نيو ستيتسمان، 4 يناير 2010
ترجمة: علاء البشبيشي
ومرَّ عام على العدوان الإسرائيلي ضد غزة، وما يزال سكان القطاع أسارى داخل وطنهم، يرزحون تحت وطأة حصار اقتصادي غاشم، ويتلظون بنيران صمت دولي رهيب، وتخاذل إقليمي غير مبرر. هكذا ظل المشهد طيلة 2009، كما صورتها مجلة نيو ستيتسمان، فيا ترى كيف سيكون خلال 2010؟
ولأن الفاجعة أكبر من أن تصوغها الكلمات، حاول "دونالد ماكينتاير"، تقريب الصورة بسرد قصة قصيرة جدا...
كانت فجيعتها صادمة جدًا في زوجها، عرفه، الذي مزقت جسده شظايا إحدى القذائف الإسرائيلية التي ضربت عربة الإسعاف التي كان يعمل عليها في أول أيام الغزو البري الإسرائيلي لقطاع غزة، يناير الماضي. لكنها اكتشفت أن التضامن التقليدي بين العائلات الغزيّة، التي ساندت آلاف الجرحى والمفجوعين على مدار العام، قد يضم جانبًا أكثر إيلامًا.
عرفة وزوجته وأولادهما الأربعة انتقلوا للعيش مؤقتًا في منزل زوج أمها، الذي اعتقدوه أكثر أمانًا. في يوم الرابع من يناير الذي توفي (استُشهد) فيه، غادر عرفه مستشفى العودة شمالي غزة، مع أول اتصال تلقاه هذا اليوم في تمام الساعة الثامنة صباحًا. لكنه عاد بجراح مميتة بعد أقل من ساعة. كان الطاقم المكون من ثلاثة أفراد قد علم بوجود جرحى حرب في مدينة بيت لحم المجاورة. وما إن بدأوا في رفع الجرحى إلى عربة الإسعاف، حتى بدأ القصف؛ العربة دُمرت، والسائق جُرح، وثاني أفراد الطاقم لقي حتفه على الفور، أما عرفه فقد أصيب بجروح بالغة.
لم تنته الحكاية بعد، فالأسوأ قادم. إسرائيل لم تكتف بقتل عرفه ورفاقه ومن ذهبوا لينقذوهم، بل قصفت سرادق عزائه، ليلحق خمسة آخرين من أفراد عائلته به، بالإضافة لأحد الجيران.
لم يكن عرفه سوى رجلا طيبا، رقيق القلب، لا يتوانى عن مد يد العون لمن يحتاج مساعدته كما يصفه أبوه- وربما لم يمسك يوما بسلاح، أو يطلق صاروخا باتجاه المغتصبات، لكن ذلك بالطبع لا يمثل شيئًا عند الإسرائيليين. الذين رفعوا في هذه الحرب شعار..
ستموت، فقط لأنك فلسطيني!
الأخبار السيئة لم تأتي بعد: بعد أقل من 24 ساعة، وبينما كانت العائلة تحضر القهوة والتمر للمعزِّين، ضربت المزيد من القذائف الإسرائيلية بيت العزاء، إحداها على الأقل كانت قذيفة مسمارية تنطلق منها أسهم مميتة طولها 4 سم، ما أسفر عن مقتل خمسة من أفراد العائلة، وأحد الجيران.
بعد أحد عشر عامًا، هاهي الزوجة وأبو زوجها، هاني، يجلسان تحت شمس نهاية الخريف الدافئة، في الفناء الأمامي للمنزل الكائن بعزبة عبد ربه، وهذا الأخير يفرك جبهته مرارًا وكأنه يستذكر ذاك اليوم، قبل أن يقول: "كان ولدي رجلا طيبًا، كان لا يتوانى عن مساعدة أي محتاج ولو كان حيوانًا صغيرًا يعاني". قبل أن يذهب لدوامه في الثامنة من ذاك الصباح، جلب بعض أرغفة الخبز القليلة لبيت والده. "وبحلول العاشرة صباحًا كان قد لقي حتفه".
في يوم وفاة عرفة، عادت الزوجة وحيدة لبيت الزوجية لتنظفه وتعد الطعام. لم يتذكر أحد أن يستدعيها ليخبرها بأن زوجها أصيب في القصف، فضلا عن إخبارها بمقتله. لكنها عادت لمنزل العائلة قبل عشر دقائق من عودة جثمانه.
No comments:
Post a Comment