
ذي أميركان كونسرفيتيف، 26 يناير 2009
ترجمة: علاء البشبيشي
ترجمة: علاء البشبيشي
الحرب على غزة نجحت في معاقبة الفلسطينيين، لكنها لم تنجح في جعل إسرائيل أكثر أمنًا. نتيجة خلُصت إليها مجلة ذي أميركان كونسرفيتيف، بعد أن وضعت الحرب في غزة أوزارها، وتكشفت عن دمار هائل ألجم الألسنة، وأسكت أرباب البيان!وترى المجلة أنه بالنظر إلى الأهداف التي أطلقتها إسرائيل قبل هذه الحرب، يتبين أنها قد فشلت فشلا ذريعًا في تحقيق أي منها، بل ربما أتت الرياح بغير ما اشتهته القيادة الصهيونية
وتقول المجلة: يزعم الإسرائيليون ومن يدعمونهم من الأمريكيين، أن الدولة العبرية تعلمت الدرس جيدًا من حرب لبنان الكارثية عام 2006، وأنها ابتكرت استراتيجية نصر من أجل حربها الحالية ضد حماس. لكن لا تصدقوا إسرائيل إن قالت بأنها انتصرت في هذه الحرب؛ فقد ابتدأت بغباء حربًا أخرى لا يمكنها الانتصار فيها،فالحملة العسكرية على غزة كانت تهدف إلى أمرين: أولا:- وقف الصواريخ التي يطلقها الفلسطينيون على جنوب إسرائيل منذ انسحابها من غزة في أغسطس 2005.ثانيًا:- استعادة الردع الإسرائيلي، الذي قيل إنه أُضعف نتيجة الفشل في لبنان، والانسحاب الإسرائيلي من غزة، وعجزها عن إيقاف برنامج إيران النووي.لكن هذه ليست الأهداف الحقيقية التي أدت لشن هذه العملية العسكرية، أما النية الحقيقية فمرتبطة برؤية إسرائيل بعيدة المدى حول كيفية عيشها وسط ملايين من الفلسطينيين. إنها جزء من هدف استراتيجي أوسع، ألا وهو بناء (إسرائيل الكبرى).والطريق لتحقيق ذلك (بحسب المفهوم الإسرائيلي) هو صب الألم الجسيم على رؤوس الفلسطينيين، حتى يقبلوا بحقيقة أنهم شعب مهزوم، وأن إسرائيل ستكون هي المسئول الأكبر عن التحكم في مستقبلهم. هذه الاستراتيجية فسرها زئيف جابوتينسكي في عشرينيات القرن الماضي، وأثرت بعمق في السياسة الإسرائيلية منذ عام 1948. وما يحدث في غزة يتطابق بشدة مع هذه الاستراتيجية.وحتى قبل أن تأتي حماس للسلطة، كان في نية إسرائيل أن تصنع من غزة سجنًا كبيرًا للفلسطينيين، وأن تُنزِل بهم ألمًا فادحًا؛ حتى يرضوا بالرغبات الإسرائيلية.المجلة تؤكد أن حماس لم تكن هي السبب وراء شن إسرائيل لهذه الحرب؛ فالعدوان وإنزال الألم بالفلسطينيين استراتيجية إسرائيلية كان لا بد منها، وأن تُطَبق سواء كانت حماس في السلطة أم لم تكن.وتوضح المجلة أن محاولات إسرائيل المستميتة منذ عقود، لكسر شوكة الشعب الفلسطيني باءت كلها بالفشل، ولم تزده إلا قوة وإصرارًا، الأمر الذي يوجب على إسرائيل انتهاج سياسة مغايرة إن أرادت الوصول إلى أهدافها.
وتردف المجلة: إن أقوى دليل على أن إسرائيل تسعى عمدًا لمعاقبة كافة سكان غزة هو القتل والدمار اللذان خلفهما الجيش الإسرائيلي في هذه البقعة الصغيرة. فقد قتلت إسرائيل ما يربو على 1000 فلسطيني، وجرحت ما يربو على 5000 آخرين، نسبة كبيرة منهم من الأطفال.ربما يتقبل البعض فكرة أن إسرائيل تشن حربًا شاملة على مليون ونصف المليون من المدنيين الفلسطينيين، كما جاء في افتتاحية صحيفة هاآرتس. لكن الجدل يُثار حول ما إذا كانت حققت الأهداف التي شنت من أجلها الحرب.أما الدمار الذي خلفته إسرائيل في غزة فلن يستطيع العالم نسيانه بسهوله؛ لأنه كان واضحًا هذه المرة بشكل كبير.لن تستطيع إسرائيل وقف إطلاق الصواريخ إلا إذا وافقت على فتح معابر غزة ووقف اعتقال الفلسطينيين. وما هو أكثر أهمية من ذلك هو وجود دلائل كثيرة على أن إسرائيل لن تكون قادرة على هزيمة حماس وإخضاعها، وإجبار الفلسطينيين على العيش بهدوء داخل (إسرائيل الكبرى). ذلك لأنها مارست التعذيب والامتهان والقتل بحق الفلسطينيين في المناطق الفلسطينية منذ العام 1967، لكنها لم تستطع ترويضهم.في الواقع، يعتبر رد فعل حماس ضد الوحشية الإسرائيلية تأكيدًا لمقولة نيتشه: إن ما يؤذيك ولا يقتلك يقويك.