برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Friday, February 12, 2010

الفضيحة التي لا يتصورها أحد


المشاهد السياسي، 5 فبراير 2010
ما قصّة "العصيّ القاتلة" التي تقتل العراقيين بالمئات؟ وهل تعافى الجسد العراقي من جراحات الحرب والخطف والتشريد والعنف الطائفي والأسلحة المغشوشة والأدوية واللحوم الفاسدة، ليفجع، أخيرا وليس آخرا، بكاشفات الألغام المغشوشة؟!
تحت عنوان (الفضيحة التي لا يتصورها أحد) حاولت مجلة المشاهد السياسي حلَّ لغز "الأجهزة لا تعمل" وفقا لما أثبتته إحدى الجامعات البريطانية. أما البطاقة التي ألصقت عليها وتحمل عبارة "تي إن تي" فقالت المجلة إنها مجرّد قطعة بلاستيكية في إطار معدني.
إنها (مهزلة وأكذوبة)، هذا ما تقوله "بي بي سي" و"تايمز" و"اندبندنت" وتردّده صحف العالم كلّها.

المفارقة أن القوّات الأميركية في العراق أبلغت المسؤولين العراقيين مرارا وتكرارا بأن هذه الأجهزة لا تصلح للكشف عن المتفجرات، وأن الشركة التي زودت القوات العراقية بهذه الأجهزة ليست مؤهلة لإنتاج معدات تكشف عن المواد التفجيرية، وكل ما في الأمر أنها تكشف عن العطور وبعض المواد الكحولية أو الكيميائية، وقد تكشف عن حشوة الأسنان من الذهب أو البلاتين.
هذه الأخبار هي بداية القصة. أما الرواية الكاملة فأكبر بكثير..
أول خيوط الفضيحة ظهرت في نوفمبر الفائت، عندما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن قوى الأمن العراقية لا تزال متمسكة بالاعتماد على جهاز لاكتشاف القنابل والمتفجرات والأسلحة، يقول عنه الجيش الأميركي والخبراء الفنيون إنه بلا نفع، ورغم ذلك، أقدمت الحكومة العراقية على شراء أكثر من ١٥٠٠ قطعة من هذا الجهاز المعروف باسم "إيه دي إي ـ ٦٥١"، بسعر يراوح بين ١٦٥٠٠ و٦٠ ألف دولار للقطعة الواحدة.
وقد حذرت وزارة العدل من مغبّة شراء مجموعة من المنتوجات التي يزعم أصحابها أنها قادرة على اكتشاف متفجرات من على مسافة بواسطة جهاز محمول. وأوضحت أن الآلات العادية للكشف عن المتفجرات عن بعد، والتي تستخدم غالباً في المطارات، تزن أطناناً وتكلّف مئات الآلاف من الدولارات.

المجلة نقلت عن "عقيل الطريحي" المفتش العام في وزارة الداخلية العراقية، قوله إن وزارته اشترت ٨٠٠ جهاز من هذا النوع، من شركة بريطانية تدعى "إي پي إس سي"، مقابل ٣٢ مليون دولار في العام ٢٠٠٨، ثم اشترت عددا آخر لم يحدده بمبلغ ٦٣ مليون دولار. مضيفًا: إن مسؤولين عراقيين دفعوا حوالى ٦٠ ألف دولار ثمن الجهاز الواحد، في حين أن في الإمكان شراءه لقاء ١٨٥٠٠ دولار أو أقل!

الغريب أن كل هذه التساؤلات والتأكيدات والشكوك لم تؤدّ إلى أي إجراء عراقي لجهة الكشف عن فعاليات الأجهزة البريطانية، ولم تثر أي رد فعل بريطاني رسمي، لا في التعامل مع صانع الأجهزة ولا في التعاطي مع الحكومة العراقية المستوردة. وتوالت التفجيرات وسقط مئات القتلى والجرحى، وظل ملف الأجهزة المغشوشة مقفلا. لم يقل أحد أن وزير الداخلية "جواد البولاني" قد يكون عقد صفقة لحسابه، ولم يتهم أحدا الجنرال "جهاد الجابري" أو الجنرال "عبد الكريم خلف"، رغم أن "نيويورك تايمز" قالت في حينه إن شركة "إيه تي سي" البريطانية لا ترد على اتصالاتها، وأن اثنين من مراسليها تجولا بسيارتهما في بغداد، ومعهما عدد من الرشاشات من نوع "بي كي سي" واستطاعا عبور عشر نقاط تفتيش، ولم تستطع أي نقطة الكشف عن هذه الأسلحة!
وقد سخر الساحر والناقد العلمي الأميركي "جيمس رندي" من هذه الأجهزة، واعتبرها "تزييفا صارخا".
يُشار إلى أن ضابط الشرطة السابق الذي قام بتطوير هذا الجهاز قبل عشر سنوات "جيم ماكورميك"، لم تكن لديه أي خلفية تقنية ولا علمية تخوله ابتكار مثل هذه الأجهزة. ورغم أن الشركة المصنعة لهذا الجهاز تدعي أنه يستطيع كشف أي شيء من متفجرات ومخدرات وغيرها من مسافة كيلومتر، فإن الحكومة الأميركية ذكرت أنها أجرت تجربة على جهاز مماثل للجهاز المذكور ففشل في اكتشاف شاحنة محملة بطن من المتفجرات، رغم مرورها خلف عامل أمن يحمل ذلك الجهاز.
ماذا يعني هذا كله؟ إنه يعني أن الفضيحة بدأت تتكشف فصولها، وأن الحكومة العراقية سوف تجد نفسها مضطرة للتحقيق في صفقة شراء الأجهزة المغشوشة، على خلفية التفجيرات والعمولات والتحقيقات الأميركية، وأن الفصول التي لم تُكشف بعد من الفضيحة قد تكون الأكثر إثارة!

No comments: