برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Friday, March 5, 2010

زمن التحولات الكبيرة


المشاهد السياسي، 27 فبراير 2010
١٤ شباط ٢٠١٠ في بيروت شكل حالة انقلابية على ١٤ شباط ٢٠٠٥ والسنوات الأربع اللاحقة. وعلاقات بيروت ـ دمشق بدأت مرحلة اصطفاف جديدة وراء علاقات دمشق ـ واشنطن التي تشهد تحولات كبيرة في المرحلة الأخيرة. حاولت مجلة المشاهد السياسي في هذا الخضم الإجابة عن التساؤل الكبير: كيف يمكن قراءة هذا "الانقلاب"؟

العلاقات السورية ـ الأميركية مرشحة لأن تشهد انفراجا كبيرا خلال الأسابيع المقبلة؛ لأن واشنطن تدرك تماما أهمية الدور الإقليمي الذي تلعبه دمشق، وأهمية قيام تعاون أميركي ـ سوري فاعل في الملفات التي تشكل نقطة تقاطع أو اهتمام مشترك، وبصورة خاصة لبنان وفلسطين والعراق.
في هذا السياق، يلفت المراقبون إلى أن تعيين سفير أمريكي جديد في دمشق هو "روبرت ستيفن فورت"، بعد خلافات سياسية استفحلت في السنوات السبع الأخيرة، يعني أن البلدين تجاوزا مرحلة الخصومة، والزيارة التي سيقوم بها موفد "جورج ميتشل" إلى المنطقة، السفير "فريديريك هوف"، خلال الأيام المقبلة، والرحلة التي يستعد لها "وليام بيرنز" نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، كلتاهما سوف تضعان آلية واضحة لإعادة تطبيع العلاقات السورية ـ الأميركية. وعلى امتداد هذا التطبيع، يتوقع أن تعمل الإدارة الأوبامية على حزمة من الإجراءات التي تخفف من العقوبات التجارية والاقتصادية الأحادية التي فرضتها الولايات المتحدة على سورية، والتي كانت موضع اهتمام نائب وزير الخارجية السورية السفير فيصل المقداد، في رحلته الأخيرة إلى واشنطن، قبل ثلاثة أشهر.
والمصادر الأميركية تؤكد أن الخلافات السياسية بين دمشق وواشنطن لم تُذَلل نهائيا بعد، إلا أن العاصمتين قررتا اعتماد الحوار سبيلا إلى التفاهم، وهذا الحوار يشكل جزءا من التوجه الأوبامي في التعامل مع قضايا المنطقة، رغم أنه لم يتحول حتى الساعة إلى نهج واضح.
هذه التطورات، معطوفة على أجواء التفاهم السوري ـ السعودي، تفسر إلى حد بعيد كيف تحول خطاب قيادات ١٤ آذار، بصورة راديكالية، من التحريض على دمشق إلى التلاقي معها على مبادرات مشتركة لإعادة تطبيع العلاقات الثنائية، وحلحلة الخلافات القائمة والمتراكمة منذ خمس سنوات. وذكرى اغتيال الحريري عكست بصورة واضحة جدا مدى انعكاس التلاقي السوري ـ الأمريكي على طبيعة تعاطي أطراف ١٤ آذار مع سورية، في أعقاب زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى دمشق، وإعلان وليد جنبلاط، أحد مؤسسي ١٤ آذار، عن رغبته في القيام بزيارة مماثلة، واستعداده للاستجابة لكل الشروط التي وضعتها سورية لاستقباله.

مرة أخرى تساءلت المشاهد السياسي: أي أفق يرتسم أمام ١٤ آذار، وما الذي بقي من هذا التجمع بعد خمس سنوات على قيامه؟ وهو التساؤل التي رأته يجد الكثير من المبررات في هذه المرحلة بالذات، بعد اكتمال عقد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تبحث عن قتلة رفيق الحريري ورفاقه، والتي زار رئيسها بيروت في الفترة الأخيرة في إطار حرصه على تأكيد استعدادها لبدء العمل من أجل كشف المجرمين.

بصرف النظر عن النتائج المحتملة للتحقيق في ملف اغتيال الحريري، لا يمكن فصل الانعطافات الجديدة في مواقف قيادات ١٤ آذار عن الصراع الدولي على سورية، التي تعودت على أن تفاجئ مراقبيها بحيويتها الدبلوماسية، وتأثيرها في صناعة القرار الإقليمي على أكثر من مستوى. وقد عرفت دمشق في السنوات الأخيرة كيف تختار موقعها بعناية بين القاهرة والرياض وأنقرة وطهران، الأمر الذي أهلها للخروج من العزلة الدولية والعودة إلى دورها الإقليمي من دون عقبات.
والحقيقة هي أن تعزيز العلاقات السورية ـ الإيرانية كان سببا ونتيجة في الوقت نفسه.. كان سببا في اتساع رقعة الخلاف بين دمشق من ناحية، والقاهرة والرياض من ناحية أخرى. ونتيجة هذا الاختلاف، تصاعدت التهديدات الأميركية لسورية، فقررت دمشق اتخاذ قرار بالانسحاب العسكري من لبنان، والوقوف عند خط الدفاع التالي بلا تراجع.
ورغم تراجع التهديدات الأميركية لسورية خلال السنوات الأخيرة من رئاسة بوش، فإن إدارته جرت أقدامها متثاقلة في استجابتها لتوصيات "بيكر هاملتون". ويوم تولت إدارة أوباما مقاليد البيت الأبيض، بدأت واشنطن في إجراء مراجعات جوهرية لعلاقاتها مع دمشق، وبعد سنة على البدء في هذه المراجعة، كل شيء يدل على أن ملامح تعاون جديدة بدأت ترتسم في أفق العلاقات السورية ـ الأميركية، ولبنان لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن هذا التحول.

No comments: