برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Saturday, July 4, 2009

خطة سينغ الجريئة


نيوزويك، 16 يونيو 2009


في الجزء الأكبر من الأعوام الـ15 الماضية، كانت السياسة الهندية فوضوية جدا إلى درجة أن رئيس الوزراء كان يمضي الجزء الأكبر من أيامه الـ100 الأولى في الحكم في التركيز على هدف واحد: الاحتفاظ بالسلطة. مجلة نيوزويك الأمريكية رأت أن الانتصار الحاسم والمفاجئ الذي حققه "مانموهان سينغ" في الانتخابات الشهر الماضي ـ إلى جانب الأزمة الاقتصادية العالمية ـ جعله فجأة أمام جدول مواعيد شبيه بجدول الرئيس الأمريكي، عنوانه الرئيسي: لديك 100 يوم، فابدأ سريعا العمل
اعتقد المصرفيون وكُتَّاب الأعمدة ومجموعات اللوبي ومراكز الأبحاث والدراسات أن شبه الغالبية التي حصل عليها حزب المؤتمر في البرلمان سوف تُطلِق يد "سينغ" للتخلص من البيروقراطية وتحفيز النمو، فأمضوا وقتهم منذ إعلان نتائج الاقتراع في 16 مايو في تعداد سيل من الأمور التي ينبغي على رئيس الوزراء القيام بها. لكن على الأرجح صدرت الأجندة الأكثر جرأة وابتكارا عن سينغ نفسه. فخطة الـ100 يوم التي وضعها خلال الحملة الانتخابية - عندما لم يكن أحد يؤمن به كثيرا- حافلة بإجراءات جوهرية ومحددة تبدأ من بيع حصصٍ في الشركات المملوكة من الدولة مرورا بإعادة هيكلة القوانين المتعلقة بالشراكات بين القطاعين العام والخاص والتخلص من زحمة السير التي أدت إلى تأخير مشاريع طرقات بقيمة تبلغ نحو 15 مليار دولار وصولا إلى إقرار قانون جديد للأمن الغذائي
ليس الجميع راضيا عن خططه. فعلى الرغم من أن رئيس الوزراء يُعرَف بأنه مهندس الانفتاح الاقتصادي للهند عام 1991، فإنه يفكر في أمور أخرى الآن. لقد عقد العزم على إصلاح الهند أو إحداث تحول فيها لكن ليس وفقا للوصفة التي يضعها أرباب المال الدوليون أو المديرون العامون. بدلا من ذلك، وانطلاقا من الشعار المختزل "النمو الشامل"، يسعى إلى شق مسار جديد قد يوفر في حال نجاحه خريطة طريق للبلدان النامية في مختلف أنحاء العالم
ويرتكز الهدف الذي يرمي إلى تحقيقه على إجراءات قد لا يعتبرها البعض إصلاحات على الإطلاق. وتأتي في طليعتها الخطة الوطنية لضمان التوظيف في الأرياف وقانون الحق في الحصول على المعلومات
في بلد حيث تُصنَّف النفايات الموضوعة في سلة مهملات حكومية في خانة المعلومات السرية في أكثر الأحيان، يشكل قانون الحق في الحصول على المعلومات إنجازا ثوريا مهما. بموجب هذا القانون، يستطيع الأشخاص العاديون أن يلقوا لأول مرة نظرة على الدفاتر التجارية في متاجر المؤونة المحلية مثلا أو على الدوائر الحكومية ويروا ما الذي يقتطعه المسؤولون الفاسدون لمنفعتهم الخاصة أو يحولوه لمستفيدين وهميين أو يسرقوه بكل بساطة. وبما أن القانون يفرض توافر المعلومات في غضون 30 يوما وإلا يواجه المسؤول المعني عقوبة فورية، يحقق فاضحو الفساد نتائج من القضايا المندرجة في إطار قانون الحق في الحصول على المعلومات بصورة أسرع بكثير من تلك التي يمكن أن يحصلوا عليها من النظام القانوني التقدمي شديد البطء في الهند
وتضيف المجلة: لا يعني هـذا أن أجندة الـ100 يـوم التي وضعها رئيس الوزراء موجهة فقط إلى الفقراء والمعدمين؛ فهي تتضمن أيضا إجراءات مثيرة للجدل ينادي بها المصرفيون منذ وقت طويل مثل بيع الشركات المملوكة للدولة
ثم تتطرق المجلة للانتقادات الذي تعرض لها رئيس الوزراء المتواضع، والتي انتقصت من قدره خلال الحملة الانتخابية واصفة إياه بأنه "القائد الأضعف في تاريخ الهند". لكن الرجل حوّل نقاط ضعفه الظاهرية كرجل سياسي ـ والمتمثلة في افتقاره إلى المهارات الخطابية وعجزه عن حبك المكائد ـ إلى نقاط قوة
يملك رئيس الوزراء سلاحا كبيرًا آخر يساعده في حملته الحالية: يعرف عما يتكلم. فخبير الاقتصاد الذي تلقى تحصيله العلمي في جامعة أكسفورد، عمل حاكما للبنك المركزي الهندي ورئيسا للجنة التخطيط فيه ووزيرا للمال، وهذه سيرة مهنية فريدة من نوعها تجعل منه قائدا عالميا وذا فعالية كبيرة خلال الأزمة الحالية. وفي هذا يقول وزير النقل "كمال ناث"، الذي كان وزيرا للتجارة ومسؤولا عن مفاوضات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية خلال ولاية سينغ الأولى: "على الآخرين أن يعتمدوا إلى حد كبير على تزويدهم بالمعلومات والتقارير، وعليهم أن يحاولوا أن يفهموا. أما هو فيزود الآخرين بالمعلومات. إنه يفهم الموضوع أكثر من أي قائد عالمي موجود الآن". لكن بموازاة الأهمية التي ترتديها الخصال التي يتمتع بها سينغ، هناك أيضا درجة الدعم التي يحظى بها حاليا من سونيا غاندي وابنها راؤول، وريث السلالة الصاعد. ليس سينغ الآن رئيس وزراء الهند بقدر ما هو قائد الترويكا الأولى فيها. غير أن التقسيم الواضح للمسؤوليات يجعله أكثر لا أقل نفوذا. ويكمن التحدي الكبير المطروح على الترويكا الآن في أن تكون على قدر التوقعات. إنهم يواجهون نظاما سياسيا متراخيا هو من مخلفات الذهنية الاستعمارية، وعليهم أن يتصدوا لثقافة من التعويقية البيروقراطية ظلت عصية على الكثير من الأشخاص الذين سعوا سابقا إلى تحقيق الإصلاح. ولا شك في أن المصالح المتجذرة داخل حزب المؤتمر نفسه سوف تسعى إلى عرقلة برامج سينغ وجهود آل غاندي الرامية إلى جعل الحزب أكثر ديموقراطية والسماح لوجوه جديدة بالظهور إلى الواجهة. لكن سينغ الذي تعززت قبضته أخيرا على مقاليد الحكومة، يعرف أن مهلة الـ100 يوم ظاهرية فحسب بهدف إشعال النار تحت أقدام مرؤوسيه. فأمامه خمس سنوات كاملة كي يعمل فيها. غير أن هذا لا يمنع أن الرهانات هي في أعلى مستوى لها. إنها أكثر من مجرد الفرصة الكبرى لحزب المؤتمر، إنها فرصة الهند الكبرى. وإذا لم تُستثمَر كما يجب، فسوف يكون ذلك مكلفا للحزب والبلاد، ولمواطنيها على وجه الخصوص

No comments: