برنامج موضوع الغلاف، يذاع على شاشة قناة المجد الفضائية
مدونةٌ حَوَتْ دُررًا بعين الحُسنِ ملحوظة ... لذلك قلتُ تنبيهًا حقوق النشر محفوظة

Monday, February 9, 2009

معاناة آسيا


ذي إيكونوميست، 31 يناير 2009
ترجمة: علاء البشبيشي


(عطست أميركا فأُصيب العالم بالزكام) قناعة تبنّاها الكثيرون منذ بداية الأزمة المالية الحالية، مستثنين آسيا واقتصاداتها الناشئة؛ باعتبارها حصينة ضد (وربما بعيدة عن) الكارثة التي يواجهها العالم الغنيلكن أسبوعية ذي إيكوميست البريطانية رأت أن العدوى وصلت آسيا، خلاف ما توقعه الكثيرون، وهو ما أكده بنك التنمية الآسيوي، حين رصد انخفاض نمو الناتج المحلي في الاقتصادات الثمانية الكبرى الأخرى في منطقة شرق آسيا الصاعدة بنسبة 3 % مقارنة بذروته التي بلغت 6.2 % في الربع الثالث من عام 2007.
شهدت عطلة بداية السنة القمرية الصينية أكبر موجة من عودة العمال لمسقط رؤوسهم، تاركين لأيامٍ مصانعهم التي أغرقت متاجر العالم بالبضائع، لقضاء (عطلة سنة الثَّوْر) في قراهم، لكن هذه الاحتفالات تشوبها مَسحة من القلق؛ فالعديد من هؤلاء العمال ربما لا يجدون عملا يعودون إليه بعد انقضاء عطلة العيد، بعدما تعطل النمو الصيني، وكذلك بقية دول شرق آسيا، التي كانت تأمل أن لو تحررت بطريقة أو بأخرى من أزمة الغرب الاقتصادية، لكنها وجدت نفسها تتلقى ضربة قوية كباقي دول العالم، وربما أكثر إيلامًا.
معدل وسرعة هذا الانخفاض التجاري والاقتصادي أضحى أكبر وأوسع مجالا مما كان عليه الوضع خلال الأزمة المالية في عامي 1997-1998. حتى في الصين، بدأت الصادرات في التأرجح والانخفاض بنسبة 2,8% في ديسمبر مقارنة بالعام الماضي. وفي يناير انخفضت الصادرات في اليابان 21%، فيما بلغ معدل الانخفاض في سنغافورة 20%.
وسجلت الواردات انخفاضًا أكبر، حيث انخفضت في الصين بنسبة 21% في ديسمبر، فيما سجلت في فيتنام انخفاضًا قيمته 45% في يناير. يأتي هذا بعدما توقع البعض أنَّ توسُّع التجارة العالمية سيحمي آسيا من الهبوط الذي أصاب الغرب. لكن ذلك لم يحدث؛ لأن التجارة داخل آسيا ما هي إلا حلقة في سلسلة المؤن العالمية المرتبطة بالطلب في العالم الغني.
وانتقلت المجلة لترصد التلاوم الذي وقع بين الدول الآسيوية والغرب بشأن هذا التدهور، لكنها أكدت أن ما أصاب الاقتصاد الآسيوي كان بما كسبت أيدي حكومات هذه الدول التي اعتمدت أكثر من اللازم، بحسب المجلة، على الصادرات وارتفاع الطلب الغربي.
ورغم هذا الواقع الذي يبدو مؤلمًا، لفتت المجلة الأنظار إلى بعض الفوائد التي ظهرت من قلب المحنة، وكيف حفَّزت هذه الأزمة الدولَ الآسيوية على اتخاذ سلسلة من الإجراءات للعمل على استقرار الأسواق المالية، واستعادة ثقة المستثمر، والتخفيف من أثر الأزمة.
يلوم بعض الآسيويين الغرب في هذه الأزمة، ويقولون: إن الإجماع الغربي لصالح العولمة أغراهم لفتح اقتصادهم، واتباع اقتصاد قائم على التصدير، لإرضاء مطالب المستهلك الغربي التي لا نهاية لها. لكنهم اكتشفوا أنهم خُدِعوا؛ فالعجز المالي الغربي أطاح بقيمة استثماراتهم، وقلل من احتياجات المستهلك الغربي.
هذا التحليل الذي يبرئ الحكومات الآسيوية من المسئولية عن المعاناة الاقتصادية، وجد صدى واسعا داخل هذه المنطقة من العالم، إلا أنه -وبشكل أخرق- لا يحكي سوى جانب واحد من القصة؛ فمعظم البطء في نمو الاقتصاد الإقليمي ليس سببه انخفاض شبكة الصادرات، بل ضعف الطلب المحلي. وحتى في الصين، أكبر مُصَدِّر في الإقليم، ارتفعت معدلات الاستيراد عن التصدير.
وقد انخفض الطلب المحلي، ليس فقط بسبب المشهد العالمي الكئيب، ولكن أيضًا بسبب سياسات الحكومة. فقبل عَقد من الآن، وبعد انتهاء الأزمة المالية، قامت دول كثيرة بإصلاح نظامها المالي المحطم، لكنها تركت اقتصادها مائلا إلى التصدير، فبقيت المدخرات مرتفعة، وسُحِق الطلب المحلي.
وهذا ليس شرًا مطلقًا؛ فأحد تداعياته أن الحكومات الآسيوية أصبح لديها تركيز كافٍ على تعزيز الطلب المحلي، ومن ثم تحفيز الاقتصاد على استعادة عافيته.

No comments: