع الواضح في الدين العام لعدد كبير منها نتيجة زيادة حجم الإنفاق الحكومي بصورة كبيرة في الدول التي تحاول انتشال اقتصادياتها من الأزمة. كما تطرقت المجلة البريطانية إلى الطرق الصحيحة والخاطئة للتعامل مع الفوضى المالية التي أفقدت العالم صوابه وجعلته في حالة خوف وترقب.
ربما تكون أسوأ عاصفة اقتصادية عالمية منذ ثلاثينيات القرن الفائت بدأت تنجلي، لكن سحابة أخرى بدأت بالفعل تلوح في الأفق المالي: (تتمثل في) الدين العام. وعلى صعيد الدول الغنية تقترض الحكومات بصورة هائلة بعدما خفَّض الركود عائدات الضرائب ورفع سقف الإنفاق على كفالات الإنقاذ المالية، وخطط التحفيز.
وتشير إحصائيات جديدة صادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن الدين العام للدول العشر الغنية في العالم سترتفع من 78% من قيمة إجمالي الدخل القومي عام 2007 إلى 114% بحلول العام 2014. وبهذا تكون هذه الحكومات مدينة بقرابة 50 ألف دولار عن كل فرد من مواطنيها.
ومن المتوقع ألا تكون موجة الديون الراهنة مؤقتة، بعكس مثيلتها إبان الحرب العالمية الثانية. وحتى بعد انتهاء مرحلة الركود ستكون الكثير من الدول الغنية ليس لديها ميزانية تكفي لوقف ارتفاع سقف مديونيتها أكثر. الأسوأ من ذلك أن نوبة الاقتراض الحالية تأتي قُبَيل إفلاس بطئ في الميزانيات سببه الإنفاق على رواتب المتقاعدين والرعاية الصحية للمسنين. أضف إلى ذلك أن ثلث سكان الدول الغنية سيتعدون سن الستين بحلول عام 2050. ومن المتوقع أن ترتفع الفاتورة الديمغرافية 10 مرات أكثر من تكلفة الأزمة المالية.
وتسائلت المجلة: هل إلى خروجٍ من سبيل؟! مؤكدة أن الوضع الراهن حرج للغاية، والوسائل المتبعة حاليًا لا تزيد الموقف إلا سوءًا، والأسوأ من ذلك أنه لا توجد وسائل أخرى بديلة، على الأقل الآن.
لكنها حذرت في الوقت ذاته من التسرع في اتخاذ قرارات غير مدروسة باتجاه سياسات الصرامة المالية، فور أن تضع الحرب أوزارها، مطالبة بالتأني والروية حتى لا تأتي النتائج عكس التوقعات.
هذا المنحنى الخطير يضع صانعي السياسات في وضع حرج. وإن كان الاقتراض الحكومي على المدى القصير يمثل المصل المضاد لسم الهبوط؛ فبدون كفالات الإنقاذ المالية سيصبح الانهيار المالي أكثر كارثية، وبدون التحفيز سيصبح الركود العالمي أعمق تأثيرًا وأطول مدى. لكن على المدى الطويل فإن النظام المالي الحالي غير قابل للاستمرار، وعطش الحكومات للأموال سيعمل في النهاية على حشد الاستثمارات الخاصة وتقليل النمو الاقتصادي. الأكثر إيذانًا بالخطر هو أن معدلات الدين القادم ستغري الحكومات ولا شك لتقليل الكلفة الحقيقية لديونهم عبر معدلات التضخم المرتفعة.
وستتسبب هذه المخاوف، سواء وُجدت لها مبررات أم لم توجد، في إلحاق خسارة (بالمشهد الاقتصادي العالمي). وستكون عملية إنعاش الاقتصاد العالمي قد وُلِدت ميتة إذا ما ارتفعت معدلات الفائدة بسرعة وقوة. وقد تكون سياسات العلاج الراهنة غير ناجعة إلى حد كبير. وربما يثمر طباعة المزيد من الأموال لشراء الديون الحكومية، على سبيل المثال، مزيدًا من القروض طويلة الأجل وليس العكس.
فمالذي ينبغي على صناع السياسات فعله إذا؟
التحول فجأة إلى سياسة الصرامة المالية سيكون تصرفًا خاطئًا، ذلك أنه حتى بعدما يتوقف الاقتصاد عن الانكماش، سيبقون ضعفاء. وتجربة اليابان في عام 1997، حينما أدخل ارتفاع ضرائب الاستهلاك الاقتصاد في مرحلة من الركود، لهي تذكرة بأن العجلة باتجاه سياسة التضييق المالي تؤدي إلى عكس المطلوب، لا سيما بعد إفلاس القطاع المصرفي. وبدلا من جلد عجزهم المالي الآن، تحتاج حكومات الدول الغنية إلى أن تتعهد بصدق بأنها ستقوم بذلك فور استعادة الاقتصاد نشاطه.

خطة سينغ الجريئة


نيوزويك، 16 يونيو 2009


في الجزء الأكبر من الأعوام الـ15 الماضية، كانت السياسة الهندية فوضوية جدا إلى درجة أن رئيس الوزراء كان يمضي الجزء الأكبر من أيامه الـ100 الأولى في الحكم في التركيز على هدف واحد: الاحتفاظ بالسلطة. مجلة نيوزويك الأمريكية رأت أن الانتصار الحاسم والمفاجئ الذي حققه "مانموهان سينغ" في الانتخابات الشهر الماضي ـ إلى جانب الأزمة الاقتصادية العالمية ـ جعله فجأة أمام جدول مواعيد شبيه بجدول الرئيس الأمريكي، عنوانه الرئيسي: لديك 100 يوم، فابدأ سريعا العمل
اعتقد المصرفيون وكُتَّاب الأعمدة ومجموعات اللوبي ومراكز الأبحاث والدراسات أن شبه الغالبية التي حصل عليها حزب المؤتمر في البرلمان سوف تُطلِق يد "سينغ" للتخلص من البيروقراطية وتحفيز النمو، فأمضوا وقتهم منذ إعلان نتائج الاقتراع في 16 مايو في تعداد سيل من الأمور التي ينبغي على رئيس الوزراء القيام بها. لكن على الأرجح صدرت الأجندة الأكثر جرأة وابتكارا عن سينغ نفسه. فخطة الـ100 يوم التي وضعها خلال الحملة الانتخابية - عندما لم يكن أحد يؤمن به كثيرا- حافلة بإجراءات جوهرية ومحددة تبدأ من بيع حصصٍ في الشركات المملوكة من الدولة مرورا بإعادة هيكلة القوانين المتعلقة بالشراكات بين القطاعين العام والخاص والتخلص من زحمة السير التي أدت إلى تأخير مشاريع طرقات بقيمة تبلغ نحو 15 مليار دولار وصولا إلى إقرار قانون جديد للأمن الغذائي
ليس الجميع راضيا عن خططه. فعلى الرغم من أن رئيس الوزراء يُعرَف بأنه مهندس الانفتاح الاقتصادي للهند عام 1991، فإنه يفكر في أمور أخرى الآن. لقد عقد العزم على إصلاح الهند أو إحداث تحول فيها لكن ليس وفقا للوصفة التي يضعها أرباب المال الدوليون أو المديرون العامون. بدلا من ذلك، وانطلاقا من الشعار المختزل "النمو الشامل"، يسعى إلى شق مسار جديد قد يوفر في حال نجاحه خريطة طريق للبلدان النامية في مختلف أنحاء العالم
ويرتكز الهدف الذي يرمي إلى تحقيقه على إجراءات قد لا يعتبرها البعض إصلاحات على الإطلاق. وتأتي في طليعتها الخطة الوطنية لضمان التوظيف في الأرياف وقانون الحق في الحصول على المعلومات
في بلد حيث تُصنَّف النفايات الموضوعة في سلة مهملات حكومية في خانة المعلومات السرية في أكثر الأحيان، يشكل قانون الحق في الحصول على المعلومات إنجازا ثوريا مهما. بموجب هذا القانون، يستطيع الأشخاص العاديون أن يلقوا لأول مرة نظرة على الدفاتر التجارية في متاجر المؤونة المحلية مثلا أو على الدوائر الحكومية ويروا ما الذي يقتطعه المسؤولون الفاسدون لمنفعتهم الخاصة أو يحولوه لمستفيدين وهميين أو يسرقوه بكل بساطة. وبما أن القانون يفرض توافر المعلومات في غضون 30 يوما وإلا يواجه المسؤول المعني عقوبة فورية، يحقق فاضحو الفساد نتائج من القضايا المندرجة في إطار قانون الحق في الحصول على المعلومات بصورة أسرع بكثير من تلك التي يمكن أن يحصلوا عليها من النظام القانوني التقدمي شديد البطء في الهند
وتضيف المجلة: لا يعني هـذا أن أجندة الـ100 يـوم التي وضعها رئيس الوزراء موجهة فقط إلى الفقراء والمعدمين؛ فهي تتضمن أيضا إجراءات مثيرة للجدل ينادي بها المصرفيون منذ وقت طويل مثل بيع الشركات المملوكة للدولة
ثم تتطرق المجلة للانتقادات الذي تعرض لها رئيس الوزراء المتواضع، والتي انتقصت من قدره خلال الحملة الانتخابية واصفة إياه بأنه "القائد الأضعف في تاريخ الهند". لكن الرجل حوّل نقاط ضعفه الظاهرية كرجل سياسي ـ والمتمثلة في افتقاره إلى المهارات الخطابية وعجزه عن حبك المكائد ـ إلى نقاط قوة
يملك رئيس الوزراء سلاحا كبيرًا آخر يساعده في حملته الحالية: يعرف عما يتكلم. فخبير الاقتصاد الذي تلقى تحصيله العلمي في جامعة أكسفورد، عمل حاكما للبنك المركزي الهندي ورئيسا للجنة التخطيط فيه ووزيرا للمال، وهذه سيرة مهنية فريدة من نوعها تجعل منه قائدا عالميا وذا فعالية كبيرة خلال الأزمة الحالية. وفي هذا يقول وزير النقل "كمال ناث"، الذي كان وزيرا للتجارة ومسؤولا عن مفاوضات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية خلال ولاية سينغ الأولى: "على الآخرين أن يعتمدوا إلى حد كبير على تزويدهم بالمعلومات والتقارير، وعليهم أن يحاولوا أن يفهموا. أما هو فيزود الآخرين بالمعلومات. إنه يفهم الموضوع أكثر من أي قائد عالمي موجود الآن". لكن بموازاة الأهمية التي ترتديها الخصال التي يتمتع بها سينغ، هناك أيضا درجة الدعم التي يحظى بها حاليا من سونيا غاندي وابنها راؤول، وريث السلالة الصاعد. ليس سينغ الآن رئيس وزراء الهند بقدر ما هو قائد الترويكا الأولى فيها. غير أن التقسيم الواضح للمسؤوليات يجعله أكثر لا أقل نفوذا. ويكمن التحدي الكبير المطروح على الترويكا الآن في أن تكون على قدر التوقعات. إنهم يواجهون نظاما سياسيا متراخيا هو من مخلفات الذهنية الاستعمارية، وعليهم أن يتصدوا لثقافة من التعويقية البيروقراطية ظلت عصية على الكثير من الأشخاص الذين سعوا سابقا إلى تحقيق الإصلاح. ولا شك في أن المصالح المتجذرة داخل حزب المؤتمر نفسه سوف تسعى إلى عرقلة برامج سينغ وجهود آل غاندي الرامية إلى جعل الحزب أكثر ديموقراطية والسماح لوجوه جديدة بالظهور إلى الواجهة. لكن سينغ الذي تعززت قبضته أخيرا على مقاليد الحكومة، يعرف أن مهلة الـ100 يوم ظاهرية فحسب بهدف إشعال النار تحت أقدام مرؤوسيه. فأمامه خمس سنوات كاملة كي يعمل فيها. غير أن هذا لا يمنع أن الرهانات هي في أعلى مستوى لها. إنها أكثر من مجرد الفرصة الكبرى لحزب المؤتمر، إنها فرصة الهند الكبرى. وإذا لم تُستثمَر كما يجب، فسوف يكون ذلك مكلفا للحزب والبلاد، ولمواطنيها على وجه الخصوص

كيف سيغير "تويتر" طريقة عيشنا


تايم، 15 يونيو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


لم تخصص مجلة تايم الأمريكية موضوع غلافها الأخير للحديث عن خطاب أوباما الذي وصفوه بـ"التاريخي" من قلب القاهرة إلى العالم الإسلامي، لكنها تحدثت عن موقع تويتر للشبكات الاجتماعية، الذي قالت إن بإمكانه تغيير طريقة عيشنا خلال السنوات القليلة القادمة.
وقد بدا المقال أشبه ما يكون بإعلان ترويجي مدفوع الثمن، ورغم ذلك فقد حمل بين طياته بعض المعلومات التي ربما تفيد البعض عن هذا العالم الجديد.
الشيء الوحيد الذي يمكنك قوله عن "تويتر" وأنت متأكد هو: أنه يمنح انطباعًا أوليًا رهيبًا. بالطبع سمعتَ بشأن هذه الخدمة الجديدة التي تمكنك من إرسال تحديثٍ مكون من 140 كلمة لأصدقائك، لكنك ستتساءل: لماذا يحتاج العالم إلى مثل هذه التقنية بالتحديد؟ وقد كنتُ شخصيًا متشككًا في بادئ الأمر.
(لكن تبين أن) إقحام توتير في الحديث بشكل أساسي يغير قواعد التواصل؛ ذلك أنه يضيف طبقة جديدة من النقاش ويجلب مشاهدين أكثر لما قد يكون حديثًا خاصًا. وهذا يعطي للحدث عمرًا آخر على الشبكة العنكبوتية يمتد حتى بعد وفاة صاحبه.
صحيح أن الموقع مصصم بحيث ينقل رسائل في حدود مائة وأربعون كلمة، إلا أن إجمالي هذه الرسائل تمثل شيئًا حقيقيًا، يشبه في النهاية جسرًا من الحصى.

إيجاد الدعم


إن فوكَس نيوز، 5 يونيو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


حينما ينتقل المرء من منزل لآخر، يشعر بعزلة نفسية مؤقتة حتى يتعرف على جيرانه الجدد، فما بالكم إذا كان الأمر متعلقًا بشخص غيَّر دينه وتحوَّل من المسيحية إلى الإسلام في بلد غربي لا يدين معظم سكانه بهذا المعتقد؟
مجلة إن فوكَس نيوز تطرقت لهذا التحدي الذي يواجه المسلمين الجدد، وكيف يمكنهم مواجهته، وما هو الواجب الملقى على عاتق المسلمين القدامى في هذه الحالة تجاه إخوانهم.
أحد أكبر التحديات التي تواجه المسلمين الجدد هو إيجاد مكان داخل المجتمع المسلم (يشعرون أنهم) ينتمون إليه. وهذه قد تكون تجربة مؤلمة، خاصة لأن معظم المسلمين الجدد ربما لا يكونون يعرفون الكثير بشأن دينهم الجديد أو الوجهة التي يقصدونها للاسترشاد.
أحد هؤلاء تُدعى "نور إليزابيث" أحد مواطني سان فرانسيسكو، لا زالت حتى الآن تبحث عن مكان (تشعر أنها تنتمي إليه) داخل المجتمع الإسلامي. وهي تقول: "لقد اعتنقتُ الإسلام عام 2008، وهناك الكثير مما لم أعرفه بعد عن الإسلام. على سبيل المثال، لازلتُ أحاول تعلُّم كيفية الصلاة. وليس لدي من يعلمني ذلك، بالإضافة إلى كوني وحيدة الأمر الذي يجعلني أشعر بالعزلة. وليس بالأمر الهين أن يضطهدني كل من حولي ويُطلِقون الأحكام بحقي لمجرد أنني اعتنقتُ الإسلام".
وقد أثبتت التجربة في حالة السيدة إليزابيث أن إيجاد مسلمين آخرين في المجتمع التي تعيش فيه هو أمر في غاية الصعوبة.
وفي الوقت الذي لم تجد فيه السيدة إليزابيث فرصة للتواصل مع المسلمين في المجتمع التي تعيش فيه، عثرت على بغيتها عبر شبكة الانترنت حيث ساعدها مسلمون آخرون في تعلم مبادئ الإسلام، وتوفير دعم افتراضي ملأ الفجوة التي كانت موجودة في عالمها الواقعي. وبفضل الانترنت نجحت في التواصل مع الجالية المسلمة حيث تعيش في سان فراسيسكو .
ويرى سهيل عبد الله أحد مسئولي الجالية المسلمين في هذه المنطقة أن هناك العديد من الأسباب التي تعوق اندماج المسلمين الجدد بإخوانهم القدامى، قائلا: "السبب الرئيسي وراء ذلك يكمن في اختلاف الثقافات والفهم للإسلام، وهنا أمل في الجيل القادم من المسلمين في بعض المناطق التي يتشاركون فيها الثقافة الأمريكية بشكل أكبر، وهو ما سيوحدهم".
كما ويخشى بعض المسلمين الجدد ألا يتمكنوا من الاندماج وسط المجتمع المسلم بسبب معلوماتهم المتواضعة حول الإسلام. والأمر بالنسبة للبعض يكون أشبه بطفل يرتاد المدرسة ويعيش تحت ميكروسكوب حيث يراقبه الجميع. وقد يكون الخجل في بعض الأحيان هو الحاجز الذي يمنع مثل هذا التواصل. فالأشخاص الانطوائيون غالبا ما ينغلقون على أنفسهم بعيدا عن المجتمع، وبذلك يصعب عليهم تكوين روابط مستقرة، وتصبع عملية انتقالهم إلى المجتمع المسلم أمر في غاية الصعوبة.
وليس من الإنصاف والحال كذا أن تلقي باللوم على أي من الفريقين، بينما هي مسئولية كافة المسلمين أن يتقبلوا إخوانهم الجدد، لاسيما وأنهم ينتظرون ذلك.

أزمة اليسار



نيوزويك، 9 يونيو 2009

قد تمثل هذه اللحظة فرصة الكبيرة لصعود اليسار في أوروبا؛ فالرأسمالية في أزمة، والنمو يشهد حالة انهيار، والبطالة في ارتفاع، والدولة عادت إلى الأعمال والتجارة من جديد، ولعل هذا هو الوقت المناسب لكي يدفع اليسار نحو بديل متماسك لرؤية اليمين القائمة على السوق الحرة للعالم.
رؤية (حالمة) لكنها (غير واقعية) استهلت بها مجلة نيوزويك موضوع غلافها الأخير الذي كتبه عضو البرلمان البريطاني والوزير السابق للشؤون الأوروبية في الحكومة البريطانية "دنيس ماكشين"، سنعرف تفاصيلها في هذه السطور.
الأحزاب اليسارية الكلاسيكية في القرن العشرين ـ الديموقراطيون الاشتراكيون في شمال أوروبا والاشتراكيون في حوض البحر الأبيض المتوسط وحزب العمال في بريطانيا ـ تمر بفترة عصيبة، و20 من الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي لديها حكومات يترأسها قياديون يمينيون. ومن بين هؤلاء نيكولا ساركوزي في فرنسا وسيلفيو بيرلسكوني في إيطاليا وأنجيلا ميركل في ألمانيا. ومن الدول الأربع الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، ليس هناك سوى رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون المنتمي إلى اليسار، وهو لايزال في السلطة حتى الآن متعلقا بخيط رفيع. وحتى مؤيدو اليسار يجدون أنفسهم مضطرين إلى النظر إلى الماضي بفترة عقد أو أطول ـ إلى ويلي برانت في ألمانيا وفيليب جونزاليس في إسبانيا أو فرانسوا ميتران في فرنسا ـ للعثور على عملاق سياسي لهم.
كما أن المرشحون اليساريون للانتخابات البرلمانية الأوروبية هذا الشهر موحدون فقط في افتقادهم إلى أي تركيز. فعلى مدى أشهر والأحزاب اليسارية الأوروبية تسعى إلى إصدار إعلان مشترك، ولكنهم لا يستطيعون حتى على الاتفاق على مرشح لترؤس المفوضية الأوروبية. رؤساء الوزراء اليساريون من بريطانيا وإسبانيا والبرتغال كلهم يؤيدون رئيس المفوضية الأوروبية اليميني الحالي خوزيه مانويل باروسو. ومن دون زعيم مشترك، ما الذي يمكن لإعلان مشترك أن يقدمه؟إن التصاق اليسار بالأفكار البالية يمنع جيلا جديدا من المفكرين اليساريين من تقديم الأجوبة الملموسة. فرويال ومنافسها، زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي مارتن أوبري، ينضمان إلى أي تظاهرة في الشارع تمر بالقرب منهما. وإن هجماتهما الشخصية على ساركوزي قد تصلح للأخبار التلفزيونية المثيرة، ودعوة رويال إلى "الراديكالية" تعجب المتشددين من الاشتراكيين، ولكنها لا تجتذب الناخبين إلى التيار العام لليسار.

التهويل


ذي إيكونوميست، 30 مايو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


بدأ نجم الرأسمالية في الأُفول، وأصبح قادة الغرب ومُنَظِّرُوه يُصَرِّحُون بذلك علانيةً، بعد أن خجلوا من الاعتراف بذلك طويلًا، اللهم إلا القليل الذي لا يزال يدافع عن تلك الورقة الخاسرة، من أمثال مجلة ذي إيكونوميست؛ التي ترى أن الفرصة مازالت سانحةً لاستدراك ذُبَالة المصباح قبل أن ينطفئ، لذلك وجهت نصيحتها للرئيس الأمريكي: (يجب على باراك أوباما في أوج حماسته لإنقاذ الرأسمالية، ألا يخمد الدينامية الأمريكية)، لكنها في الوقت ذاته اعترفت بأن الرأسمالية تلقت ضربة موجعة أجبرت الكثيرين على التوقف عن مؤازرتها.
الدفاع عن الرأسمالية الآن وظيفة لا يُشكر من يقوم بها. فالإقراض الطائش من قِبل الرأسماليين الأمريكيين أفرز كارثة دفعت العالم إلى أسوأ ركود يشهده منذ ثلاثينيات القرن الماضي. أما سنوات الانتعاش فمُلِئت بقصص الجشع والاحتيال.
هذه الأزمة لا يريد السيد أوباما تضييعها سدى- على حد وصف رام إيمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض- لذلك يستخدمها لخلق دور أكبر للحكومة في الاقتصاد، بدءًا من التعليم مرورا بالصحة والمصارف، وصولا إلى الطاقة.
لقد عاينت أمريكا فشلا في الاقتصاد. وحتى في سنوات الانتعاش كانت 15% من الوظائف الأمريكية تتبخر سنويًا. فيما أظهر استطلاع رأي، أُعلِن عنه في 21 مايو الماضي، أن 76% من الأمريكيين يوافقون على أن قوة الدولة "ترتكز في الأساس على نجاح العمل الأمريكي"، فيما أعرب 90% عن إعجابهم بالأشخاص الذين "يصبحون أغنياء نتيجة العمل الشاق". وقد تغيرت هذه النسب قليلا خلال العقدين الماضيين، ومن المرجح أن تثمر سياسات حكومية تجعل من أمريكا-وفقًا للبنك الدولي-أحد أفضل الأماكن لإقامة الأعمال.

لماذا بإمكاننا العيشُ مع قنبلة إيرانية


ذي أميركان كونسرفاتيف، 18 – 25 مايو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


على الرغم من أن الاستخبارات الأمريكية لم تخلُص حتى الآن إلى أن إيران قررت تطوير سلاح نووي، فقد قفز الجدال العام إلى التساؤل: ماذا سيحدث لو قررت إيران تطوير مثل هذا السلاح؟
وفي هذا السياق ترى مجلة ذي أميركان كونسرفيتيف أن إيران حتى وإن اتخذت هذا القرار فلن يكون من المستحيل التعايش معها؛ مستدلة على ذلك ببعض الشواهد التي تراها مطمئنة.
هناك إجماع عارم على أن إيران إذا طوَّرت برنامجها النووي لدرجة تمكنها من إنتاج سلاح سيصبح الأمر كارثيًا تمامًا. وهو الأمر الذي حذَّر منه رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نتانياهو، في معرض حديث أجراه معه الصحافي الأميركي جيفري جولدبيرج لصالح مجلة ذي أتلانتيك، قال فيه: "حينما تمتلك (دولة مثل إيران) سلاح دمار شامل، يبدأ العالم بأكمله في القلق".
ورغم أن العديدين لا يوافقون نتانياهو رأيه ووزير خارجيته المصاب بالرهاب الشديد، أفيجدور ليبرمان، فإن الرئيس أوباما يشاركهما نفس وجهة النظر التي عبر عنها أثناء خطابه الذي ألقاه أمام لجنة العلاقات العامة الأمريكية-الإسرائيلية (آيباك) أثناء حملته الانتخابية في مايو الماضي، حين قال: "لا يوجد تهديد أكبر على إسرائيل -أو على سِلم المنطقة واستقرارها- من إيران".
وبعدما تطرقت المجلة لنقطة الاتفاق بين الإدارة الأمريكية ونظيرتها الإسرائيلية فيما يتعلق بخطورة أن تمتلك إسرائيل سلاحًا نوويًا، انتقلت لتبين نقاط الاختلاف المتعلقة باستراتيجية التعامل مع هذا الخطر المحتمل.
وفي النهاية تُطَمئِن المجلة الأطراف المعنية أن التفوق العسكري محسومٌ مسبقًا لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في حالة نشوب حرب مستقبلية، وأن السلاح النووي لم يزل بعيدًا نسبيًا عن أيدي الإيرانيين.
(ورغم ذلك) تتناقض بشدة وجهتَا نظر الرئيس الديمقراطي ورئيس الوزراء الإسرائيلي الجديدين فيما يتعلق باستراتيجية منع إيران من امتلاك هذا النوع من الأسلحة؛ حيث يعتقد أوباما وكثير من المجتمع الدولي أن الارتباط بالإيرانيين هو الطريقة المثلى لمنع ساعة النهاية أن تدق في الخليج (العربي) وصولا إلى الصفر. وعلى النقيض من ذلك، يعتقد الكثيرون داخل إسرائيل، وعدد كبير من مؤيدي الدولة اليهودية في أمريكا، أن الضربة العسكرية الاستباقية ستوقف سباق الملالي المجانين صوب معركة هرمجدون.
بالطبع لا يتشارك الجميع رؤية (الضربة الاستباقية قبل فوات الأوان)، وفي الواقع توجد عقول قليلة تلك التي تدرك أن إيران وإن طوَّرت قدراتها النووية، سيكون لدى أمريكا وإسرائيل تفوق صاروخي كبير. ووفقًا لاتحاد العلماء الأمريكيين فإن الولايات المتحدة تمتلك 5 آلاف رأس حربي منتشرة بشكل استراتيجي بالإضافة إلى أعداد كبيرة أخرى مخزنة للاستعمال وقت الحاجة، بينما يتراوح المخزون الإسرائيلي بين 80 و 200 أداة نووية. وفي الوقت الحاضر، لا تمتلك إيران أي سلاح نووي، وحتى وفق أسوأ السيناريوهات لا يُتوقع أن تمتلك أكثر من حفنة منها في السنوات القادمة.

رحلة في قلب إيران


نيوزويك، 2 يونيو 2009


بينما تستعد إدارة الرئيس أوباما للانطلاق في مفاوضات صعبة قد تستمر أشهرًا وتهدف إلى إيقاف برنامج التخصيب النووي الإيراني، تأخذنا مجلة نيوزويك إلى (رحلة في قلب إيران)، لنتعرف على تلك البلاد من الداخل.
وبعد 30 عامًا من العداء مع الولايات المتحدة الأمريكية، التقت خلالها حفنة قليلة من المسؤولين في البلدين، في حين لم يزر أي مسؤول أمريكي تقريبا إيران، يبدو أن العدوين اللدودين يريدان المصالحة.
بعدما وجه أوباما رسالة مرئية مسجلة إلى الشعب الإيراني لمناسبة رأس السنة الفارسية كرر فيها عرضه إجراء محادثات غير مشروطة، فسر معظم المعلقين الغربيين ردَّ خامنئي المسهب والمنطوي على تحدٍّ، بأنه صفعة على الوجه. لكن على الأرجح أن الأهم بالنسبة إلى أي إيراني استمع إلى الخطاب هو مقطع في الختام قال فيه خامنئي: "إذا تغيرتم، فسوف يتغير سلوكنا أيضا". لم يسبق أن استعملت السلطة الأعلى في إيران كلمة (تغيير) في سياق مماثل، فلطالما كان موقف الجمهورية الإسلامية أنه ليس هناك ما يدعو للاعتراض في سلوكها. وإذا كانت إدارة أوباما تريد فعلا بناء علاقة جديدة مع إيران، فسوف يكون عليها أن تتعلم الإصغاء إلى ما يقوله الإيرانيون.
ومنذ الكشف عن برنامج التخصيب النووي الإيراني، نجحت الحكومة الإيرانية في تبريره لشعبها أكثر مما نجحت في تبريره للعالم الخارجي. يعْرف الإيرانيون جيدا أنه قبل الثورة الإسلامية، كانت بلادهم تعاني على أيدي القوى العظمى ـ بريطانيا العظمى وروسيا والولايات المتحدة ـ سواء من خلال التزامات أحادية الجانب بطريقة مسببة للشلل في مجالي التبغ والنفط أو استحواذ على الأراضي أو تغيير كامل للنظام. وقد كان تصوير المسألة النووية بأنها حق من حقوق الشعب الإيراني تريد القوى نفسُها الآن حرمانه منه، خطوة لامعة. فقد سمح بتوفير الدعم لإصرار الحكومة على الإفادة إلى أقصى حد من كل حق ممنوح لها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، سواء كان ذلك ضروريا جدا أو لا. شككت الولايات المتحدة في حاجة إيران إلى صنع وقودها الخاص لتشغيل مفاعلات لم يتم بناؤها بعد. لكن الإيرانيين يرفضون فكرة اعتماد بلادهم على مصادر خارجية للوقود عند بناء المفاعلات. إذا كان الرئيس أوباما يرغب في تحرير أمريكا من الاعتماد على مموِّني النفط الخارجيين، فإن إيرانيين كُـثُـرًا يسألون، لماذا إرغام إيران إذن على الاعتماد على مصادر خارجية للحصول على الطاقة؟
لا يعني هذا أن كل الإيرانيين يوافقون على أسلوب أحمدي نجاد في التعاطي مع المسألة النووية؛ حيث يدمج بين الدفاع عن حقوق إيران من جهة وإنكار المحرقة وحق إسرائيل في الوجود من جهة أخرى. غير أن الإيرانيين يوافقون على المبدأ الأساسي الذي تبنته أيضا حكومة خاتمي الأكثر دماثة، وهو أن إيران لن تتخلى عن حقها لمجرد أن قوًى أكبر تقول إن عليها التخلي عنه.

ما الذي يجعلنا سعداء؟


ذي أتلانتيك، مايو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


هل هناك وصفة معينة للحياة السعيدة، مثل مزيج من الحب والعمل والتكيف النفسي؟
تساؤل عمل الباحثون في جامعة هارفارد طيلة 72 عامًا على إيجاد إجابة له، وهاهي مجلة ذي أتلانتيك تستهل به موضوع غلافها الأخير، بعدما تمكن، وللمرة الأولى، أحد الصحفيين من الدخول إلى أرشيف أحد أعظم الدراسات المطولة وأشملها في التاريخ. والتي يقدم محتواها نظرة عميقة داخل الحالة البشرية، وفي أغوار العقل اللامع والمعقد لمدير الدراسة، جورج فايلانت، على حد وصف المجلة.
قضيتُ قرابة شهر، خلال الخريف الماضي، داخل حجرة الملفات في جامعة هارفارد، على أمل أن أكتشف أسرار الحياة السعيدة.
هذا المشروع هو أحد أطول الدراسات الجسدية والعقلية، وربما أكثرها استنزافًا في التاريخ، بدءًا من الدورات التي انعقدت في كامبريدج، وحتى واجبهم العملي في الحرب العالمية الثانية، مرورًا بالزواج والطلاق، والترقي والفشل الوظيفي، وانتهاء الآن بالتقاعد، حيث خضع هؤلاء الرجال لاختبارات طبية، وعقدوا حوارات. لدرجة أن الملفات التي تحمل هذه المعلومات بحجم قواميس كاملة.
وخلال 42 عامًا، كان عالم النفس الدكتور جورج فايلانت هو الرئيس الأمين على هذه الأرواح، والباحث الرئيسي لتجاربهم، والمحلل الأول لدروسهم، لدرجة أن حياته الخاصة نُسجت بهذه الدراسة، وأصبحت كمخلوق يشبه عقله، لا يمكن لأحدهما أن يُفهم دون الآخر. ومع اقتراب موعد تقاعد فايلان (هو الآن في الرابعة والسبعين)، ودنوِّ أجل من لا يزال على قيد الحياة ممن خضعوا للدراسة، يبدو الوقت ملائمًا لاقتحام هذه الملفات التي تقتصر رؤيتها على الباحثين.
الحالة الأولى التي تطرقت لها المجلة تؤكد أن كلًّا منا لو فكر مليًا في تطورات حياته، لرأى أنها كانت الأنسب في كل المراحل، وبكل المقاييس، مما يؤدي حتمًا إلى الرضا، الذي ربما هو سر السعادة!
أنت غني، وتجني ثروتك بنفسك... أنت في الثمانين من عمرك، وقضيت يومًا عصيبًا في المستشفى... زوجتك مصابة برعب السرطان، لكنها شُفيت وهي بجانبك الآن، كما كانت طيلة 60 عامًا... لديك طفلان جميلان، وأحفاد أيضًا.
إذا سُئِلتَ في أحد استطلاعات الرأي: "إذا أُتيحت لك الفرصة لتحيا حياتك من جديد، ما هي المشكلات ـ إن كان ثمة بعض منها ـ التي كنتَ ستنشد المساعدة للخروج منها؟ ومن هو الشخص الذي كنتَ ستتوجه إليه؟". كنتَ ستكتب: "ربما أستغْفِل نفسي، لكنني لا أعتقد أنني بحاجة إلى تغيير أي شيء". إذا تمكنا فقط من الحصول على ما حصلنا عليه، وتقييده ببعض القواعد، وتطبيقه بصورة نظامية.

أخبار جيدة من الهند


ذي إيكونوميست، 23 مايو 2009
ترجمة: علاء البشبيشي

في أكبر انتخابات تشريعية في العالم، دُعِي اليها 714 مليون ناخب، أعطى الشعب الهندي فرصة ثانية لحكومته كي تثبت جدارتها، وهي فرصة نصحت أسبوعية ذي إيكونوميست الحكومة الهندية ألا تضيِّعَها، لاسيما في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد
الهند هي أرض الوعد الساطع، وهي أيضًا أرض الفقر المدقِع. ومن المتوقع أن تشهد هذه البلاد ولادة 27 مليون طفل جديد هذا العام، وإذا لم تتحسن الأمور، فغالبًا ما سيلقى مليونان من هؤلاء المواليد حتفهم قبل موعد إجراء الانتخابات العامة القادمة. أما الباقون، فسيصاب 40 % منهم بسوء التغذية. معظم هؤلاء سيُدرجون في سجلات المدارس، لكن ليس بإمكانهم التعويل على حضور مدرسيهم. وبعد مرور 5 سنوات، ستكون نسبة القادرين منهم على قراءة قصة قصيرة أقل من 60%، بينما سيكون 60% منهم لا يزالون يرتبكون من المسائل الحسابية البسيطة
في هذا البلد المترامية أطرافه، المتعددة ألسنته، حصل الحزب الحاكم على تفويض من الشعب يحلم به كل حزب، وإذا ما استغل الكونجرس (الهندي) هذا التفويض بحكمة فإنها فرصة رائعة لتعزيز رخاء الجيل القادم في الهند
وبعد أن عرَّجت المجلة على المصاعب التي تواجه الهند في هذه المرحلة، انتقلت للحديث عن الأخبار الجيدة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، مشيرة إلى أن الرئيس مانموهان سينغ لديه مهمة لم تكتمل خلال فترة رئاسته الأولى للوزراء، ربما يستطيع إنهاءها الآن
ويعد سينغ ثاني رئيس مجلس وزراء هندي يتولى عهدًا ثانيًا في منصبه، بعد أول رئيس وزراء في الهند "جواهر لال نيهرو
الأخبار الجيدة هي أن الكونجرس استطاع بسهولة، تشكيل ائتلاف يضمن أغلبية برلمانية مستقرة. وهذا سيوفر على البلاد تَكرار السنوات الخمس الماضية التي بدد فيها الحزب طاقته في تهدئة حلفائه داخل ائتلاف يصعُب التعامل معه. كما كانت الانتخابات مشجعة؛ لأنها أظهرت حدود المناورات السياسية المسبِّبة للخلاف
وبقي حزب بهاراتيا جاناتا (الهندوسي المتطرف) متجذرًا في الحركة الهندية، مما يُظهِر معاناة مسلمي الهند، البالغ عددهم 160 مليونًا. رغم خسارته هذه المرة، التي أظهرت مجددًا أن القوميَّة الهندية قادرة على تشكيل حزب، وليس حكومة

حوار مع باراك أوباما


نيوزويك، 26 مايو 2009

ترجمة: علاء البشبيشي


خلال مقابلة دامت 30 دقيقة على متن الطائرة الرئاسية في طريقها من واشنطن إلى فينكس يوم الأربعاء الماضي، تحدث الرئيس أوباما مع مراسل نيوزويك جون ميشام عن أفغانستان وإيران وإسرائيل وباكستان وديك تشيني... لكن البداية بالطبع كانت حول الدروس التي تعلمها أوباما خلال أشهُره الأولى في البيت الأبيض.
بعد سلسلة من الأسئلة عما تعلمه خلال أشهُره الأولى في البيت الأبيض، سأله "ميشام" إن كان مستعدًا لقراءة فقرة من كتابه (جرأة الأمل) والتعليق عليها.
وقعت عيناه على الفقرة المحددة، فقال: أجل، أتذكَّر هذا. صمت لبرهة، ومن ثم قرأ الفقرة المتعلقة بأهمية عيش حياة صالحة: أعتقد أن هذا ما يرضيني الآن؛ أن أكون مفيدا لعائلتي وللناس الذين انتخبوني، وأن أترك إرْثًا يجعل حياة أطفالنا مفعمة بالأمل أكثر من حياتنا. أحيانا، عندما أعمل في واشنطن، أشعر بأنني أحقق هذا الهدف. وأحيانا أخرى، يبدو أن الهدف يبتعد عني، وكل النشاطات التي أقوم بها ـ الاجتماعات، والخطابات، والمؤتمرات الصحافية، والتقارير المعمقة ـ ترضي غروري ليس إلا، وهي غير مفيدة لأحد.
هل هو عرضة لمثل هذا التشاؤم الآن، في البيت الأبيض؟ هل يشعر بأنه عديم الجدوى؟ أغلق الكتاب، وأعاده إليَّ عبر المكتب قائلا: أعترف بأنه لم يتسنَّ لي الوقت لأشعر بهذه المشاعر في منصبي الرئاسي. أحد الامتيازات المدهشة لكوني رئيسا، ناهيك عن كوني رئيسا في وقت عصيب جدا، هو أن جدول أعمالي حافل جدا، وأنا على يقين بأن القرارات التي نتخذها والسياسات التي نسعى إلى تطبيقها سوف تُحدِثُ فرقًا. بعبارات أخرى، مشاعر الإحباط التي راودته حينما كان عضوا في مجلس الشيوخ أو حتى منظما اجتماعيا، حل مكانها شعور ملموس بالسلطة والفعالية. كل ما يقوله الرئيس وكل ما يفعله ويقرره مهم، وهذا يروقه.ما تعلمه هو أنه يحب السلطة، ويستمتع بهذه القدرة على تغيير الواقع، ليتلاءم مع صورته ووجهات نظره، وأنه تحدد الأزمة عمله، وتحفزه، وتحتم عليه أن يكون نافعا.
وترى المجلة أن الكثير من مؤيديه يعتبرونه تجسيدا للسياسات التقدمية المثالية التي تنبذ الاستعمال العنيف للسلطة، وهو أمر من مخلفات عهد بوش وتشيني. وفي الوقت نفسه، يعتبره الكثير من منتقديه ضعيفا، واشتراكيا بشكل مقنّع، يريد توحيد العالم، ويريد تقديم الشاي والتعاطف للبلدان المارقة.
وتضيف المجلة: تجربة الأشهر الأولى من حكمه توحي بأنه ينبغي لكلا الفريقين أن يعيدا النظر في اعتقاداتهما، في ضوء الوقائع الجديدة على الأرض. في عالم أوباما، القوة والهدوء ليسا متناقضين. قد يتخذ قرارا خاطئا، قد تسوء الأمور بشكل كارثي، في الداخل والخارج، خلال فترة حكمه، لكن أحد الأمور الأكثر إثارة للاهتمام، والذي لا يحظى بتقدير كافٍ، ظهر خلال هذه الأيام الأولى، هو مدى شعور أوباما بالارتياح عند اتخاذه القرارات. إنه يستمتع جدا بممارسة سلطته كرئيس.
على متن الطائرة الرئاسية، برقت عيناه عندما سألته عن استعداده لاستعمال القوة العسكرية الأمريكية، أولا في باكستان ثم في إيران. وأجاب: "لا أستبعد أي احتمالات عندما يتعلق الأمر بأمن الولايات المتحدة". بعد لحظة أضاف: "وأؤكد لك أنني لست ساذجا"، وارتفعت نبرة صوته قليلا، وأرجَعَ رأسَه إلى الوراء مثلما يفعل القادة: "أنا لست ساذجا".
لا، طبعا لا.. فلو كان ساذجا، لما كان يُجري هذا الحوار في حجرة الرئيس، بل في مكتب في مجلس الشيوخ ربما، أو على متن طائرة تجارية تنقله من واشنطن إلى أوهير. لقد أوصلته سلسلة من المراهنات المخالفة للتوقعات إلى هذه الطائرة، أهمها أن الأمريكيين كانوا منفتحين على شخصيته المعقدة بعد ثماني سنوات من الحكم المتصلب.
قال أوباما: "أعتقد أن الشعب الأمريكي لا يتقبل فقط التفسيرات والأمور المعقدة، بل يتُوق إليها، وهو مستعد للاعتراف بالمشاكل الصعبة. أظن أن أحد أكبر الأخطاء المقترَفة في واشنطن هو المبدأ القائل: إن على المرء تبسيط الأمور ليفهمها الشعب".يقول: إنه يرفض مشاهدة أخبار محطات الكيبل (ولا يشاهد سوى الألعاب الرياضية على شاشة التلفزيون). عندما تحدّث عن أهمية القرارات التي عليه اتخاذها، كان واقعيا (وقال): "قد تكون نتائجها النهائية مخيبة للآمال، وأعتقد أنه سيأتي يوم أعيد فيه النظر إلى قرار ما أو سياسة ما وأقول لنفسي: "كان عليَّ اتباع هذا المسار بدلا من ذلك، لكنني على الأقل لا أشعر أبدا بأنني أبذل جهودا عقيمة".