نيوزويك، 19 يناير 2010
نظرا إلى أننا شهدنا أسوأ فترة اقتصادية منذ 70 عاما، من غير المفاجئ أن الناس بدأوا يتساءلون أي نوع من المستهلكين والمستثمرين والمواطنين سينشأ بعد هذا الركود الكبير. حول هذا (الوضع الطبيعي الجديد)، كتبت "رنا فروهار"، بمشاركة "جيري غوو"، في أسبوعية "نيوزويك".
هل سيكون هناك بالفعل "جيل ركود" قوامه شبان، سيغير الانهيار الاقتصادي سلوكهم إلى الأبد؟هذا السؤال يكتسب أهمية كبرى في الولايات المتحدة، حيث يقول بعض المتفائلين: "لا"، فالأزمة لم تكن بكل بساطة سيئة وطويلة بما يكفي لتتسبب بنشوء جيل كساد جديد. لكن ثمة أدلة مقنعة تدحض وجهة النظر هذه، فقد أظهرت دراسة أجراها المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية -نشرت في سبتمبر الماضي وتتناول بيانات من عام 1972 حتى عام 2006- أن سنة قاسية واحدة في بداية سن الرشد كافية لتغيير قيم الناس وتصرفاتهم بشكل جذري. وفي الوقت نفسه، هناك الكثير من الأبحاث التي تظهر أن المولودين خلال فترة ركود لا يستثمرون بشكل أكثر حذرا فحسب، بل يميلون إلى جني أموال أقل ويختارون وظائف أكثر أمانا ويؤمنون بإعادة توزيع الثروات وبضرورة تدخل الحكومة بشكل أكبر. لكن المفارقة هي أنهم أكثر تشاؤما إزاء المؤسسات العامة والحياة أيضا، معتنقين المفهوم الأوروبي القائل إن النجاح منوط بالحظ أكثر منه بالمجهود. مدى معاناتهم من البطالة يحدد مدى اكتئابهم وانفصالهم عن مجتمعاتهم. فسياسيا، يمكن أن ينحازوا إما إلى اليسار أو اليمين، تبعا للروح الثقافية السائدة وهوية القادة الذين يغتنمون الفرصة للترويج لأنفسهم. فالأزمات الاقتصادية، في النهاية، لم تؤد فقط إلى الخطة الاقتصادية الجديدة (التي أطلقها الرئيس روزفلت) بل أيضا إلى نشوء الرايخ الثالث.
وتضيف المجلة: نظريا، يبدو أن أمريكا ومعظم بلدان الغرب تخطت الركود. لكن ثمة شعورا عاما بأن الأزمة ستغير النفوس والتصرفات بشكل دائم؛ ليس فقط بسبب الصدمة الكبيرة التي تسببت بها الأزمة المالية، بل أيضا بسبب تغير البيئة العالمية بحيث لن يعود المستهلك الأمريكي القوة المهيمنة الوحيدة في العالم، حتى وإن استمر الاقتصاد الأمريكي بالانتعاش.
إن البطالة وشبح عدم الاستقرار المتأتي منها سيغيران فعلا سلوك جيل الركود. فتدني قيمة الدولار سيجعل كل الأمريكيين يشعرون بأنهم أفقر بسبب ارتفاع كلفة السلع، لكن الجيل الشاب من المتخرجين الذين يذهبون للعمل الآن قد يصبح أفقر فعليا. فنسبة البطالة بين من تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاما في الولايات المتحدة تفوق الـ 15 بالمائة مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 10 بالمائة، وتظهر الإحصاءات أنه كلما ازدادت نسبة البطالة 1 بالمائة، تدنت أجور الخريجين الجدد بنسبة 6 بالمائة وهو تأثير يدوم عقودا.
لقد بدأت التغييرات السلوكية المتأتية من "الوضع الطبيعي الجديد" منذ الآن بالطبع. فمعدل الادخار الشخصي ارتفع أكثر من أربعة أضعاف منذ أدنى مستوياته عام 2008 ليصل إلى معدله الحالي البالغ 4.5 بالمائة. وإذا استمرت النزعات الحالية، فقد يحذو جيل الركود حذو جيل الكساد بطرق أكثر أهمية. وتظهر الأبحاث المتعلقة بالسعادة أن تدني عدد الخيارات أكثر إرضاء من وجود خيارات لامتناهية. مثلما بدا أن أجدادنا راضون على الرغم من امتلاكهم أموالا أقل، فإن أبناء جيل الركود هذا قد يكونون راضين عن وضعهم أيضا. لقد نشر عدد من الشركات الاستشارية، مثل "بي سي جي"، دراسات تظهر أن المستهلكين في الفترات التي تلي الأزمات يولون أهمية للوقت الذي يمضونه مع عائلاتهم وأصدقائهم تفوق أهمية المال. وهناك أيضا بصيص أمل بأن الأوقات العصيبة قد تجعلنا أكثر لطفا مع الآخرين. "كاثلين فوس"، وهي عالمة نفس مختصة بالشؤون الاستهلاكية في جامعة مينيسوتا، أظهرت أن مجرد التفكير في المال يجعل الناس أقل تأثرا بالألم، وأقل ميلا إلى مساعدة الآخرين، وأقل رغبة في التواصل مع الغرباء. ربما بدلا من أن يحصل تدافع لبلوغ قمة النجاح كما كان سائدا في ثمانينات القرن الماضي، سنتوقف لمساعدة الآخرين. طبعا سنكون أكثر حذرا من السقوط عن سلم الحياة ومن ثم أكثر تعاطفا مما كان أسلافنا.
نظرا إلى أننا شهدنا أسوأ فترة اقتصادية منذ 70 عاما، من غير المفاجئ أن الناس بدأوا يتساءلون أي نوع من المستهلكين والمستثمرين والمواطنين سينشأ بعد هذا الركود الكبير. حول هذا (الوضع الطبيعي الجديد)، كتبت "رنا فروهار"، بمشاركة "جيري غوو"، في أسبوعية "نيوزويك".
هل سيكون هناك بالفعل "جيل ركود" قوامه شبان، سيغير الانهيار الاقتصادي سلوكهم إلى الأبد؟هذا السؤال يكتسب أهمية كبرى في الولايات المتحدة، حيث يقول بعض المتفائلين: "لا"، فالأزمة لم تكن بكل بساطة سيئة وطويلة بما يكفي لتتسبب بنشوء جيل كساد جديد. لكن ثمة أدلة مقنعة تدحض وجهة النظر هذه، فقد أظهرت دراسة أجراها المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية -نشرت في سبتمبر الماضي وتتناول بيانات من عام 1972 حتى عام 2006- أن سنة قاسية واحدة في بداية سن الرشد كافية لتغيير قيم الناس وتصرفاتهم بشكل جذري. وفي الوقت نفسه، هناك الكثير من الأبحاث التي تظهر أن المولودين خلال فترة ركود لا يستثمرون بشكل أكثر حذرا فحسب، بل يميلون إلى جني أموال أقل ويختارون وظائف أكثر أمانا ويؤمنون بإعادة توزيع الثروات وبضرورة تدخل الحكومة بشكل أكبر. لكن المفارقة هي أنهم أكثر تشاؤما إزاء المؤسسات العامة والحياة أيضا، معتنقين المفهوم الأوروبي القائل إن النجاح منوط بالحظ أكثر منه بالمجهود. مدى معاناتهم من البطالة يحدد مدى اكتئابهم وانفصالهم عن مجتمعاتهم. فسياسيا، يمكن أن ينحازوا إما إلى اليسار أو اليمين، تبعا للروح الثقافية السائدة وهوية القادة الذين يغتنمون الفرصة للترويج لأنفسهم. فالأزمات الاقتصادية، في النهاية، لم تؤد فقط إلى الخطة الاقتصادية الجديدة (التي أطلقها الرئيس روزفلت) بل أيضا إلى نشوء الرايخ الثالث.
وتضيف المجلة: نظريا، يبدو أن أمريكا ومعظم بلدان الغرب تخطت الركود. لكن ثمة شعورا عاما بأن الأزمة ستغير النفوس والتصرفات بشكل دائم؛ ليس فقط بسبب الصدمة الكبيرة التي تسببت بها الأزمة المالية، بل أيضا بسبب تغير البيئة العالمية بحيث لن يعود المستهلك الأمريكي القوة المهيمنة الوحيدة في العالم، حتى وإن استمر الاقتصاد الأمريكي بالانتعاش.
إن البطالة وشبح عدم الاستقرار المتأتي منها سيغيران فعلا سلوك جيل الركود. فتدني قيمة الدولار سيجعل كل الأمريكيين يشعرون بأنهم أفقر بسبب ارتفاع كلفة السلع، لكن الجيل الشاب من المتخرجين الذين يذهبون للعمل الآن قد يصبح أفقر فعليا. فنسبة البطالة بين من تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاما في الولايات المتحدة تفوق الـ 15 بالمائة مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 10 بالمائة، وتظهر الإحصاءات أنه كلما ازدادت نسبة البطالة 1 بالمائة، تدنت أجور الخريجين الجدد بنسبة 6 بالمائة وهو تأثير يدوم عقودا.
لقد بدأت التغييرات السلوكية المتأتية من "الوضع الطبيعي الجديد" منذ الآن بالطبع. فمعدل الادخار الشخصي ارتفع أكثر من أربعة أضعاف منذ أدنى مستوياته عام 2008 ليصل إلى معدله الحالي البالغ 4.5 بالمائة. وإذا استمرت النزعات الحالية، فقد يحذو جيل الركود حذو جيل الكساد بطرق أكثر أهمية. وتظهر الأبحاث المتعلقة بالسعادة أن تدني عدد الخيارات أكثر إرضاء من وجود خيارات لامتناهية. مثلما بدا أن أجدادنا راضون على الرغم من امتلاكهم أموالا أقل، فإن أبناء جيل الركود هذا قد يكونون راضين عن وضعهم أيضا. لقد نشر عدد من الشركات الاستشارية، مثل "بي سي جي"، دراسات تظهر أن المستهلكين في الفترات التي تلي الأزمات يولون أهمية للوقت الذي يمضونه مع عائلاتهم وأصدقائهم تفوق أهمية المال. وهناك أيضا بصيص أمل بأن الأوقات العصيبة قد تجعلنا أكثر لطفا مع الآخرين. "كاثلين فوس"، وهي عالمة نفس مختصة بالشؤون الاستهلاكية في جامعة مينيسوتا، أظهرت أن مجرد التفكير في المال يجعل الناس أقل تأثرا بالألم، وأقل ميلا إلى مساعدة الآخرين، وأقل رغبة في التواصل مع الغرباء. ربما بدلا من أن يحصل تدافع لبلوغ قمة النجاح كما كان سائدا في ثمانينات القرن الماضي، سنتوقف لمساعدة الآخرين. طبعا سنكون أكثر حذرا من السقوط عن سلم الحياة ومن ثم أكثر تعاطفا مما كان أسلافنا.
No comments:
Post a Comment