
الأهرام العربي، 9 يناير 2010
تحت عنوان (انفجار إيران)، أعدت مجلة الأهرام العربي ملفا خاصا لمتابعة التطورات الداخلية في طهران، تحدثت فيه عن دروس التاريخ، وثورة الحاضر، وتطلعات المستقبل.
وذكرت المجلة أنه منذ ثلاثين عاما، علق البعض على تحدي الشاه للملالي قائلا: إنهم كالسجاد الكاشاني كلما دسته، زادت جودته وقيمته". متسائلة: ترى هل يردد البعض اليوم هذه الجملة عند سماعه دعوة ولي عهد إيران الأسبق رضا بهلوي إلى التحول السلمي، وعند ارتفاع هتافات المتظاهرين؟ وها باتت ليالي حكم الرئيس أحمدي نجاد معدودة، وبدأ العد التنازلي لسقوطه؟ وهل يمكن أن تكبح أموال "الثورة النفطية" احتجاجات "الثورة الخضراء"؟
إن درس التاريخ المهم الذي لا يدركه حكام إيران، هو أن انهيارات الأنظمة الحاكمة في بلادهم عبر التاريخ، ومنذ عهود الأكاسرة، كانت تقع بأسباب من الداخل، عندما تسود الاضطرابات والثورات والانقلابات بسبب عوامل التفسخ العديدة، ما بين عرقي وطائفي ومذهبي، فضلا عن استشعار الشعب الإيراني الظلم والاضطهاد من قبل حكامه الديكتاتوريين على النحو الجاري حاليا، واشتعال الثورة الخضراء التي سوف تقضي على نظام حكم الملالي فيما لا يزيد على خمس سنوات بعد أن كفر الشعب الإيراني بهذا النظام وأفكاره وحكامه وممارساته، كما يقول اللواء حسام سويلم.
لكن د. فتحي المراغي، أستاذ الدراسات الإيرانية بكلية الآداب جامعة عين شمس، يرى أنه من الصعوبة بمكان توقع سقوط النظام الإيراني ككل، ولكن يمكن القول إنه يسير في اتجاه السقوط بإيقاع بطيء، بحيث لن يكون بين عشية وضحاها؛ نظرا لعدم توافر عناصر السقوط في الحالة الإيرانية، فلا توجد تنظيمات عسكرية، أو ميليشيات مسلحة أو شبه مسلحة للمعارضة لإحراج النظام ودفعه إلى الاستسلام. فالمعارضة الإيرانية لا تزال في الطور السلمي، ولا توجد مؤسسات مالية داعمة لها، والدعم الخارجي وحده لا يكفي، فالانقلابات المدبرة من الخارج يصعب تطبيقها في إيران نظرا للتشابك الشديد لأركان النظام الذي يعمد إلى تجنيد عناصر في جميع المواقع، بدءا من المدارس والمصانع وحتى الهيئات الحكومية المختلفة.
ويرى د. المراغي أن النظام الإيراني ذو تركيبة أمنية-سياسية معقدة، لذلك فهو لا يعول كثيرا على قيام السلطة القضائية بممارسة دور التسوية في الأزمة الجارية.
تنتقل المجلة إلى د. مدحت حماد، أستاذ الدراسات الإيرانية، الذي ينظر إلى الأزمة الراهنة باعتبارها صراع النظريات التي ستدير شئون إيران خلال السنوات العشر المقبلة، ويوافق د. المراغي في أنه لا يمكن القول بأن الأزمة الراهنة قد تؤدي لسقوط حكومة نجاد، أو وصفها بأنها "ثورة مضادة" للجمهورية الإسلامية، أو أنها ستنال من مكانة ولي الفقيه، معللا ذلك بأن نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت منذ ست سنوات، وحصل فيها نجاد على 35 مليون صوت، تصب مباشرة في اتجاه تأييد ولاية الفقيه وأسس الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي يعني أن نصف الشعب الإيراني يرغب في بقاء نجاد.
إن التظاهرات المتفجرة الآن في أنحاء إيران، ما هي إلا شكل من أشكال التعبير الحاد من جانب الإصلاحيين لإصابتهم بالعجز واليأس نتيجة سلسلة الهزائم المستمرة منذ نهاية عصر خاتمي، فطوال السنوات الخمس الماضية عانوا من التهميش والابتعاد عن هيكل السلطة تماما، فتولد لديهم إحساس بتهديد الوجود امتزج بأمل ظهر ثم اختفى سريعا، متمثلا في حصولهم على 11 مليون صوت ذهبت إلى مير حسين موسوي في الانتخابات الرئاسية الماضية. صحيح أنها لا تضاهي ثلث ما حصل عليه نجاد، لكنها تمثل رقما مهما يساوي عدد سكان مجلس التعاون الخليجي باستثناء السعودية، وبرغم ذلك لم يتحقق لديهم وجود في السلطة، فتولد لديهم شعور بالإحباط ترجم نفسه في صورة تعبير عنيف عن الغضب.
وعن مدى التشابه بين ما يجري الآن بإيران وأحداث 1979، يرصد الباحث محمد عباس ناجي، خبير الشئون الإيرانية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، النتائج التالية: لا يمكن القول إن الظروف متماثلة، فلا يوجد سوى جانب واحد للتشابه بينهما يتجسد في حالة الصراع بين التيارات داخل الثورة، لكن في الحالة الأولى رفض الطرف المهزوم النظام كلية، وسعى وما زال إلى تغييره، أما في الظرف الحالي، فإن الطرف المهزوم في الانتخابات لا يزال يصر على أنه جزء من الثورة، ولكن تطورات الأحداث ربما تدفع به خارج النظام بالفعل، وحينها يمكن القول إن النظام السياسي الإيراني سيسقط بفعل الأزمة الداخلية، أما الآن فمازالت الأزمة من داخل النظام وليست خارجه.
No comments:
Post a Comment