
نيوزويك، 9 فبراير 2010
العالم الذي أوجد مصطلح "الدول المارقة" انتهى، وكلما أسرعت واشنطن في إدراك ذلك كان أفضل لها.. بهذه الكلمات استهلت مجلة نيوزويك موضوع غلافها الأخير، بقلم "نادر موسوي زاده" الذي كان المساعد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان من 1997 وحتى 2003، وهو باحث ومستشار كبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.
بعد سنة من إعادة باراك أوباما إطلاق علاقات أمريكا مع دول العالم المارقة، صدر الحكم النهائي بشأنها: فمن بورما إلى كوريا الشمالية، ومن فنزويلا إلى إيران، قوبلت اليد الممتدة بقبضة منقبضة. "أونج سان سوكي" لا تزال تحت الإقامة المنزلية في رانجون، وبيونج يانج لا تزال تختبر الصواريخ، وكراكاس لا تزال تندد بالإمبريالية الأمريكية، وإيران تجاهلت إنذارا نهائيا لها بحلول نهاية العام المنصرم لعقد صفقة بشأن برنامجها النووي. سياسة الحوار فشلت وأوباما يجهز نفسه الآن لتنفيذ التهديدات بفرض عقوبات أشد كما يجب عليه فعلا. أليس كذلك؟ حسنا، ليس بالضرورة.
إن ما أخفقت واشنطن في إدراكه بالكامل هو أن العالم الذي أوجد "الدول المارقة" قد انتهى. فهذه الفكرة افترضت وجود مجتمع دولي متحد خلف ما يُفتَرض أن تكون قيما ومصالح غربية شاملة، ويستطيع الاتفاق على ماهية هذه الدول المارقة وكيفية التعامل معها. بحلول نهاية تسعينات القرن الماضي كان هذا المجتمع الدولي يتفكك أيضا، مع صعود الصين وانبعاث روسيا وبروز الهند والبرازيل وتركيا كقوى حقيقية، وهي دول كلها لها مصالحها وقيمها الخاصة بها. ومن الواضح اليوم أن "المجتمع الدولي" المعروف بقيمه الغربية ليس سوى أسطورة، ومن الواضح أيضا أنه بالنسبة إلى الكثير من الدول فإن مصطلح "مارق" يمكن أن ينطبق أيضا على الولايات المتحدة كما ينطبق على الدول المارقة التي تريد الولايات المتحدة عزلها.إن ما يسعى العالم للحصول عليه من أمريكا هو قدر أكبر من الحوار والتعاطي، لا أقل، ولكن شريطة أن يكون ذلك قائما على الشراكة وليس على الهيمنة الأمريكية. لقد أصبح من الواضح الآن أن القيادة الأمريكية التقليدية هي أمر غير مرحب به سواء كانت ممثلة بشخص باراك أوباما أو، بقدر مساو، ممثلة بشخص جورج دبليو بوش.
وتشير المجلة إلى أن الرد على هذه الدول التي تتحدى النظام العالمي القائم لن يأتي على شكل عِصِيّ أو جزَر (حوافز وعقوبات) من واشنطن وحدها. فمواجهة تهديدات الانتشار النووي وانعدام الاستقرار الإقليمي يتطلب تشكيل تحالفات تكون راغبة فعلا، لا تحالفات يتم تشكيلها تحت الضغوط الأمريكية. مؤكدة أنه لم يعد من الممكن للولايات المتحدة ـ حتى في ظل رئيس كأوباما ـ حشد التأييد الدولي خلف أجندة أمريكية، أو حتى غربية أوسع.
وحذرت المجلة من أن حملة بقيادة أمريكية على الدول المارقة القديمة، في ضوء غياب مجتمع دولي حديث التشكيل، لابد لها من أن تعود بعكس النتائج المرجوة منها.
لا شيء سيؤدي إلى تعطيل هذا الوضع الراهن أكثر من منح قادة الدول المارقة ما يخشونه أكثر من أي شيء آخر: الإنهاء الكامل للعقوبات الاقتصادية الواسعة، والتجارة المفتوحة وغير المعاقة مع الطبقات التجارية التقليدية، والمبادلات التعليمية لطلبة بلادهم وسياسات السفر الأقل تقييدا لعامة شعوبهم، حتى مع إثبات العقوبات على تصدير السلاح وتأشيرات السفر للنخبة الحاكمة. إن مثل هذه السياسة تتمتع بقدر أكبر من القبول والدعم بين القوى الصاعدة والمنافسة ـ وكذلك بين شعوب الدول المارقة نفسها ـ كما أنها ستطلق سلسلة أحداث يرجح لها أن تسفر عن قدر أكبر من الأمن، وعن حكومات أكثر مساءلة.
إن من شأن تغيير سياسي بهذا الحجم، بالطبع، أن يواجه أكبر معارضة له في واشنطن من أي مكان آخر. فبالنسبة إلى معارضي أوباما في اليمين، فإن ذلك سيكون بمنزلة دليل لا يدحض على "ممالاته" لمحور الشر. وبالنسبة إلى حلفائه في اليسار الناشط، فإن ذلك سيمثل خذلانا لأجندتهم الخاصة بنصرة حقوق الإنسان. إن الحقيقة ـ التي يستطيع أوباما أكثر من أي زعيم أمريكي أن يوضحها ـ هي أن السياسة الأمريكية القائمة على عزل الدول المارقة أدت إلى فشل ذريع، وأن شراكة جديدة وحقيقية مع الدول المهمة اليوم تتمتع بفرصة أكبر بكثير للترويج للأمن وللكرامة الإنسانية في الدول المارقة.هل سيؤدي هذا النهج إلى التخفيف من حدة خطاب "هوجو تشافيز" أو صلف "روبرت موجابي"، وهل سيخفض من جنون الشك لدى "كيم يونج إل" أو يقلص من إحكام قبضة "أحمدي نجاد" القاسية على السلطة؟ ليس ذلك مرجحا. ولكن هذا النهج قادر على بدء صياغة بيئة عالمية أقل ودية للخطاب الصادر عن هؤلاء وجعلهم أكثر عرضة لتهم انعدام مشروعية أنظمتهم ـ في الداخل والخارج ـ وهو ما يصبح مع الوقت مقتل أي نظام. وأخيرا وليس آخرا، فإن مثل هذا النهج سيمنح سياسة الحوار التي أطلقها أوباما معنى يتجاوز مجرد الكلمات، ويبدأ في وضع أمريكا كقوة في القرن الـ21 تقود بقوة القدوة والمثال الحسن، وليس بالقوة العسكرية.
العالم الذي أوجد مصطلح "الدول المارقة" انتهى، وكلما أسرعت واشنطن في إدراك ذلك كان أفضل لها.. بهذه الكلمات استهلت مجلة نيوزويك موضوع غلافها الأخير، بقلم "نادر موسوي زاده" الذي كان المساعد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان من 1997 وحتى 2003، وهو باحث ومستشار كبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.
بعد سنة من إعادة باراك أوباما إطلاق علاقات أمريكا مع دول العالم المارقة، صدر الحكم النهائي بشأنها: فمن بورما إلى كوريا الشمالية، ومن فنزويلا إلى إيران، قوبلت اليد الممتدة بقبضة منقبضة. "أونج سان سوكي" لا تزال تحت الإقامة المنزلية في رانجون، وبيونج يانج لا تزال تختبر الصواريخ، وكراكاس لا تزال تندد بالإمبريالية الأمريكية، وإيران تجاهلت إنذارا نهائيا لها بحلول نهاية العام المنصرم لعقد صفقة بشأن برنامجها النووي. سياسة الحوار فشلت وأوباما يجهز نفسه الآن لتنفيذ التهديدات بفرض عقوبات أشد كما يجب عليه فعلا. أليس كذلك؟ حسنا، ليس بالضرورة.
إن ما أخفقت واشنطن في إدراكه بالكامل هو أن العالم الذي أوجد "الدول المارقة" قد انتهى. فهذه الفكرة افترضت وجود مجتمع دولي متحد خلف ما يُفتَرض أن تكون قيما ومصالح غربية شاملة، ويستطيع الاتفاق على ماهية هذه الدول المارقة وكيفية التعامل معها. بحلول نهاية تسعينات القرن الماضي كان هذا المجتمع الدولي يتفكك أيضا، مع صعود الصين وانبعاث روسيا وبروز الهند والبرازيل وتركيا كقوى حقيقية، وهي دول كلها لها مصالحها وقيمها الخاصة بها. ومن الواضح اليوم أن "المجتمع الدولي" المعروف بقيمه الغربية ليس سوى أسطورة، ومن الواضح أيضا أنه بالنسبة إلى الكثير من الدول فإن مصطلح "مارق" يمكن أن ينطبق أيضا على الولايات المتحدة كما ينطبق على الدول المارقة التي تريد الولايات المتحدة عزلها.إن ما يسعى العالم للحصول عليه من أمريكا هو قدر أكبر من الحوار والتعاطي، لا أقل، ولكن شريطة أن يكون ذلك قائما على الشراكة وليس على الهيمنة الأمريكية. لقد أصبح من الواضح الآن أن القيادة الأمريكية التقليدية هي أمر غير مرحب به سواء كانت ممثلة بشخص باراك أوباما أو، بقدر مساو، ممثلة بشخص جورج دبليو بوش.
وتشير المجلة إلى أن الرد على هذه الدول التي تتحدى النظام العالمي القائم لن يأتي على شكل عِصِيّ أو جزَر (حوافز وعقوبات) من واشنطن وحدها. فمواجهة تهديدات الانتشار النووي وانعدام الاستقرار الإقليمي يتطلب تشكيل تحالفات تكون راغبة فعلا، لا تحالفات يتم تشكيلها تحت الضغوط الأمريكية. مؤكدة أنه لم يعد من الممكن للولايات المتحدة ـ حتى في ظل رئيس كأوباما ـ حشد التأييد الدولي خلف أجندة أمريكية، أو حتى غربية أوسع.
وحذرت المجلة من أن حملة بقيادة أمريكية على الدول المارقة القديمة، في ضوء غياب مجتمع دولي حديث التشكيل، لابد لها من أن تعود بعكس النتائج المرجوة منها.
لا شيء سيؤدي إلى تعطيل هذا الوضع الراهن أكثر من منح قادة الدول المارقة ما يخشونه أكثر من أي شيء آخر: الإنهاء الكامل للعقوبات الاقتصادية الواسعة، والتجارة المفتوحة وغير المعاقة مع الطبقات التجارية التقليدية، والمبادلات التعليمية لطلبة بلادهم وسياسات السفر الأقل تقييدا لعامة شعوبهم، حتى مع إثبات العقوبات على تصدير السلاح وتأشيرات السفر للنخبة الحاكمة. إن مثل هذه السياسة تتمتع بقدر أكبر من القبول والدعم بين القوى الصاعدة والمنافسة ـ وكذلك بين شعوب الدول المارقة نفسها ـ كما أنها ستطلق سلسلة أحداث يرجح لها أن تسفر عن قدر أكبر من الأمن، وعن حكومات أكثر مساءلة.
إن من شأن تغيير سياسي بهذا الحجم، بالطبع، أن يواجه أكبر معارضة له في واشنطن من أي مكان آخر. فبالنسبة إلى معارضي أوباما في اليمين، فإن ذلك سيكون بمنزلة دليل لا يدحض على "ممالاته" لمحور الشر. وبالنسبة إلى حلفائه في اليسار الناشط، فإن ذلك سيمثل خذلانا لأجندتهم الخاصة بنصرة حقوق الإنسان. إن الحقيقة ـ التي يستطيع أوباما أكثر من أي زعيم أمريكي أن يوضحها ـ هي أن السياسة الأمريكية القائمة على عزل الدول المارقة أدت إلى فشل ذريع، وأن شراكة جديدة وحقيقية مع الدول المهمة اليوم تتمتع بفرصة أكبر بكثير للترويج للأمن وللكرامة الإنسانية في الدول المارقة.هل سيؤدي هذا النهج إلى التخفيف من حدة خطاب "هوجو تشافيز" أو صلف "روبرت موجابي"، وهل سيخفض من جنون الشك لدى "كيم يونج إل" أو يقلص من إحكام قبضة "أحمدي نجاد" القاسية على السلطة؟ ليس ذلك مرجحا. ولكن هذا النهج قادر على بدء صياغة بيئة عالمية أقل ودية للخطاب الصادر عن هؤلاء وجعلهم أكثر عرضة لتهم انعدام مشروعية أنظمتهم ـ في الداخل والخارج ـ وهو ما يصبح مع الوقت مقتل أي نظام. وأخيرا وليس آخرا، فإن مثل هذا النهج سيمنح سياسة الحوار التي أطلقها أوباما معنى يتجاوز مجرد الكلمات، ويبدأ في وضع أمريكا كقوة في القرن الـ21 تقود بقوة القدوة والمثال الحسن، وليس بالقوة العسكرية.
No comments:
Post a Comment