برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Thursday, October 8, 2009

عقل طالبان


نيوزويك، 6 أكتوبر 2009


خلال الحروب وبعدها، نادرا ما يُسمَع صوت الحقيقة الكاملة. البروباجاندا كثيرة، وكذلك التبجح والتفاخر، وغالبا ما تُدفَن مخاوف المقاتلين العاديين وطموحاتهم تحت الإحصاءات والنظريات التي تُقدَّم عن بعد آلاف الأميال.
بعد ثماني سنوات طويلة من الحرب على أفغانستان، جمعت مجلة نيوزويك الأمريكية بعض الشهادات الشفوية اللافتة لعناصر من حركة طالبان. صحيحٌ أنه يستحيل التأكد من صدق ما يقولون، إلا أن رواياتهم تتيح فرصة نادرة لفهم الكيفية التي يرون بها هذه الحرب، الأهم من ذلك أنها تعكس عمق المستنقع الذي تغرق فيه قوات الاحتلال هناك.

باري خان، يبلغ من العمر27 عاما، وهو ابن إمام توفي جراء إصابته بنوبة قلبية عقب انهيار طالبان، يقود الآن وحدة من نحو 15 مقاتلا في إقليم غازني، يقول: اكتشفنا أن الأمريكيين يعثرون علينا عن طريق تعقب اتصالاتنا عبر الهواتف الخلوية، ومن خلال اتصالات من جواسيس يخبرونهم عن أماكن وجودنا. لذلك أرغمنا شركات الخلوي على وقف الإرسال وقفا تاما بين السادسة مساء والسابعة صباحا. لا نزال قلقين من المروحيات والمقاتلات، لكن الغارات الليلية الأمريكية انحسرت. أظن أنهم لم يعودوا يملكون المعلومات الاستخباراتية التي كانوا يحصلون عليها من قبل. لقد تضاءل عدد الأشخاص المستعدين للتعاون معهم وخيانتنا.من جهة أخرى، يراقب رجالنا القواعد الأمريكية على مدار الساعة. يطلعوننا على التحركات الأمريكية. كنا نهاجم الأمريكيين بقنابل موضوعة عند قارعة الطريق ثم نختفي. أما الآن فعندما نفجر عبوة ناسفة محلية، نتبعها بإطلاق النار من رشاش كلاشينكوف ومن قاذفة آر بي جي. أصبحت لدينا عبوات ناسفة محلية الصنع أكثر زرعا للدمار، ولا سيما متفجرات نترات الأمونيوم التي نمزجها مع كسر الألومنيوم. تصلنا هذه الأسمدة والمتفجرات والفتيلات وأدوات التفجير وأجهزة التحكم عن بعد بانتظام. هناك شحنة كبيرة في طريقها إلينا الآن. أظن أننا أصبحنا أفضل من العرب الذين تعلمنا على أيديهم، في صنع العبوات الناسفة محلية الصنع.يتحدث الأمريكيون عن إقناع عناصر طالبان بالتخلي عن الجهاد مقابل دولاراتهم. هذه سخافة. كنت خاطبا وأنوي الزواج قبل عام، لكنني لا أملك مبلغ الـ1.500 دولار الذي يجب أن أدفعه مهرا لوالد العروس، كما أنني لا أملك 500 دولار لإقامة حفل زفاف. لو كنت أملك المال، لما أرجأت زواجي. من سيتزوجني؟ سوف تفاجأون. لا يخشى الناس هنا أن يزوجوا بناتهم أو شقيقاتهم لعناصر من حركة طالبان قد يلقون حتفهم في غضون أسبوع من الزفاف. إنهم سعداء بأن يكونوا جزءا من الجهاد.ليس سهلا أن يكون المرء عضوا في طالبان. هذا أشبه بارتداء سترة حريق. عليك أن تترك عائلتك وتعيش مع فكرة أنه يمكن أن تُقتَل في أي لحظة. يمكن أن يقبض عليك الأمريكيون ويضعوك في أقفاص للكلاب في باغرام أو غوانتانامو. ولا يمكنك توقع الحصول على علاج طبي سريع إذا تعرضت للإصابة. كما أنك لا تملك مالا. لكن عندما أخبر المجندين الجدد عما ينتظرهم، فإنهم يرتدون سترة الحريق هذه بكل طيب خاطر. يعزز هذا كله ثقتي بأننا لن نخسر هذه الحرب أبدًا.
ويقول "قاري يونس" البالغ من العمر 27 عاما، ويدبر الآن شحنات أسلحة وأموالا ومعدات اتصال لمسلحي طالبان: قبل وقت غير بعيد، عندما تزوج أحد أشقائي الأصغر سنا، سألتني والدتي: "بني، متى ستتزوج؟" فأجبتها إنني سأتزوج في اليوم الذي أساعد فيه على عودة طالبان إلى كابول واستعادة الإمارة الإسلامية. قد يكون ذلك اليوم بعيدًا جدًا، لكنني أعرف أنه سيأتي.
ويفرق هؤلاء المقاتلون بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة، ويظهر هذا جليًا في تصريحات "مولاي محمد حقاني"، وهو نائب وزيرٍ سابق في حركة طالبان، حين يقول: جهادنا أكثر رسوخا وعمقا من القادة والمقاتلين الأفراد، ولا نعتمد على الأجانب أو على وكالة الاستخبارات الباكستانية أو على تنظيم القاعدة. شخصيا أظن أن كل الكلام عن قوة تنظيم القاعدة هو بروباجاندا أمريكية. فبحسب علمي، القاعدة ضعيفة، وعددهم ضئيل.
وتستمر المجلة في سرد شهادات أفراد طالبان، التي تؤدي كلها لنتيجة واحدة مفادها أنه كلما طال أمد هذه الحرب كلما أصبح انتصار قوات الاحتلال أكثر صعوبة.

مفتي مسيح الدين، يبلغ من العمر 31 عاما، يشرف الآن على نحو 200 مقاتل من حركة طالبان في إقليم نورستان. يقول : تعلمنا أن الأمريكيين ينصتون دائما لسماع أصغر صوت ممكن، لكننا تعلمنا كيف نحمي أنفسنا خلف الصخور والجبال، على الرغم من كل تكنولوجياتهم المتقدمة.
وفي الجنوب، تكيف المجاهدون مع حملة أوباما الصليبية الجديدة عبر القيام ببعض الانسحابات الصغيرة الاستراتيجية، والرد بواسطة العبوات الناسفة. لكننا نحن المجاهدين في كونار ونورستان محظوظون. هذه الجبال والغابات تحمينا. تشكل الأشجار والصخور ملاذا لنا في كل مكان. لا يستطيع الأمريكيون مضاهاتنا هنا.قبل عامين أو ثلاثة أعوام، كان الجنود الأمريكيون في المنطقة يتصرفون وكأنهم في عطلة. كانوا يلتقطون أشرطة فيديو ويصورون أنفسهم ويسيرون في الجبال للتسلية. كانوا يلعبون في العراء. لقد ولَّت تلك الأيام. وهم مرغمون الآن على إبقاء أصابعهم على الزناد على مدار الساعة.شاهدٌ آخر هو "الملا آغا محمد"، يبلغ من العمر45 عاما، يعمل الآن في تجنيد المسلحين وعضوًا في مجلس الحكم التابع لحركة طالبان في إقليم زابول، يقول: لا نقلق أبدا بشأن الوقت. سوف نقاتل حتى النصر مهما استغرق الأمر. تملك الولايات المتحدة الأسلحة، لكننا جاهزون لجهاد طويل لا يكلّ. لقد وُلِدنا هنا. وسوف نموت هنا. لن نذهب إلى أي مكان.ويقول "مولاي عبد الرحمن أخوندزاده "الذي كان قائدا لوحدة من 400 عنصر تابعة لحركة طالبان في شمال أفغانستان عند بدء حملة القصف الأمريكية، ويقود الآن 50 مسلحًا يعملون في ثلاثة أقاليم: أحيانا أفكر في أن ما حصل أشبه بالحلم. اعتقدت أن لحيتي ستصبح بيضاء قبل أن يتحقق ما أراه الآن، لكن لحيتي لاتزال سوداء، ونزداد قوة يوما بعد يوم.

No comments: