برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Monday, May 18, 2009

الخوف والأنفلونزا



نيوزويك، 12 مايو 2009

كيف ينتقل فيروس من الخنازير والطيور إلى البشر في أنحاء العالم؟ ولماذا تتفاقم مخاطر جراثيم مثل إنفلونزا أتش 1 أن 1 بهذه الصورة المرعبة؟ سؤالان طرحهتما مجلة نيوزيوك في مستهل موضوع غلافها الأخير، والذي جاء تحت عنوان (الخوف والأنفلونزا)، للكاتبة "لوري جاريت"، الحاصلة على جائزة "بوليتزر"، والتي تعتبر من كبار الأعضاء المختصين بالصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، وهي مؤلِّفَة كتابيْ (الوباء القادم: أمراض جديدة في عالم مختل التوازن)، و(فقدان الثقة: انهيار نظام الصحة العامة العالمي). إليكم الوضع إذن.لدينا فيروس جديد في العالم يبدو أنه مُعْدٍ جدًا بين البشر، وربما بين الخنازير والبشر. ولا يزال هذا الفيروس يتطور وينتشر، ومساره النهائي غير واضح إلى الآن. بل ما زلنا نجهل مدى فتك الفيروس: في حين أن المكسيك تمكنت من إحصاء عدد القتلى والمصابين بفيروس أتش 1 أن 1 الذين توجَّبَ إدخالهم إلى المستشفيات، لا يمكنها أن تحدد عدد المكسيكيين الذين أصيبوا بالفيروس منذ أن بدأ بالانتشار هناك في أواخر مارس. القول مثلا: إن 150 شخصا من أصل 10 ملايين مصاب توفوا، يؤدي إلى معدل وفيات مشابه لما نراه في حالات الإصابة بالإنفلونزا الموسمية العادية. هناك فيروس بشري آخر من نوع أتش 1 أن 1 مشابه جدًّا لإنفلونزا الخنازير، ينتشر في العالم. ومع أنه واسع الانتشار، فهو ليس فتّاكًا بشكل غير اعتيادي. ففي العام الماضي، اكتسب هذا الفيروس مناعة ضد دواء تاميفلو. وسيكون من المقلق جدا أن يختلط الفيروس البشري أتش 1 أن 1 الذي انتشر عام 2008 بالفيروس البشري الخنزيري الجديد، مما قد يجعلنا نواجه وباء إنفلونزا أكثر مقاومة للعقاقير، ولا يمكن علاجه إلا بواسطة دواء ريلينزا الذي يتم استنشاقه بواسطة منشاق.وثمة وباءٌ ثالث أقدم منتشر بين الدواجن، ويصيب البشر أحيانًا، يتضمن فيروس أتش 5 أن 1. هذا الوباء منتشر منذ مدة طويلة، بحيث إن الفيروس تطور بأشكال مختلفة، بما فيها أشكال مقاومة للعقاقير.وترى المجلة أن المشكلة الكبرى تكمن في أننا نعيش في عالم معولم، ممتلئ بالتهديدات الجرثومية المشتركة التي تنشأ في مكان ما، وتتفاقم في مكان آخر من خلال النشاطات البشرية التي تساعد وتشجع تكاثر الجراثيم، ومن ثم تنتشر عبر مساحات جغرافية شاسعة في غضون أيام أو حتى ساعات، والسبب يعود من جديد إلى النشاطات والتحركات البشرية. وإن كان لا بد من إلقاء اللوم، فيجب توجيهه إلى الجنس البشري والطرق التي يغيِّر بها البيئة العالمية، موفرًا للجراثيم ـ مثل فيروس الإنفلونزا ـ فرصا جديدة ومهمة للتطور والتحول والانتشار.لحسن المقادير أن المكسيك أظهرت للعالم كيف يمكن لدولة مسؤولة أن تواجه وباء محتملا؛ فمن خلال التحرك بسرعة لإقفال المدارس وأماكن الترفيه والتجمعات الاجتماعية، تواجه المكسيك - التي يعاني اقتصادها أصلا من أزمة حادة - عواقب مالية وخيمة. لكن خطواتها الجذرية قد تنقذ أرواح المكسيكيين، وتبطئ انتشار وباء عام 2009. من هذه الناحية، يدين العالم للمكسيك بشكر كبير.وعلى حكومات العالم أن تُولي انتباها لردة فعل المكسيك، وأن تتعلم منها. وتعيد الحكومات في كل أنحاء آسيا، استعمال أجهزة مراقبة الحرارة القديمة التي استعانت بها خلال انتشار وباء متلازمة ضيق التنفس الحاد (سارس)، من أجل فحص الناس بحثا عن أدلة على إصابتهم بالحمى. هذا كان فعالا ضد انتشار وباء سارس، لأن فيروس سارس كان يُعدي فقط عندما يكون الناس مصابين بالحمى. لكن هذا لا ينطبق على الإنفلونزا، التي يمكن أن تكون مُعدية جدًا قبل أن يبدي المصاب أي أعراض، ناهيك عن إصابته بحمى.لاتخاذ إجراءات أذكى فيما يتعلق بالخنازير، ينبغي النظر إلى البيئة الغريبة التي خلقناها لتوفير اللحوم للأعداد الهائلة من البشر. إنه عالم غريب، حيث يتم وضع مليارات الحيوانات في أمكنة ضيقة، ويتم نقل المواشي، بهدف التناسل، إلى مزارع في كل أنحاء العالم، وتعريض العمال المهاجرين الذين يتقاضون أجورًا زهيدة لعدوى الحيوانات المصابة. وسوف يزداد الأمر سوءا، عندما ترتقي الشعوب التي كانت فقيرة في الهند والصين إلى الطبقة الوسطى. عام 1980، كان استهلاك اللحوم للفرد الواحد في الصين يبلغ نحو 44 رطلا في السنة.. اليوم، أصبح يتجاوز الـ 110 أرطال. وعام 1983، كان العالم يستهلك 152 مليون طن من اللحوم سنويا. وبحلول عام 1997، ارتفع الاستهلاك إلى 233 مليون طن. وتقدر منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2020، قد يفوق الاستهلاك العالمي من لحوم الخنزير والدجاج والأبقار والأسماك التي تربى في مزارع الـ 386 مليون طن.هذه بيئة تولّد الإنفلونزا في قطاعي تربية الخنازير والدجاج. إنها بيئة تشجع تطور الفيروسات. وإذا لم نتخذ خطوات لمعالجة ذلك، فإن هذه البيئة ستؤدي يوما ما إلى وباء خطرُه أسوأ بكثير من وباء عام 1918.

No comments: