برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Sunday, February 28, 2010

جمهورية الاختلاف


المجلة، 15-22 فبراير 2010
بعدما تمكن رئيس الوزراء، سعد الحريري من تشكيل حكومة ائتلافية هشة، رأت مجلة (المجلة) أن هناك بصيص أمل في أن يصل لبنان إلى وضع أقرب للوضع الطبيعي.. وهذا الوضع في لبنان يعني أن تصبح الصراعات السياسية روتينية، وتتنقل داخل المؤسسات القائمة، ولا تدفع البلاد، على الأرجح نحو أعمال عنف. وفي حين قد تكون هذه الرؤية مفرطة في التفاؤل على الساحة السياسية، فإن النظر بمنظور أوسع يؤكد وجود قدر من الثقة في مستقبل لبنان.

لم يصل لبنان بعد لمرحلة "أقرب إلى الوضع الطبيعي". وهناك مؤشرات على أن لبنان لا يزال بعيدا عن ذلك، مثل التصريحات المتذمرة أخيرا حول الصراع مع إسرائيل، واستمرار الخلاف على التعيينات السياسية.
ومع ذلك، ففي الأشهر التي تلت تشكيل الحريري لحكومة ائتلافية هشة، هناك مؤشرات تدل على أن لبنان يدخل مرحلة سياسية واعدة، ليقدم رؤية لإمكانية تحقيق مستقبل أقرب إلى الوضع الطبيعي.
ولكن ماذا تعنى عبارة "أقرب إلى الوضع الطبيعي" بالنسبة للبنان؟ بالتأكيد هي ليست وضعا يتم فيه حسم أوجه القصور التي دفعت لبنان إلى الحرب الأهلية. وهى ليست وضعا تحل فيه المصالح الوطنية مكان الطموح الشخصي في إدارة العلاقات الإقليمية في لبنان. كما أنها ليست وضعا ينجح فيه لبنان بشكل ما في عزل نفسه عن جوانب القصور لدى جيرانه. وإنما تعني عبارة "أقرب إلى الوضع الطبيعي" في لبنان شيئا أكثر تواضعا بكثير. فهي تعني أن الصراعات السياسية أصبحت روتينية، وتتنقل داخل المؤسسات الحالية، ولن تدفع البلاد على الأرجح نحو أعمال عنف. كما تعني أن الأطراف السياسية تستطيع تنحية القضايا الأساسية الخاصة ببقائها جانبا لتسعى وراء جداول أعمال أوسع نطاقا، بما في ذلك الأمور الروتينية للحياة السياسية وقضايا أخرى تابعة لذلك مثل الإصلاح الدستوري. ثمة معنى آخر لعبارة "أقرب إلى الوضع الطبيعي" وهو ظهور ساحة سياسية في لبنان يمكن فيها مناقشة مستقبل البلاد، والجدل حوله وحتى النضال من أجله دون تعريض استقرار البلاد للخطر. وهي تعني أن "الجمهورية المحفوفة بالمخاطر" ربما تجد في نهاية المطاف، موطئ قدم راسخ لها.

وتتسائل المجلة: هل يعد ذلك بمثابة مبالغة في التفاؤل؟ لتجيب: ربما يكون الأمر كذلك إذا ركزنا فقط على الساحة السياسية. ولكن إذا نظرنا على نطاق أوسع، فسنجد أدلة وافرة على ظهور ثقة لا تزال هشة في مستقبل لبنان.
وتؤكد المجلة ضرورة ألا نغفل الاتجاهات السياسية الواعدة التي يبدو أنها تستجمع قواها. وحتى داخل الساحتين المحلية والإقليمية السياسية، هناك دلائل على أن الرياح تتحول بطرق تسمح بتفاؤل محسوب نحو ما ينتظر لبنان في المستقبل، على الأقل في المدى القريب.

ينبغي أن يشار هنا أيضا إلى أن هذا التقدم يكون ممكنا فقط إذا ظل المحيط الإقليمي داعما للاستقرار الداخلي للبنان. وهنا أيضا نجد أسبابا للتفاؤل الحذر من بينها التحسن الذي شهدته العلاقات السورية السعودية في الفترة الأخيرة، وقلة احتمالات تجديد الصراع مع إسرائيل بالرغم من التراشق بالأقوال والأفعال أخيرا من كل الأطراف.. ومع ذلك فإن إمكانية حدوث اضطراب أمر قائم.. فالهجوم على إيران وحدوث أفعال استفزازية من قبل إسرائيل أو حزب اللـه وإمكانية تعكير صفو التقارب الحالي بين سوريا والمملكة العربية السعودية بل وحتى حدوث أزمة داخلية غير متوقعة تؤدي إلى اختلال الحكومة الحالية؛ كل هذا يمكن أن يعصف بالتحول اللبناني البطيء إلى الوضع الطبيعي.
لهذه الأسباب جميعها، من السابق لأوانه أن نتخيل تحسن الوضع في لبنان أو نظن أن الاستقرار أصبح سائدا أو أن مواجهة الاضطرابات أصبحت أكثر فعالية أو أن نطاق الجدل الداخلي اتسع ليشمل قضايا تبدو الآن في غاية الخطورة. وبالرغم من كل هذا، ورغم أن بداية عام 2010 تشير إلى أن لبنان لم يصل إلى الوضع الطبيعي بعد، فإن هناك احتمالا لأن يصبح هذا البلد أقرب إلى الوضع الطبيعي. ومن المهم أن نراجع توقعاتنا باستمرار وأن نتوقع حدوث نكوص أو ارتدادات، بيد أنه في غضون ذلك، فإن الوقت الحالي هو الوقت المثالي الذي ينبغي فيه أن نقدر التحسنات البسيطة التي شهدها لبنان في الأشهر الأخيرة.

No comments: