
مجلة ذي إيكونوميست البريطانية، 3 يناير 2009
ترجمة: علاء البشبيشي
(ستواجه إسرائيل في غزة نفس النتيجة التي مُنيت بها في حرب لبنان عام 2006، كما ستجد صعوبة في إنهاء هذه الحرب، وفي سوق التبريرات لها). نتيجة توقعات أسبوعية ذي إيكونوميست البريطانية في معرض تناولها للتطورات الدامية التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وبالتحديد قطاع غزة، هذه الأيام.
وقد وصفت المجلة ما يحدث في غزة بأنه "صدمة"، مؤكِدة أن "الصور التي تبثها شاشات التلفاز للمدنيين المصابين ينخلع لها الفؤاد"، لكنها في الوقت ذاته حاولت تبرير المجزرة الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة، مُلقِية المسئولية فيما يحدث على عاتق صواريخ المقاومة، ومعربة عن تفهمها لما أسمته "الاستفزاز الذي تعرضت له إسرائيل"!
على إسرائيل ألا تندهش من سيل السخط الجارف الذي يموج به العالم الآن ضدها؛ وذلك لا يرجع فقط إلى أن الناس نادرًا ما يؤيدون الجانب الذي يمتلك طائرات الـ إف 16، ولكن لأن أي حرب ينبغي أن تجتاز 3 اختبارات لتنجح في تسويق نفسها. أول هذه الاختبارات: أن تستفرغ الدولة كل السبل المتاحة الأخرى في الدفاع عن نفسها، وثانيها: أن يتوافق حجم الهجوم مع الهدف الموجه ضده، والثالث: أن تكون أمامها فرصة معقولة لتحقيق أهدافها. وعلى صعيد الاختبارات الثلاثة سالفة الذكر تبقى الأرضية الإسرائيلية متأرجحة بصورة أكبر مما تعترف به.
صحيح أن إسرائيل تواجه إطلاق الصواريخ من قطاع غزة منذ فترة طويلة، لكن كان بإمكانها إيقاف هذه الصواريخ بوسيلة أخرى (غير القصف). وليس صحيحًا أن إسرائيل تسعى فقط لتهدئة الأجواء بمحاذاة حدودها، بل هي تحاول أيضًا تقويض سيطرة حماس؛ بإحكام حصار اقتصادي خانق على غزة، في الوقت الذي تعزز فيه اقتصاد الضفة الغربية، التي يُسيطر عليها علمانيو حركة فتح القابلون للانحناء.
حتى في أثناء الهدنة المنهارة كانت إسرائيل تمنع كل شيء من الدخول إلى قطاع غزة، اللهم إلا بعض المساعدات الإنسانية الهزيلة. لذلك إذا ما تعللت إسرائيل بأنه تم استفزازها، فبإمكان حماس هي الأخرى أن تقول إنها استُفزت. أما إذا قررت إسرائيل إنهاء الحصار، فبالإمكان أن تقبل حماس بتجديد الهدنة. بل الواقع الذي يُستنبَط من دوافع الأخيرة يقول إن حماس استأنفت إطلاق النار لتُجِبر إسرائيل في الدخول إلى هدنة جديدة وفق شروط تضمن فتح الحدود.
لكن هذه الهدنة بحاجة إلى وسيط، والسيد أوباما لم يتبوأ مقعد الرئاسة بعد، أما الرئيس بوش فيقف عاجزًا عن فعل أي شيء، كحاله عام 2006 عندما انتظر ضربة إسرائيل القاضية (لحزب الله)، لكنها لن تأتي أبدًا.
وبحسب المجلة فقد فشلت إسرائيل في تسويق عدوانها على قطاع غزة، رغم الحملة الدبلوماسية الواسعة التي استبقت بها التحرك العسكري، وخير دليل على ذلك هذا السيل من الإدانات الذي انهال على إسرائيل من كل حدب وصوب.
وترى المجلة أن المفصل الأكثر أهمية في هذا الصراع - على الأقل في المرحلة الراهنة- هو المعابر، التي لن تتم أي تسوية مستقبلية مع حركة حماس بدون فتحها. ولأن حماس، باعتراف كثيرين ومنهم الأسبوعية البريطانية، عصِيَّة على الهزيمة، فلا بد من إيجاد حلِّ لا تفرضه طائرات الـ إف 16، ولا يأتي على متن دبابات الميركافا الصهيونية.
هاهي الأرقام تتحدث عن نفسها؛ ففي الأيام الثلاثة الأُول قُتِل 350 فلسطينيًا مقابل 4 إسرائيليين. وهؤلاء الفلسطينيون الذين تقصفهم إسرائيل اليوم من المفترض أن يكونوا جيرانها في المستقبل.
هل نسيت إسرائيل بهذه السرعة الدرس الذي تلقته في حرب لبنان؟ هي تحاول الآن تعويض خسارتها ضد حزب الله في الماضي بتلك الحملة التي تشنها ضد حماس الآن. ومع تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، تهتم إسرائيل بتذكير أعدائها بأن الدولة اليهودية لازالت قادرة على خوض الحروب والانتصار فيها.
ولكي تجلس حماس على الطاولة، فإن إطلاق النار سيتطلب وقفًا للحصار الإسرائيلي، وهذا سيكون أمرًا جيدًا في حد ذاته، لما سيشكله من تخفيف للمعاناة عن كاهل الشعب الفلسطيني، وإزالة أحد الأسباب التي تسوقها حماس من أجل استمرارها في القتال.
وبعد ذلك سيكون على أوباما لملمة ما تبقى من دبلوماسية في الشرق الأوسط.
ولما كانت حماس عَصِيَّة على الإبادة، فمن الضروري إيجاد طريقة تدفعها لتغيير سياساتها، ولن تكون القنابل وحدها قادرة على فعل ذلك.
No comments:
Post a Comment