
المشاهد السياسي، 17-23 يناير 2010
مجلة المشاهد السياسي تناولت بالتحليل تداعيات التفجير الانتحاري الذي استهدف محطّة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في خوست الأفغانية، وأودى بعدد من عناصرها، وشغل الدوائر الأميركية على أعلى مستوى طوال الأيام الأخيرة. متسائلة ما هي ملابسات هذه العملية وما هي خلفياتها؟
وذهبت المجلة إلى أن كل شيء يدلّ على أن العملية تشكّل نجاحا غير عادي لـ"القاعدة"، وفشلا للمخابرات الأميركية في ما يسمّى "الحرب ضد الإرهاب"، وهي تندرج في مسلسل إخفاقات الـ"سي آي إيه" في المنطقة وداخل الولايات المتحدة نفسها.
"متى ستشرب كلماتي دمائي؟" هذه العبارة كانت إحدى مدوّنات الإنترنت التي كتبها "باسم أبو دجانة الخراساني"، وهو الاسم المستعار للرجل الذي فجّر نفسه في مقرّ الـ"سي آي إيه" في خوست ليل ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٩، وقتل معه سبعة ضباط من المخابرات الأميركية. وباسم الخراساني هو الطبيب الأردني "همام خليل البلوي"، لا غيره، الذي جنّدته المخابرات الأردنية لتعقّب زعماء "القاعدة"، وكانت النتيجة أن تحوّل إلى لغم أردني موقوت داخل المخابرات الأميركية.
"نيويورك تايمز" التي نقلت هذه العبارة، نقلت أيضاً أنه كتب "كلماتي ستموت إن لم أسعفها بدمي، ومقالاتي ستشهد ضدّي إن لم أقدّم لها الدليل على براءتي من النفاق. لا بدّ لأحدنا من أن يموت كي يحيي الآخر وأتمنّى أن أكون أنا من يموت".
والقصّة التي تشبه الملاحم الأسطورية متعدّدة الفصول، ووراء كل فصل مثير فصل آخر أشد إثارة. وما نشر عن "البلوي" حتى الآن يشبه الجزء العائم من جبل الجليد، لأن سرّ حياته بطريقة واضحة أمر بالغ التعقيد. وكل الذين يعرفونه يقولون إنه اختفى من الأردن قبل عام، لكن الروايات مختلفة حول المكان الذي قصده. السلطات الأردنية، كما زوجته، تقول إنه غادر إلى باكستان، أما أمّه فتقول إنه أبلغها أنه ذاهب إلى تركيا ويخطّط للذهاب إلى أميركا لمواصلة دراسة الطبّ. أما أخوه فهو يعتقد أنه كان في غزّة. الأردنيون، من جهتهم، يقولون إنه يعمل لمصلحتهم، والأميركيون كانوا يعلّقون آمالاً كبيرة عليه لمدّهم بمعلومات دقيقة عن الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري... ويوم فجّر نفسه في ٣٠ ديسمبر انكشفت الحقيقة كما هي: "البلوي" هو أحد رجال "القاعدة" بل أحد قادتها، وهو طبيب أردني جنّدته المخابرات الأردنية لاختراق التنظيم، والهجوم الذي نفّذه كان أسوأ هجوم تتعرّض له المخابرات الأميركية منذ تفجير مقرّ السفارة الأميركية في بيروت في العام ١٩٨٣.
وتؤكد المجلة على أن عملية خوست فتحت عيني باراك أوباما وكبار المسؤولين الأميركيين على إخفاقَيْن سجّلتهما المخابرات المركزية في الأسبوع الأخير من العام ٢٠٠٩. الأول عندما فشلت في منع محاولة الاعتداء على طائرة أميركية عشيّة عيد الميلاد كانت متّجهة من أمستردام إلى ديترويت، وسمحت لعمر فاروق عبد المطلب بالصعود إلى الرحلة. والثاني عندما تسبّبت عملية خوست في الكشف عن التنسيق الأميركي ـ الأردني من جهة، وفي مقتل فريق من كبار الضباط العاملين في الوكالة من جهة أخرى. والعمليتان، كما الإخفاقات التي سبقتهما، أدّتا إلى إغراق الأجهزة الأميركية في بحر من الانتقادات والاتهامات التي بدأت منذ تفجيرات ١١/٩/٢٠٠١ داخل الولايات المتحدة ولمّا تنته بعد.
يمكن الاستدلال على إخفاقات المخابرات المركزية الأميركية والأجهزة الأخرى المخابراتية من خلال استعراض بعض التطوّرات الأخيرة التي شهدها العراق. وفي التقارير المحدودة التداول، أنه يمكن للمخابرات الأميركية أن تخسر الحرب في العراق للأسباب نفسها التي أدّت في السابق الى العمليات التي تعرّض لها الأميركيون في بيروت (١٩٨٣) والعمليات اللاحقة التي تعرّضوا لها في الصومال.
لماذا تفشل الـ"سي آي إيه" عربيا؟: للإجابة عن هذا التساؤل، يجيب الكاتب الصحفي "جيرالد بوسنر"، في كتابه الذي صدر في لندن حديثاً بعنوان "لماذا نامت أميركا" بالقول: نقطة ضعف المخابرات الأميركية هي في ضعف الشخصية الأميركية نفسها.
ويؤكد الكاتب أن لدى العرب أو الإسلاميين ميزة يتفوّقون فيها على المخابرات الأميركية والأميركيين، وهي أن عشرات الآلاف منهم قد درسوا في الولايات المتحدة ويتحدّثون اللغة الإنكليزية بشكل جيد، ويمكنهم التنقّل بسهولة في المجتمع الأميركي، ثم يتساءل قائلاً: "ترى كم من عملاء المخابرات الأميركية يمكنهم أن يتحرّكوا مطمئنين في البيئة الإسلامية أو العربية؟".
ويضيف "بوسنر" في كتابه قائلاً: "أنتجت الجامعات المخابراتية الألمانية والبريطانية الجواسيس الذين يمكن أن يتحدثوا نحو ست لهجات عربية محلّيّة، ويقرأون القرآن بشكل جيّد ويحفظون شيئاً منه، أما الولايات المتحدة فلا يمكنها إلا أن توظّف مترجمين عرباً كي تستطيع التفاهم مع المتكلّمين بالعربية ممن تعتقلهم".
مجلة المشاهد السياسي تناولت بالتحليل تداعيات التفجير الانتحاري الذي استهدف محطّة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في خوست الأفغانية، وأودى بعدد من عناصرها، وشغل الدوائر الأميركية على أعلى مستوى طوال الأيام الأخيرة. متسائلة ما هي ملابسات هذه العملية وما هي خلفياتها؟
وذهبت المجلة إلى أن كل شيء يدلّ على أن العملية تشكّل نجاحا غير عادي لـ"القاعدة"، وفشلا للمخابرات الأميركية في ما يسمّى "الحرب ضد الإرهاب"، وهي تندرج في مسلسل إخفاقات الـ"سي آي إيه" في المنطقة وداخل الولايات المتحدة نفسها.
"متى ستشرب كلماتي دمائي؟" هذه العبارة كانت إحدى مدوّنات الإنترنت التي كتبها "باسم أبو دجانة الخراساني"، وهو الاسم المستعار للرجل الذي فجّر نفسه في مقرّ الـ"سي آي إيه" في خوست ليل ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٩، وقتل معه سبعة ضباط من المخابرات الأميركية. وباسم الخراساني هو الطبيب الأردني "همام خليل البلوي"، لا غيره، الذي جنّدته المخابرات الأردنية لتعقّب زعماء "القاعدة"، وكانت النتيجة أن تحوّل إلى لغم أردني موقوت داخل المخابرات الأميركية.
"نيويورك تايمز" التي نقلت هذه العبارة، نقلت أيضاً أنه كتب "كلماتي ستموت إن لم أسعفها بدمي، ومقالاتي ستشهد ضدّي إن لم أقدّم لها الدليل على براءتي من النفاق. لا بدّ لأحدنا من أن يموت كي يحيي الآخر وأتمنّى أن أكون أنا من يموت".
والقصّة التي تشبه الملاحم الأسطورية متعدّدة الفصول، ووراء كل فصل مثير فصل آخر أشد إثارة. وما نشر عن "البلوي" حتى الآن يشبه الجزء العائم من جبل الجليد، لأن سرّ حياته بطريقة واضحة أمر بالغ التعقيد. وكل الذين يعرفونه يقولون إنه اختفى من الأردن قبل عام، لكن الروايات مختلفة حول المكان الذي قصده. السلطات الأردنية، كما زوجته، تقول إنه غادر إلى باكستان، أما أمّه فتقول إنه أبلغها أنه ذاهب إلى تركيا ويخطّط للذهاب إلى أميركا لمواصلة دراسة الطبّ. أما أخوه فهو يعتقد أنه كان في غزّة. الأردنيون، من جهتهم، يقولون إنه يعمل لمصلحتهم، والأميركيون كانوا يعلّقون آمالاً كبيرة عليه لمدّهم بمعلومات دقيقة عن الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري... ويوم فجّر نفسه في ٣٠ ديسمبر انكشفت الحقيقة كما هي: "البلوي" هو أحد رجال "القاعدة" بل أحد قادتها، وهو طبيب أردني جنّدته المخابرات الأردنية لاختراق التنظيم، والهجوم الذي نفّذه كان أسوأ هجوم تتعرّض له المخابرات الأميركية منذ تفجير مقرّ السفارة الأميركية في بيروت في العام ١٩٨٣.
وتؤكد المجلة على أن عملية خوست فتحت عيني باراك أوباما وكبار المسؤولين الأميركيين على إخفاقَيْن سجّلتهما المخابرات المركزية في الأسبوع الأخير من العام ٢٠٠٩. الأول عندما فشلت في منع محاولة الاعتداء على طائرة أميركية عشيّة عيد الميلاد كانت متّجهة من أمستردام إلى ديترويت، وسمحت لعمر فاروق عبد المطلب بالصعود إلى الرحلة. والثاني عندما تسبّبت عملية خوست في الكشف عن التنسيق الأميركي ـ الأردني من جهة، وفي مقتل فريق من كبار الضباط العاملين في الوكالة من جهة أخرى. والعمليتان، كما الإخفاقات التي سبقتهما، أدّتا إلى إغراق الأجهزة الأميركية في بحر من الانتقادات والاتهامات التي بدأت منذ تفجيرات ١١/٩/٢٠٠١ داخل الولايات المتحدة ولمّا تنته بعد.
يمكن الاستدلال على إخفاقات المخابرات المركزية الأميركية والأجهزة الأخرى المخابراتية من خلال استعراض بعض التطوّرات الأخيرة التي شهدها العراق. وفي التقارير المحدودة التداول، أنه يمكن للمخابرات الأميركية أن تخسر الحرب في العراق للأسباب نفسها التي أدّت في السابق الى العمليات التي تعرّض لها الأميركيون في بيروت (١٩٨٣) والعمليات اللاحقة التي تعرّضوا لها في الصومال.
لماذا تفشل الـ"سي آي إيه" عربيا؟: للإجابة عن هذا التساؤل، يجيب الكاتب الصحفي "جيرالد بوسنر"، في كتابه الذي صدر في لندن حديثاً بعنوان "لماذا نامت أميركا" بالقول: نقطة ضعف المخابرات الأميركية هي في ضعف الشخصية الأميركية نفسها.
ويؤكد الكاتب أن لدى العرب أو الإسلاميين ميزة يتفوّقون فيها على المخابرات الأميركية والأميركيين، وهي أن عشرات الآلاف منهم قد درسوا في الولايات المتحدة ويتحدّثون اللغة الإنكليزية بشكل جيد، ويمكنهم التنقّل بسهولة في المجتمع الأميركي، ثم يتساءل قائلاً: "ترى كم من عملاء المخابرات الأميركية يمكنهم أن يتحرّكوا مطمئنين في البيئة الإسلامية أو العربية؟".
ويضيف "بوسنر" في كتابه قائلاً: "أنتجت الجامعات المخابراتية الألمانية والبريطانية الجواسيس الذين يمكن أن يتحدثوا نحو ست لهجات عربية محلّيّة، ويقرأون القرآن بشكل جيّد ويحفظون شيئاً منه، أما الولايات المتحدة فلا يمكنها إلا أن توظّف مترجمين عرباً كي تستطيع التفاهم مع المتكلّمين بالعربية ممن تعتقلهم".
No comments:
Post a Comment