برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Wednesday, January 14, 2009

خطـة هجـوم مـن أجـل الســلام


نيوزويك، 13 يناير 2009


"بحسب المنطق القاسي في الشرق الأوسط، فإن الحرب هي شكل من أشكال الدبلوماسية".. حقيقة عبَّرت عنها مجلة نيوزويك الأمريكية في صدر موضوع غلافها الأخير، وكانت تقصد أن إسرائيل ما شنت حربها على قطاع غزة إلا لتنتزع مواقف سياسية في أي تهدئة قادمة. مما يؤكد أن صواريخ المقاومة لم تكن هي السبب المباشر وراء هذه الحرب، بل هي خطة مجهزة كانت ستتم ولو صمتت الصواريخ.
لكن أن تُفرضَ التسوية بدماء المئات من المدنيين، وتُبتَز المواقف بأشلاء الأطفال والنساء والشيوخ، لهو منطق غريب لا يوجد إلا في قاموس الاحتلال. فهل يُعقل أن يمحى من قاموس العرب كل المفردات، وتبقى جملة (السلام هو خيارنا الاستراتيجي)!
على كل حال، فرغم احتراق غزة، واستهداف حمامة السلام بنيران الصهاينة، ترى المجلة أن هناك حلا يلوح في الأفق، سيكون الرابح فيه بالطبع هو أكثر من أثبت صمودًا في ميدان المعركة، في عالم لا يعرف إلا لغة القوة.

معظم العالم الخارجي، يرى، بشكل مبرر، أن حملة غزة مجرد تفجر رجعي آخر للعنف بين العرب والإسرائيليين، سيؤدي من جديد إلى تقويض الجهود المبذولة للتوصل إلى سلام. لكن هذه الهجمات لم تكن مجرد ردة فعل، بل جاءت نتيجة لحسابات دقيقة.في الواقع، يقول مصدر إسرائيلي مطلع على طريقة تفكير أولمرت، طلب عدم الإفصاح عن هويته ليتمكن من التحدث بحرية: إن رئيس الوزراء يأمل في تحقيق هدفين من هجومه على غزة: الأول هو ببساطة، وضع حد للصواريخ التي تطلقها حماس على إسرائيل، وفرض إعادة العمل بوقف إطلاق النار الذي كان قائما حتى 19 ديسمبر. والهدف الثاني، بحسب المصدر نفسه، أكثر طموحًا - وخطورة – بكثير؛ فرئيس الوزراء يريد سحق حماس نهائيا؛ أولا من خلال الهجمات الجوية، ومن ثم من خلال قصف مدفعي وهجوم بري مدمريْن. الأمل من ذلك، مع أنه ضعيف، هو السماح في النهاية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحكومته التي تسيطر عليها حركة فتح، بإعادة بسط السلطة على غزة، مما يتيح العودة إلى مفاوضات سلام جدية في المستقبل.
بزوال حماس، يعتقد أولمرت أن هناك فرصة في أن تتمكن إسرائيل والفلسطينيون من تطبيق مسودة خطة السلام الشاملة التي توصل إليها مع عباس العام الماضي.هل هذه مجرد أوهام؟ على الأرجح نعم؛ فبعد الكثير من المحاولات الفاشلة، أصبحت عبارة "عملية السلام" خالية من المعنى. ومحفزات أولمرت لدخول غزة قد تكون مرتبطة بالسياسات الداخلية بقدر ارتباطها بالسياسة الخارجية. بعدما أصبح في موقع ضعيف ويواجه تهم فساد، يحاول إنقاذ إرثه الملطخ. لكن رغبة كل من أولمرت وعباس في التفاوض تعكس الواقع الصعب والمزعج بشأن العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية. هناك سبيل واحد للتوصل إلى سلام، وكلا الفريقين يعرف ما هو، ومع ذلك، لم يكن أي منهما مستعدا لسلوكه. أعمال العنف والتفجيرات والتهديدات والتهديدات المضادة أصبحت مضنية وغير منطقية بشكل خاص؛ لأنها في الحقيقة تكتيك متقن للمماطلة.
وتشير المجلة إلى أن خطة أولمرت الحالية للتسوية تتطلب من الفلسطينيين القبول بتنازلات مجحفة في المسائل الأساسية المتعلقة بالأرض والأمن والقدس واللاجئين الفلسطينيين. وهو الأمر الذي لا تزال فصائل المقاومة ترفضه حتى الآن؛ باعتباره تفريطًا في ثوابت لا يملك أحد الحق في التنازل عنها.هناك أمر آخر يبدو أنه لا يزال مشوشًا في أذهان الكثيرين، وهو أن فلسطين – كل فلسطين – هي أرض عربية إسلامية، لا يجوز لأحد أن يُفرِّط في شبر واحد منها، مما يعني أن أي قبول بحدود الـ 67 مثلا، يجب أن يكون تحركًا تكتيكيًا، لا استراتيجية دائمة، وإلا فدماء الآلاف التي سالت على ثرى فلسطين في حرب 48 تكون قد ذهبت سدى.
الوضع يبدو متأزمًا بعد أن تغير السياق الاستراتيجي للمنطقة، إلى حد كبير، نحو الأسوأ؛ فحرب جورج بوش الابن على الإرهاب قوضت مصداقية أمريكا في الوطن العربي، فضلا عن ذلك، فإن قادة الدول العربية المقربة من الولايات المتحدة خسروا شرعيتهم، ويواجهون معارضة شعبية كبيرة في الداخل. في غضون ذلك، فإن قيام حكومة شيعية في بغداد، وهي الأولى منذ 500 عام، فضلا عن تنامي نفوذ إيران، زاد من حدة التوتر بين الشيعة والسنة في كل أنحاء الشرق الأوسط.
قد يكون الإسرائيليون الآن أكثر تقبلا من ذي قبل لهذا النوع من الضغوط. فالوقت لم يعد حليفهم، بعد أن أصبحت معدلات الإنجاب لدى العرب ترتفع بشكل ملحوظ. وبحسب معظم التقديرات، إذا أصرت إسرائيل على الحفاظ على سيطرتها على الضفة الغربية، فإن الأرض الممتدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط ستكون ذات غالبية عربية في السنوات المقبلة، وبالتالي، فإن السبيل الوحيد لبقاء إسرائيل -دولة يهودية- هو السماح بإقامة دولة فلسطينية. ولا شك في أن المفاوضات ستكون طويلة وشاقة.

No comments: