
نيوزويك، 30 يونيو 2009
حول تداعيات الانتخابات الإيرانية، قالت أسبوعية نيوزويك الأمريكية: إننا نشهد سقوط الثيوقراطية الإسلامية في إيران، وفشل
أيديولوجية تشكل أساس الحكومة الإيرانية. ولم تكن تعني بذلك أن النظام الإيراني على وشك السقوط، مع أن هذا قد يكون صحيحا –بل وتتمناه المجلة- لكنها توقعت أن مثل هذه الأنظمة يمكن أن تبقى قائمة مدة طويلة.
الأهم من ذلك ما قالته المجلة حول "أيدلوجية ولاية الفقيه" وكيف "مُنِيَت بضربة فتاكة الأسبوع الماضي"، بعدما كانت تمثل خطًا أحمرًا يحرم الاقتراب منه.
عندما أعلن المرشد الأعلى الحالي، آية الله علي خامنئي، أن فوز أحمدي نجاد في الانتخابات هو "حكم إلهي"، كان يستعمل السلاح الأساسي في ترسانة ولاية الفقيه، ألا وهو الموافقة الإلهية. لكن ملايين الإيرانيين لم يقتنعوا، وكانوا متأكدين من أن أصواتهم سُرِقت منهم. وسرعان ما اضطر خامنئي إلى القبول بضرورة إجراء تحقيق في الانتخابات. كما وعد مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة الدستورية العليا في إيران، بإجراء تحقيقات ولقاء المرشحين وإعادة فرز بعض الأصوات.
أدرك خامنئي أن وجود النظام على المحك لذلك يتخذ موقفا متصلبا الآن، لكن هذا لن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه. لقد أصبح واضحا أن الشرعية في إيران اليوم ليست متأتية من سلطة إلهية بل من الإرادة الشعبية. طوال ثلاثة عقود، مارس النظام الإيراني سلطته من خلال مكانته الدينية، مُقصيا الذين يتحدونه. لكن هذا لم يعد مجديا, والملالي يعرفون ذلك. بالنسبة إلى ملايين الناس، وربما معظم الإيرانيين، فإن النظام خسر شرعيته.لماذا يحدث هذا؟
لقد حصلت تظاهرات في إيران من قبل، لكنها كانت دائما تضع الشارع في مواجهة الدولة، وكان جميع رجال الدين يقفون إلى جانب الدولة. عندما كان الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في السلطة، كان ينظر في إمكانية دعم الشارع بعد حصول أعمال شغب طلابية عامي 1999 و2003، لكنه في النهاية قرر المحافظة على دعمه للنظام القائم. الشارع والدولة يتواجهان من جديد, لكن الفرق هذه المرة هو أن رجال الدين منقسمون. لقد دعم خاتمي بشكل علني المرشح المنافس مير حسين موسوي، وأيده أيضا آية الله العظمى الإصلاحي حسين علي منتظري. وحتى رئيس مجلس النواب علي لاريجاني، وهو ليس رجل دين لكن له علاقات عائلية وطيدة بأعلى مستويات الهرمية الدينية، عبر عن شكوكه بشأن الانتخابات. وفي الكواليس، يزعم أن الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني ـ وهو رئيس مجلس الخبراء، وهي هيئة دستورية مهمة أخرى ـ يشن حملة ضد أحمدي نجاد وربما أيضا ضد المرشد الأعلى. إذا شكك بعض كبار رجال الدين في "الحكم الإلهي" الذي تحدث عنه خامنئي، وجادلوا بأن مجلس صيانة الدستور مخطئ، فسوف يشكل ذلك ضربة قاضية للمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه جمهورية إيران الإسلامية. الأمر شبيه بقول قائد سوفييتي كبير عام 1980 إن كارل ماركس ليس المرشد المناسب للسياسات الاقتصادية.
قد تبقى الجمهورية الإسلامية قائمة لكنها –بحسب المجلة- ستكون مجردة من شرعيتها. كذلك بإمكان النظام أن ينتصر في هذا النزاع، ولعل هذه النتيجة في الواقع هي الأكثر ترجيحا. لكنه سيتمكن من ذلك من خلال اللجوء إلى حلول جذرية, تتمثل في حظر كل التظاهرات، واعتقال الطلاب، ومعاقبة كبار القادة، وشلّ المجتمع المدني.
وتضيف المجلة: مهما كانت النتيجة ـ القمع أو استيعاب المعارضة ـ من الواضح أن الملايين في إيران لم يعودوا مؤمنين بالأيديولوجية التي يحكم النظام على أساسها. وإذا تمسك النظام بالسلطة، فإنه سيفعل ذلك من خلال التهويل العسكري فقط، مثلما فعل الاتحاد السوفييتي في أواخر حقبة بريجنيف.
لقد شهدت الجمهورية الإسلامية انحسار شرعيتها على مر العقد الماضي. أولا أتى خاتمي، المصلح الذي حقق فوزا ساحقا في الانتخابات وبدأ بإجراء بعض الإصلاحات قبل أن يقوض عمله مجلس صيانة الدستور. هذه التجربة جعلت الملالي يقررون أن عليهم إعادة النظر في العنصر الديموقراطي الوحيد الذي سمحوا به في إيران, أي الانتخابات الحرة نوعا ما. الوسيلة التي اتبعها النظام لفرض سيطرته كانت انتقاء المرشحين المقبولين، وتأييد واحد أو اثنين منهم، والسماح بتصويت سري حقيقي. لكن في الانتخابات البرلمانية عام 2004، قرر مجلس صيانة الدستور أن الوسائل العادية لن تؤدي إلى نتائج مقبولة. فحظر ترشيح 3.000 شخص، بمن فيهم الكثير من النواب آنذاك. ولأن الدعم الشعبي كان غير مؤكد هذه المرة، اتخذ النظام خطوة إضافية، معلنا نتائج الانتخابات في غضون ساعتين وفوز أحمدي نجاد بفارق كبير يحول دون الطعن بالنتائج.
تجدُر الإشارة إلى أن الرئيس باراك أوباما صعّب إلى حد كبير على النظام الإيراني الادعاء بأنه يحارب أمريكا عدائية عازمة على مهاجمة إيران. لهذا السبب كانت ردة فعل خامنئي غاضبة جدا في معظم الخطاب الذي رد فيه على رسالة التهنئة بحلول رأس السنة الجديدة. فهي تقوض صورة الشيطان الأكبر التي غالبا ما يرسمها في خطبه.
لكن المسألة الحقيقية هنا لا تتمحور حول بضع كلمات من أوباما بل حول المجريات على الأرض في إيران. فترنح الجمهورية الإسلامية سيكون له تبعات في كل أنحاء العالم الإسلامي. مع أن إيران شيعية ومعظم العالم الإسلامي سني، فإن تسلم الخميني الحكم شكل صدمة لكل البلدان الإسلامية. وإذا انهار النظام الإيراني الآن، فسيكون المسار الذي دام 30 عاما قد انقلب.