برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Friday, March 5, 2010

نهاية حقوق الإنسان


نيوزويك، 3 مارس 2010
تطرق باراك أوباما خلال جولته الآسيوية في نوفمبر، إلى كل المواضيع الرئاسية المعتادة بما في ذلك التجارة الحرة والاستثمار والتحالفات الاستراتيجية، ما عدا موضوع واحد: حقوق الإنسان. الأمر الذي اعتبرته أسبوعية نيوزويك "يشكل قطيعة واضحة مع نحو ثلاثة عقود من السياسة الأمريكية"، وذلك في موضوع غلافها الأخير الذي كتبه الباحث الأمريكي، "جوشوا كورلانتزيك".

في بكين، وخلال مؤتمر صحافي طُرحت فيه أسئلة مكتوبة، بالكاد جاء أوباما على ذكر الأمر. وفي شنغهاي، لم يوجه سوى انتقادات قليلة للحظر الذي تفرضه الصين على الإنترنت، قائلا إنه "يدعم بقوة عدم الرقابة. ليس أوباما الوحيد الذي يتملص من الكلام عن حقوق الإنسان. ففي مختلف أنحاء أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، تخلت ديمقراطيات عدة عن الدفاع العالمي عن حقوق الإنسان، ولا تأتي على ذكره إلا في خطب أو مناسبات من حين إلى آخر مثل اليوم العالمي لحقوق الإنسان. وما عدا الاستثناء اللافت الذي تشكله كندا، يلوذ العالم المتقدم بالصمت.
في مطلع هذا العام، سلمت الدول الأوروبية رئاسة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي من المنظمات الأساسية التي يقع على عاتقها ترويج حقوق الإنسان في أوراسيا، إلى كازاخستان التي تتهمها مجموعات حقوق الإنسان بالتوقيف الاعتباطي والحجز والتعذيب. وفي فرنسا، لم يف الرئيس "نيكولا ساركوزي" بالوعد الذي قطعه في حملته الانتخابية بمناصرة حقوق الإنسان ووضع حد لروابط البلاد القديمة مع الدكتاتوريين الأفارقة. وقد أقر وزير الخارجية، برنارد كوشنير، في مقابلة معه بوجود " تناقض دائم بين حقوق الإنسان والسياسة الخارجية للدولة".
لقد انهار عصر الدفاع العالمي عن حقوق الإنسان، وحلت مكانه حقبة من الواقعية لم يُشهَد لها مثيل منذ زمن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر" والرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون". في الغرب، وإزاء فشل أسلوب المواعظ الذي اعتمده جورج دبليو بوش في ترويج الديمقراطية، ناهيك عن البراجماتية المستوحاة من الأزمة المالية العالمية، أصبح القادة أكثر ترددا بكثير في التحدث جهارا في مسائل حقوق الإنسان.

في الأزمنة العصيبة، يبدو الدفاع عن حقوق الإنسان وكأنه ترف، فالدول الكبرى مشغولة بأمور أهم: فهذا "جوردون براون" يمضي الجزء الأكبر من وقته في محاولة تصحيح ورطة الديون التي تتخبط فيها بريطانيا، وذاك "باراك أوباما"، تحاذر الأجندة الداخلية لإدارته من إثارة نفور الشركاء المحتملين في الخارج.
الأخطر من التجاهل الحكومي، هو ما أشارت إليه نيوزويك بقولها: إن الرأي العام في معظم الديمقراطيات أضحى هو الآخر أقل اهتماما بحقوق الإنسان العالمية. فمع تسجيل البطالة مستويات مرتفعة جدا، حول سكان الديمقراطيات أنظارهم نحو الداخل لمكافحة الهجرة وإعادة النظر في التجارة الحرة، وباتوا يعيرون اهتماما أقل بكثير لما يجري في إيران أو السودان أو كوريا الشمالية.

توصل استطلاع آراء صادر عن مركز بيو للأبحاث في ديسمبر، إلى أن 49 بالمائة من الأمريكيين يعتبرون أن على الولايات المتحدة أن "تعنى بشؤونها الخاصة" على الصعيد الدولي، وتترك الدول الأخرى لتحل مشاكلها بنفسها. إنها النسبة الأعلى التي تُسجل منذ أربعة عقود للأمريكيين الذين يعبرون عن مشاعر انعزالية.
الواقع هو أن العام الماضي كان من أصعب الأعوام التي عرفها المعارضون البارزون منذ عقود. فقد كشف تقرير "فريدم هاوس" بعنوان "الحرية في العالم" الذي صدر في يناير، تراجعا عالميا في الحريات السياسية والمدنية للسنة الرابعة على التوالي، وهو التراجع الأطول الذي يسجله التقرير منذ بدء صدوره قبل نحو 40 عاما. وسبب التراجع هو أن الحكومات القمعية تتخذ إجراءات أكثر صرامة، كما يبدو أن الديمقراطيات "تخسر الإرادة" للرد علنا على ما يجري.
سوف تزداد الأمور صعوبة. قد يؤدي الركود العالمي إلى مرحلة طويلة من النمو البطيء، ولاسيما في الديمقراطيات الأساسية. فإذا كان بإمكان الصين أن تعطل الديمقراطية الآن، فإلى أي حد سوف يزداد تأثيرها عندما يصبح اقتصادها الأكبر في العالم؟ ربما يركز أوباما أكثر على حقوق الإنسان الآن، لكن نفوذه يتراجع بعد سنته الأولى التي هي بمنزلة شهر العسل في الرئاسة، وقد تلقى ضربة قاسية من خسارة الديمقراطيين للغالبية الكبرى في مجلس الشيوخ أخيرا. وقد يكون من الصعب التخلص من الواقعية والانعزالية بعد تجذرهما.

No comments: