برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Thursday, May 7, 2009

حجب الشمس


نيوزويك، 5 مايو 2005


فيما تزداد التوقعات المتعلقة بارتفاع درجات الحرارة تشاؤما، ينظر العلماء بشكل جدي إلى فكرة كانت تعتبر جنونية في الماضي، وهي: إعادة هندسة المناخ. حول هذه الأفكار الغير تقليدية، تحدثت مجلة نيوزويك هذا الأسبوع.
أطلق الثوران المفاجئ لبُركان "بيناتوبو" في 15 يونيو عام 1991 عمودا هائلا من الرماد إلى السماء، حاجبا الشمس، ورغم أنه تسبب في مقتل المئات، إلا أنه كشف عن طريقة لإنقاذ البشرية من كارثة مناخية محتملة.ذلك أن الـ20 مليون طن من ثاني أكسيد الكبريت المنبعثة من البركان ارتفعت من الفلبين إلى الطبقة العليا من الغلاف الجوي، مغلِّفة الكوكب بضباب عكس جزءا من حرارة الشمس نحو الفضاء. وخلال السنوات العديدة التالية، لاحظ علماء الطقس بذهول، أن هذا الضباب خفض حرارة الأرض بمعدل نصف درجة مئوية، مما أعاد عقارب الساعة إلى الوراء فيما يتعلق بالاحتباس الحراري. أما في القرن الذي سبق ثوران بيناتوبو، فكانت الغازات الدفيئة التي أطلقتها القطاعات الصناعية البشرية قد ساهمت في زيادة حرارة الأرض درجة واحدة.ولا يتطلب الأمر سوى حسابات بسيطة للاستنتاج أنه يمكن القيام بشكل اصطناعي بما قام به البركان بشكل طبيعي. نشر ثاني أكسيد الكبريت بشكل دقيق في الطبقة العليا من الغلاف الجوي، وهو أمر يمكن تحقيقه من خلال إطلاق الغاز من الصواريخ، أو رشه بواسطة طائرات تحلق على ارتفاع شاهق، أو إطلاقه من مدخنة كبيرة، سيكون له تأثير شبه فوري على الحرارة. وستكون كلفته أقل بألف مرة من البدائل الأكثر تفاؤلا للحد من الانبعاثات. وقد بدأت مجموعة صغيرة من العلماء بدراسة كيفية تنفيذ هذا النوع من الهندسة المناخية، بأكثر الطرق فعالية، وبأقل قدر من التأثيرات الجانبية.وخلال العقدين الماضيين، بدأت الهندسة المناخية تتضمن وسائل إضافية لإصلاح المناخ، بما فيها تعديلات جديدة على تأثير بركان بيناتوبو، باستخدام ثاني أكسيد الكبريت أو مواد أخرى، بهدف عكس أشعة الشمس نحو الفضاء الخارجي. كما يمكن وضع مجموعة من المرايا في مدار الأرض، مما قد يحجب أشعة الشمس عن الأرض، لكن كلفة ذلك قد تؤدي إلى إفلاس الكوكب.
وبين كل الغموض المحيط بالتغير المناخي، هناك أمر واحد أصبح جليا: وهو أن الكربون يبقى في الجو لفترة زمنية طويلة قد تصل إلى ألف سنة، مستمرا في زيادة حرارة الكوكب مهما كانت تخفيضات الانبعاثات جذرية في المستقبل. لذا يكتسب حلم الهندسة المناخية طابعا أكثر إلحاحا: وهو يقضي بتغيير المناخ بوسائل اصطناعية، إما من خلال شفط الكربون من الهواء أو تبريد الهواء بواسطة أحجبة تعكس أشعة الشمس.
وتقول المجلة: إن علم الهندسة المناخية بقي على هامش السياسات المناخية حتى وقت ليس بعيدا. فالخبراء كانوا يستهزئون بأفكاره، معتبرين إياه علما جنونيا، ومعبِّرين عن خوفهم من أن يقوض الحملة للحد من انبعاثات الكربون. متعللين بأن الناس لن يقوموا بتضحيات كبيرة لمكافحة الاحتباس الحراري، إن كان لديهم انطباع بأنه يمكن إزالة التهديد بحيلة هندسية سهلة. فضلا عن ذلك، فإن فكرة الهندسة المناخية بحد ذاتها تخيف الناس.
أضف إلى ذلك ما شهده القرن الـ20 من جهود أقلَّ طموحا لإعادة هندسة الأرض؛ من خلال تحويل مجرى الأنهار مثلا، الأمر الذي أدى إلى نتائج كارثية.
لكن الآن، بدأ الكثير من العلماء يأخذون الهندسة المناخية على محمل الجد، وإن كان ذلك فقط بدافع اليأس. ومع ازدياد عدد خبراء المناخ الذين يعتقدون أن المعدلات الحالية حتى من التلوث بسبب الكربون ترفع حرارة الأرض بشكل أسرع مما كان يُعتقد في الماضي، لم يعد بالإمكان تجاهل الأسباب التي تدعو لتطوير خطة طوارئ لإنقاذ الأرض. وقد أيد "بول كروتزن" و"توماس شيلينغ" الفائزان بجائزة نوبل الحاجة إلى خطة لهندسة المناخ. وبدأت الجمعية الملكية البريطانية بدراسة الخيارات. ودعت الأكاديميات الوطنية الأمريكية للعلوم إلى مؤتمر تمت فيه مناقشة الهندسة المناخية، وحددت موعدا لعقد اجتماع في يونيو للبحث في التفاصيل المتبقية. وفي هذا يقول مايكل أوبنهايمر، عالم المناخ في جامعة برينستون: "لم يتم إدراجها على جداول الأعمال السياسية بعد، لكن العلماء بدؤوا يتكلمون عنها على أنها خيار".
لكن النقَّاد يقولون: إن الهندسة المناخية ستتسبَّبُ بالكثير من التأثيرات الجانبية السلبية. فأحد مساوئ ثاني أكسيد الكبريت هو أنه يدمر طبقة الأوزون، مما يعرِّض الناس في نصف الكرة الجنوبي إلى الأشعة فوق البنفسجية القاتلة. لكنّ هناك اختلافًا في الآراء بشأن مدى حدة هذا الضرر. وقد زاد بركان بيناتوبو من حجم ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي بنسبة ضئيلة جدا، لكن بعض الدراسات تشير إلى أن إطلاق كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكبريت قد يزيد من حجم ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي، وربما يتسبب أيضا بثقب فوق القطب الشمالي. وإحدى الطرق لتفادي هذه المشكلة تقضي بتطبيق الحل ببطء؛ بمعنى إطلاق القليل من ثاني أكسيد الكبريت، ودراسة كيفية تجاوب المناخ، ثم إطلاق المزيد بعد ذلك. فإن لحِقَ ضرر كبير بطبقة الأوزون، يمكن إيقاف التجربة وسيتبدد ثاني أكسيد الكبريت بسرعة.أما التأثير الجانبي الأكثر ضررا قد يكون سياسيا؛ فالنجاح في تخفيض الحرارة، أو حتى المعرفة بأن العلماء قادرون على ذلك، قد يحُدُّ من الإرادة السياسية لتخفيض الانبعاثات المكلفة. قد تكون فكرة هندسة المناخ مخيفة، لكن قد يستحيل تجنبها أيضا، ولهذا السبب حري بصانعي السياسات أن يبدؤوا بالتفكير في المسألة الآن. إن تسارعت وتيرة الاحتباس الحراري في السنوات المقبلة، ستبدو أي فكرة تهدف إلى وضع حد له أفضل من البديل.

No comments: