
المشاهد السياسي، 29 نوفمبر – 5 ديسمبر 2009
حدث ما حدث بعد اللقاء الكروي بين منتخبي مصر والجزائر وكأن الثورة المصرية لم تعرف يوما الثورة الجزائرية، أو كأن العداوة التاريخية متجذّرة بين البلدين الشقيقين. من لندن رصدت مجلة «المشاهد السياسي» حرب العرب الكروية، متسائلة: ما الذي يميّز العرب عن سواهم من الشعوب التي اكتشفت أخيرا ما يجمع بينها في شكل مؤسّسات وحدوية سياسية واقتصادية واستراتيجية، في حين لم يكتشف العرب، منذ أكثر من قرن، إلا ما يباعد بين دولهم وشعوبهم؟
لقد بات واضحا أن العلاقات المصرية - الجزائرية في أزمة، وأنها سوف تحتاج إلى جهد كبير ومساعٍ طويلة النفس من أجل ترميمها بعدما أصابها التصدّع من مختلف جوانبها. ويبدو أن الوضع مرشّح لمزيد من التأزّم ما لم يهتدِ العقلاء في الجانبين، والعقلاء العرب في أفريقيا العربية وخارجها، إلى صيغة تسوية تحفّظ ماء الوجه لما تبقّى من مشاعر الأخوة والعروبة. ويكفي أن نراجع الصفحات الأولى من الصحف الجزائرية، أو أي موقع إعلامي مصري كي نتأكد من حجم المفارقات في الزمن العربي الرديء.
لكن هناك صحفًا (أخرى) حاولت القراءة الباردة في المشهد الساخن، أبرزها «الأهرام» التي تطوّعت في زاوية «قضايا وآراء» لإدانة السلوك الإعلامي في مصر والجزائر في التعاطي مع مبارتَي التأهيل. الدكتور "سليمان عبد المنعم" كتب بهذا المعنى يقول: الإعلام هو بيت القصيد ومحور التساؤل، والتناول الإعلامي من جانب من يُفتَرض كونهم نخبة وحملة أقلام وصنّاع رأي هو سبب ما جرى، وإن لم يكن سببه فهو على الأقلّ مظهر الخجل وربما العار في ما جري.
ثم تكمل المجلة برصد تلك اللهجة العاقلة، التي تكلم بمثلها الدكتور أحمد خالد توفيق حين قال: يجب أن يتوقف طرف من الطرفين، ولسوف تكف هذه العجلة المجنونة عن الدوران. وليت الأخوة ذوي الدم الحامي والحس الوطني المتضخم الذين لا يقبلون الإهانات، يدخرون هذه العصبية القبلية للفساد والدكتاتورية ولإسرائيل ولمن أهان دينهم واغتصب نساءهم وذبح أطفالهم فعلًا. إن مصر أكبر من هذا فلا تهينوها بهذه الصغائر.. إن الجزائر أكبر من هذا فلا تخسروها بروح الانتقام البدائية هذه.
إذا كنا نريد حقًا فهم ما حدث ومحاولة إصلاحه، فالبداية هي أن نعترف بالدور السلبي والمقيت الذي لعبه بعض الإعلام في مصر والجزائر على حد سواء، وبما أنني مصري فلست أتردّد في القول بأن ما حدث من بعض الإعلام المصري أشعرني بالخجل الوطني، وأنا أشاهد بعض الفضائيات الرياضية المصرية الخاصة أو بعض رسوم الكاريكاتير والعناوين الفجّة القبيحة في صحف مصرية. ولعلّ ما حدث من بعض الإعلام الجزائري جدير أيضًا بأن يثير لدى الإخوة الجزائريين الأحرار الشعور ذاته. الأمر المؤكّد أن ما وقع فيه بعض الإعلام في مصر والجزائر من خطأ مهني وخطيئة أخلاقية وقومية قد ساهم بدور لا يمكن التنصّل منه في المشهد العبثي المحزن القائم الآن. هذا المشهد الذي كشف بدوره عن دلالات مخيبة للأمل.
إن ما حدث على مدى الأسابيع القليلة الماضية وما قد تشهده الأيام المقبلة لا قدّر الله سوف يفاقم ولا شك من الصورة الذهنية للعرب في عقول وانطباعات الآخرين، وهي صورة لم يكن ينقصها التدهور أو المزيد من الإساءة لأنها في الأصل كما نعرف صورة سلبية. والخاسر في هذا المشهد ليس مصر والجزائر فقط، بل الخاسر هم العرب أجمعون.
No comments:
Post a Comment