برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Saturday, July 4, 2009

إيران تنهض



ذي إيكونوميست، 21 يونيو 2009
ترجمة: علاء البشبيشي

انتهت الانتخابات الإيرانية رسميًا، لكنها لم تضع بعد أوزارها شعبيًا، فلا يزال ملايين المتظاهرين يجوبون شوارع طهران في مشهدٍ ذكرت أسبوعية ذي إيكونوميست أنه لم يُرَ له مثيل منذ الثورة التي أطاحت بالشاه عام 1979. زاعمة أن قلوب من وصفتهم بـ "محبي الحرية حول العالم" ربما تتحرك في مواجهة الرئيس أحمدي نجاد "مُنكِر الهولوكوست، الذي يضع يده على السلاح النووي"، على حد قول المجلة. كما رأت ذي إيكونوميست أن الحكومة الإيرانية الحالية تواجه مصيرين لاثالث لهما: إما التراجع وإما الانهيار. بعدما حكموا البلاد بقبضةٍ حديدية طيلة ثلاثين عامًا، وجد حكام إيران أنفسهم في حالة من الفوضى. فالمرشح الرئاسي الذي من المفترض أنه حلَّ ثانيًا في الانتخابات الأخيرة، مير حسين موسوي، يتحدث عن تزوير ويدَّعي الفوز. والمؤسسة الإيرانية منقسمة، مع انضمام بعض أقطاب الثورة إلى صفوف المتظاهرين. حتى المرشد الأعلى، الذي كان من المفترض ألا ينخرط في هذا النقاش، أصبح متورطًا في هذه المشاجرة الانتخابية الحقيرة. وربما يواجه في النهاية اختبار البقاء، ليس بقائه فحسب بل بقاء الثورة برمتها. لا أحد بإمكانه رؤية كواليس المؤسسة الدينية ولا الحرس الثوري في طهران. ولا أحد يعرف النتائج الحقيقية للانتخابات الرئاسية (التي أُجريَت مؤخرًا). ولا أحد بإمكانه التنبؤ إلى متى ستستمر المظاهرات، أو إلى أي مدى هو استعداد هذا النظام لاستخدام القوة ودفع الثمن من دماء شعبه. (لكن المهم) أن شيئًا هامًا حدث في هذا البلد المحوري الواقع في أكثر مناطق العالم قابلية للاشتعال. ولما أخطأت الحكومة الإيرانية بشدة فهم شعبها، كان عليها الآن أن تقرر ما إذا كانت ستتراجع أو ستنهار. ولأن إيران في نظر المجلة البريطانية تعتبر "نقطة ارتكاز المنطقة المتأرجحة"، فإنها إن تعاملت بمسئولية مع الوضع الراهن، سينظر إليها العالم باعتبارها القوة المحلية. لكنها –بحسب الصحيفة - بعكس ذلك تتدخل في شئون جيرانها، وربما تنقِم عليهم، لذلك استحقت أن يتدخل الغرباء في شئونها الخاصة، وربما كانت هذه إشارة من المجلة إلى أن هذه المظاهرات التي تجوب شوارع طهران وراءها من يحركها من الخارج. ماحدث لم يكن مفاجئًا؛ فإيران كانت ضحية التدخل الخارجي، بعد أن وقعت بين مطرقة وسندان الدول الاستعمارية المتنافسة (روسيا- تركيا- بريطانيا- وأمريكا) لأكثر من قرن. فمرة يستولي الغرب على نفط إيران، وأخرى تتعرض لهجوم من قِبل جيش عربي يقوده الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، يخلف مليون قتيل. لقد وصل جنون الارتياب الفارسي لحد لم يعد يمكن تفهمه، فإيران ترى عدوها الرئيسي/أمريكا يطوقها بقواته المسلحة تطويق السوار بالمعصم. فيما يتشارك الشعب الإيراني كله، حتى المدنيين، ذلك الحماس الذي يشعر به قادته تجاه الحصول على تكنولوجيا نووية أقسموا أنها لن تُستَخدم إلا لأغراض سلمية، واعتبرها الكثيرون مجرد مقدمة لامتلاك قنبلة لن ترحم أحدًا. هذا الحماس يمثل لهؤلاء حقًا وطنيًا في مواجهة عالم عدواني. لكن هذا التهديد الخارجي (وإن برَّرَ هذا الحماس تجاه التكنولوجيا النووية) لايبرر التلاعب بنتائج الانتخابات. إيران ليست دولة ديمقراطية، لكنها نظام يضم سلطة دينية غير منتخبة، يتبعها رئيس واحد منتخب، بهدف منح الشعب فرصة للتنفيس عن نفسه من وقت لآخر وفق أُطُرٍ انتخابية صارمة. واليوم يوجد لدى الشعب ما يريد التنفيس عنه. فالشباب يشعرون بالملل ويريدون التمرد ويعانون من البطالة، والمحلات التجارية بلغ سيلها الزُبى جراء التخبط الاقتصادي الذي تغرق فيه البلاد. وبالنسبة لهذه الانتخابات، كانت الخيارات قليلة للغاية. فقد سمح المرشد الأعلى لأربعة مرشحين فقط- من أصل 400 تقدموا بأوراقهم- بخوض هذه الانتخابات، ومواجهة الناخب الإيراني على افتراض أن المرشح الأكثر تقيدًا بمبادئ الجمهورية الإيرانية هو الذي سينجح. لكن على النقيض من ذلك، توحَّدت هذه المجموعات الإيرانية المُحبَطة خلف المتحدي الرئيس، مير حسين موسوي، وقد أدى التلاعب بهذه الأصوات إلى تظاهرات عارمة ضد النظام نفسه. ومع تعهد المرشحين الأربعة بالمحافظة على أسس الحكومة الدينية القائمة في البلاد، يتضح أن أداء الحكومة فيما يتعلق بالشأن الانتخابي كان أحمقًا بقدر ماكان مؤذيًا. قبل سقوط الشاه استمرت المظاهرات لشهور، وقد قد قرر المتظاهرون الإيرانيون اليوم الدفع باتجاه أبعد. لكن ذلك سيتوقف على مقدار الانقسام داخل المؤسسة الحاكمة وقُدرة الشعب الغاضب على التحمل. وهكذا يواجه أئمة إيران معضلة تستعصي على الحل.. والنتيجة الطبيعية لمنح فرصة للتنفيس في بلد يفتقد لأدنى درجات الحرية، ربما يدفع بالمتظاهرين إلى أن يُطيحوا بالحكومة، وفي المقابل يجبر النظام على استخدام القوة ما يجعل البلاد تتحوَّل إلى مجرد دولة مستبدة رخيصة الثمن.

No comments: