مقدمة الحلقة

المحطة الأولى التي يتوقف عندها قطار حلقتنا لهذا الأسبوع ستكون احتفالية "المفكرون الشجعان" التي أقامتها مجلة ذي أتلانتيك لـ 27 ممن رأتهم يستحقون عن جدارة هذا النَوْط. أما وقفتنا الثانية فستكون مع إحدى غرائب العصر، حيث يهودٌ ينتقدون إسرائيل، ويُبدون امتعاضهم من فِعالها، في الوقت الذي يلتزم فيه بعض العرب والمسلمين الصمت حيال ما يجري لغزة وأهلها. بعدها ننتقل إلى مجلة فورين بوليسي وأسطورة الصندوق الذي غزا العالم. ثم نسير برفقة مجلة "المجلة" على طريق الإصلاح الاقتصادي الذي تراه مفروشًا بالنوايا الحسنة. ولا يفوتنا أن نحتفل في محطتنا قبل الأخيرة بعودة العثمانيين إلى الفضاء العربي.
المحطة الأخيرة، أبينا إلا أن تكون في القدس، وأنتم مدعوون لزيارتها، فكونوا معنا
المحطة الأخيرة، أبينا إلا أن تكون في القدس، وأنتم مدعوون لزيارتها، فكونوا معنا
(1)
المفكرون الشجعان
المفكرون الشجعان

ذي أتلانتيك، نوفمبر 2009
ترجمة: علاء البشبيشي
في خطوة، ربما يختلف المراقبون حول مدى توفيقها، أصدرت مجلة ذي أتلانتيك عددها السنوي الأول حول ما أسمتهم "المفكرون الشجعان"، والذي ضم 27 من الشخصيات التي رأت المجلة أنهم تمردوا على واقعهم، وتحدوا الصعاب، فاستحقوا عن جدارة نَوْط الشجاعة.
لن نسرد أسماء الشخصيات كلها، فبعضها مغمور، على الأقل بالنسبة لسكان المنطقة العربية، وبعضها لم تستطع المجلة إقناع القاريء أنه يستحق هذا التكريم، لذلك سنكتفي بذكر المقدمة، التي جاءت أقوى ما في العدد، وبعض الأسماء.
الشمس تدور حول الشمس. الحكومة لا تستطيع توفير الرعاية الصحية لكبار السن. البشر لا يستطيعون الصعود إلى القمر. التليفون يُستَخدَم فقط في تجاذب أطراف الحديث. أجناس الحيوانات لا تتغير. السود أقل مرتبة من البيض.
مجموعة من الافتراضات يستند بعضها إلى قوة العلم، ويستند بعضها الآخر إلى قوة العادة، لكنها كلها تبدو سخيفة إذا ما أعدنا التفكير فيها. انهارت كلها لأن شخصًا فقط امتلك الشجاعة لكي يخرج عن السياق العام، ويطرح أسئلة جوهرية حول سبب كون الأشياء على ما هي عليه، وماهي البدائل التي يمكن أن تكون.
لطالما كانت "ذي أتلانتيك" تطمح إلى تحدي قرائها، وزمانها، بإفساح المجال لأصوات بعض المفكرين الأكثر استفزازًا في عصورهم. المفكرون الشجعان، بدءًا من "هنري ديفيد ثورو" وحتى "مارتن لوثر كنج". بإمكان هؤلاء أن يكونوا مزعجين، لكنهم يدفعون المجتمع للأمام. والآن، في عددنا السنوي الأول حول المفكرون الشجعان، اخترنا مجموعة صغيرة من الرجال والنساء الذين خاطروا بوظائفهم، وسمعتهم، وثرواتهم، وربما في بعض الأحوال، بحياتهم؛ دفاعًا عن أفكار أصبحت ذات شأنٍ فيما بعد.
لكن لماذا اقتصرنا على 27 شخصية؟ لأن هذا العدد هو الذي اتُفِقَ عليه بعد شهور من البحث والنقاش حول مئات المرشحين. ربما ثبت خطأ بعضهم، لكنهم في المجمل جَسَّدُوا هذا النوع من الشجاعة الذي يُحرِّك الروح ويستحث العقل على التفكير في ذواتنا.
من هذه الشخصيات، القاضي الباكستاني "افتخار أحمد شودري"، الذي أدت أفكاره المستقلة إلى إقالته من رئاسة المحكمة العليا الباكستانية، لكن التزامه بتطبيق القانون أعاده كبيرًا للقضاة من جديد. بالإضافة إلى الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، والسناتور "جيم ويب" عضو مجلس الشيوخ من فرجينا، و الاقتصادي الأمريكي "بين شالوم بيرنانكي"، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي الحالي، و رئيس الوزراء الزيمبابوي "مورجان تسفانجيراي"، و "شاي أجاسي" مؤسس شركة (بنز بليس) ومديرها التنفيذي، والسيدة "مونتجومري ماكفيت", الخبيرة بمركز الدراسات الدفاعية
........................
(2)
يهود أمريكا يعيدون النظر في إسرائيل
(2)
يهود أمريكا يعيدون النظر في إسرائيل

ذا نيشن، 2 نوفمبر 2009
ترجمة: علاء البشبيشي
تحت عنوان (يهود أمريكا يعيدون النظر في إسرائيل) تحدثت مجلة "ذا نيشن" عن التغير الدراماتيكي في العلاقات بين بعض يهود أمريكا والكيان الصهيوني خلال العام الراهن. مؤكدة أن حرب غزة الأخيرة، وما تلاها من صعود الجناح المتطرف بقيادة نتنياهو وليبرمان، كان الصخرة التي تحطم عليها الكثير من أكاذيب إسرائيل، والشمس التي فضحت زيف دعواها أمام العالم.
شهد العام الحالي تغيُّرًا مسرحيًا في مواقف يهود أمريكا تجاه إسرائيل. ففي يناير الماضي صُدِم الكثير من اليهود الليبراليين بحرب غزة التي استخدمت فيها إسرائيل قوة غاشمة ضد المدنيين العزل، المحاصرين الذين لا يجدون للفرار سبيلا. بعدها صعد بنيامين نتنياهو إلى سُدة رئاسة الوزراء ، وتولى وزارة الخارجية أفيجدور ليبرمان، ذو الأجندة الصريحة في معاداة العرب، بما يتناقض مع توجهات جمهور الناخبين من اليهود الأمريكيين الذين صوَّت ثلاثة أرباعهم لصالح تنصيب رئيس ينتمي للأقلية. وهكذا بدأ شباب اليهود الأمريكيين يشعرون بلابمبالاة متزايدة تجاه "الدولة" التي ظلت لأربعة عقود مركزًا للهوية اليهودية.
أهي ثورة مخملية داخل المجتمع اليهودي؟ ليس بهذه السرعة. لكن صراع غزة ساعد بما لايدع مجالا للشك في تحطيم الرفض اليهودي التقليدي لانتقاد إسرائيل. لقد كانت غزة، على حد وصف "إم.جي. روزنبرج" ﻣﺪﻳر المنتدى اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ ﻓﻲ واﺷﻨﻄﻦ، "أسوأ كارثة علاقات عامة أصابت إسرائيل على مرِّ تاريخها".
وتستمر المجلة في رصد مواقف اليهود الذين أفزعهم الرعب الذي أحدثته إسرائيل في غزة، ورفضهم لاستخدامها الغير متكافيء للقوة في مواجة المدنيين العزل، وفرضها الحصار الغاشم على مليونٍ ونصف من النساء والأطفال وكبار السن، الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
بالطبع، عجيبٌ أن نسمع بيهودٍ ينتقدون إسرائيل، لكن أعجب من ذلك مانراه من صمت بعض الذين ينتسبون للعروبة والإسلام حيال ما يجري للقدس والأقصى، وغزة وأهلها.
المعلق الصحفي بجريدة نيويورك تايمز "روجر كوهين" قال إنه "شعر بالعار" من فِعَال إسرائيل. بينما اعتبر "مايكل جولدبيرج"- فيما نشرته صحيفة ذا جارديان- قتل إسرائيل لمئات المدنيين انتقامًا لإطلاق الصواريخ "وحشية" وربما يكون "بلا جدوى". حتى أصدقاء إسرائيل المخلصين، من أمثال "لِيون وايسلتِـيَر"، و "مايكل والزِر"، يعربون عن ريبتهم من الاستخدام الغير متكافيء للقوة، ويرون أن زعماء اليهودية الإصلاحية إذا لم ينتقدوا هذه الحرب، كان الرعب سيثير اليسار الأمريكي. "ميديا بنجامين" ناشطة السلام الأمريكية والعضوة المؤسسة في حركة "كود بنك" النسائية، ألقت بنفسها في آتون الدفاع عن حرية الغزِّيين بعد سنوات من تجاهل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، جزئيًا احترامًا لمشاعر عائلتها. وفي صحيفة "ذا نيشن" دعت "ناعومي كلين" إلى مقاطعة إسرائيل ونزع سلاحها وفرض العقوبات عليها، بعدها زارت رام الله، واعتذرت للفلسطينيين عن "جبنها" لأنها لم تقف هذا الموقف مبكرًا.
هؤلاء يهود بارزون، لكنهم يمثلون صدى الانزعاج والغضب الذي يتردد في أوساط اليهود في أنحاء الولايات المتحدة من سلوك إسرائيل
شهد العام الحالي تغيُّرًا مسرحيًا في مواقف يهود أمريكا تجاه إسرائيل. ففي يناير الماضي صُدِم الكثير من اليهود الليبراليين بحرب غزة التي استخدمت فيها إسرائيل قوة غاشمة ضد المدنيين العزل، المحاصرين الذين لا يجدون للفرار سبيلا. بعدها صعد بنيامين نتنياهو إلى سُدة رئاسة الوزراء ، وتولى وزارة الخارجية أفيجدور ليبرمان، ذو الأجندة الصريحة في معاداة العرب، بما يتناقض مع توجهات جمهور الناخبين من اليهود الأمريكيين الذين صوَّت ثلاثة أرباعهم لصالح تنصيب رئيس ينتمي للأقلية. وهكذا بدأ شباب اليهود الأمريكيين يشعرون بلابمبالاة متزايدة تجاه "الدولة" التي ظلت لأربعة عقود مركزًا للهوية اليهودية.
أهي ثورة مخملية داخل المجتمع اليهودي؟ ليس بهذه السرعة. لكن صراع غزة ساعد بما لايدع مجالا للشك في تحطيم الرفض اليهودي التقليدي لانتقاد إسرائيل. لقد كانت غزة، على حد وصف "إم.جي. روزنبرج" ﻣﺪﻳر المنتدى اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ ﻓﻲ واﺷﻨﻄﻦ، "أسوأ كارثة علاقات عامة أصابت إسرائيل على مرِّ تاريخها".
وتستمر المجلة في رصد مواقف اليهود الذين أفزعهم الرعب الذي أحدثته إسرائيل في غزة، ورفضهم لاستخدامها الغير متكافيء للقوة في مواجة المدنيين العزل، وفرضها الحصار الغاشم على مليونٍ ونصف من النساء والأطفال وكبار السن، الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
بالطبع، عجيبٌ أن نسمع بيهودٍ ينتقدون إسرائيل، لكن أعجب من ذلك مانراه من صمت بعض الذين ينتسبون للعروبة والإسلام حيال ما يجري للقدس والأقصى، وغزة وأهلها.
المعلق الصحفي بجريدة نيويورك تايمز "روجر كوهين" قال إنه "شعر بالعار" من فِعَال إسرائيل. بينما اعتبر "مايكل جولدبيرج"- فيما نشرته صحيفة ذا جارديان- قتل إسرائيل لمئات المدنيين انتقامًا لإطلاق الصواريخ "وحشية" وربما يكون "بلا جدوى". حتى أصدقاء إسرائيل المخلصين، من أمثال "لِيون وايسلتِـيَر"، و "مايكل والزِر"، يعربون عن ريبتهم من الاستخدام الغير متكافيء للقوة، ويرون أن زعماء اليهودية الإصلاحية إذا لم ينتقدوا هذه الحرب، كان الرعب سيثير اليسار الأمريكي. "ميديا بنجامين" ناشطة السلام الأمريكية والعضوة المؤسسة في حركة "كود بنك" النسائية، ألقت بنفسها في آتون الدفاع عن حرية الغزِّيين بعد سنوات من تجاهل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، جزئيًا احترامًا لمشاعر عائلتها. وفي صحيفة "ذا نيشن" دعت "ناعومي كلين" إلى مقاطعة إسرائيل ونزع سلاحها وفرض العقوبات عليها، بعدها زارت رام الله، واعتذرت للفلسطينيين عن "جبنها" لأنها لم تقف هذا الموقف مبكرًا.
هؤلاء يهود بارزون، لكنهم يمثلون صدى الانزعاج والغضب الذي يتردد في أوساط اليهود في أنحاء الولايات المتحدة من سلوك إسرائيل
........................
(3)
ثورة داخل صندوق

(3)
ثورة داخل صندوق

فورين بوليسي، نوفمبر –ديسمبر 2009
ترجمة: علاء البشبيشي
بعد ما يربو على الثمانين عامًا من إطلالته الأولى على دنيا البشر، لا يزال التلفاز يحكم العالم، ويؤثر في مجريات الأحداث. لقد أحدث هذا الصندوق ثورة تستحق التوقف، لذلك سلطت مجلة فورين بوليسي الضوء من خلال موضوع غلافها الأخير على هذا الاختراع الأشبه بـ "سكين" يمكن استخدامها في ذبح بريء، أو تقطيع تفاحة لصديق، فتستحق بالأولى القصاص وبالثانية الثناء.
إنه ذلك الاختراع الذي وصفته المجلة بـ"الوحش المغري الذي سرق لب "ميدوسا" فجعلها ترمقه بلا حراك، بعدما كانت هي من تحوِّل ملايين البشر إلى حجارة كل ليلة بمجرد أن ينظروا إليها. هو ذلك الكائن الأسطوري الذي يصرخ ويغرد، ويتعهد بالكثير ثم يعطي القليل".
لم يكن مؤلف روايات الرعب والخيال العلمي "راي برادبري" هو الوحيد الذي يحمل القلق بين أحشائه تجاه التلفاز منذ العام 1953، فقد تلقى هذا الجهاز من الشتائم بقدر ما تلقى من الترحيب منذ عام بثه الأول. فمنتقدو التلفاز يُحَمِّلونه وِزر تدهور الصحة والجهل والانحلال الأخلاقي، وغيرها من الأوبئة. فهل يؤدي التلفاز حقًا- بتكاثر قنواته الفضائية، وغزوه أماكن لم تسمع بعدُ بشبكة الانترنت- إلى فساد العالم، كما يحذر النقاد؟
(على كل حال) تغلغل التلفاز بسرعة مذهلة داخل المجتمعات. فقط انظر إلى قصة انتشاره في المناطق الريفية بإندونيسيا الفقيرة: خلال عامين من توصيل الكهرباء إلى القرى، ارتفعت نسبة عدد البيوت التي غزاها التلفاز إلى 30%. وفي غضون 7 أعوام قفزت النسبة إلى60%. حدث ذلك في منطقة أظهرت استطلاعات الرأي أن متوسط دخل سكانها لا يتعدى الدولارين في اليوم. أما في أوروبا وأمريكا الشمالية فترتفع النسبة إلى 90%. حتى في الدول الفقيرة مثل فيتنام والجزائر، فتتجاوز نسبة البيوت التي تمتلك تلفازًا حاجز الـ80%. لقد انتشر التلفاز حتى في تلك المناطق التي لم تصلها بعدُ الكهرباء، حيث يصل السكان أجهزتهم بالبطاريات لتشغيلها.
إذا كانت الطفرة في الانتشار هي ثورة التلفاز العالمية الأولى، فإن الطفرة في الاختيار ستكون ثورته الثانية. فبحلول العام 2013 ستستقبل نصف أجهزة التلفاز في العالم إشارت رقمية، ما يعني الوصول إلى المزيد من القنوات، واتساع نطاق الخيارات
........................
(4)
طريقٌ مفروشٌ بالنوايا الحسنة
(4)
طريقٌ مفروشٌ بالنوايا الحسنة

المجلة، 24 أكتوبر – 4 ديسمبر 2009
حول (المال السياسي والإصلاح الاقتصادي) تحدثت مجلة "المجلة"، متسائلة: ما حجم التغييرات التي حدثت منذ بدء الأزمة الاقتصادية العالمية؟
كاتب الموضوع "فينسنت بيفينز" يرى أن الإصلاحات التي تمت في النظام المالي قليلة، ويُرجِع ذلك إلى غياب الإرادة السياسية في التغيير. والآن ومع وجود دلائل على استرداد الاقتصاد عافيته، يتناقص أيضا رأس المال السياسي الذي ربما يكون قد سمح للإصلاح بأن يحدث، ما دفعه إلى القول بأن احتمالات تحقق أي إصلاح فعلي تبدو ضئيلة للغاية.
يقف اثنان من المدراء التنفيذيين في مكتب وهما يراجعان رسمًا بيانيًا يُبيِّن تراجع إجمالي الناتج العالمي، ويلتفت أحدهما إلى الآخر قائلاً: "ليس بوسعنا سوى أن نعقد آمالاً على تحسُّن الناتج العالمي سريعاً دون أن يمضي وقت طويل يضطرنا لتعلُّم دروس من التجربة".
يبدو أن هذه الرغبة التي تم التعبير عنها في رسم كاريكاتوري نُشِر في أبريل الماضي، قد أصبحت حقيقة واقعة الآن. فقد مضى أكثر من عام منذ الاضطراب المالي الذي ازداد شراسة بين وول ستريت ولندن، وأدى بشكل مفاجئ إلى تهاوي اقتصاد العالم وتراجُع معدل الإنتاج وغرق العناصر الأقل حظًا على ظهر هذا الكوكب. وبالرغم من أنه النقاش قد كَـثُر حول ضرورة الإصلاح، فإنه من غير الواضح إلى أي مدى حدث تغيير فعلي لدى الساسة، وربما نتساءل.. ما إذا كان الزخم السياسي حول الإصلاح قد ذهب مع الريح مع ظهور دلائل على استرداد الاقتصاد عافيته؟
........................
(5)
العثمانيون يعودون إلى الفضاء العربي
(5)
العثمانيون يعودون إلى الفضاء العربي

المشاهد السياسي، 25- 31 أكتوبر 2009
ليس حدثا عابرًا هذا التلاقي التركي ـ السوري الذي حصل في الأسبوع الفائت. إنه تحوّل تاريخي يؤسّس لإعادة هيكلة التوازنات السياسية والاستراتيجية على امتداد المنطقة، ويمهد لعودة العثمانيين إلى الفضاء العربي.
من لندن، تناولت مجلة "المشاهد السياسي" بالتحليل هذا الحِلف الجديد، الذي اعتبرته أيضًا بوابة كبرى لإدخال سورية إلى القرن الحادي والعشرين، ليس من البوابة التركية فقط، وإنما من البوابة الأوروبية أيضا.
منذ توقيع اتفاق أضنة قبل أكثر من عشرة أعوام، تتسارع وتيرة التقارب بين سورية وتركيا، وقد سجّلت خلال العامين الأخيرين تقدّما كبيرا يشكّل انعطافة تاريخية حقيقية على مستوى العلاقات الثنائية، تلبّي حاجة البلدين إلى تعميق تعاونهما في مواجهة التحدّيات الكبيرة التي تعيشها المنطقة والعالم.
من الواضح أيضا أن الحِلف السوري ـ التركي الجديد يضمّ حوالى مئة مليون نسمة (٧٥ مليون تركي و٢٥ مليون سوري)، وهو يشكّل سوقا اقتصادية ضخمة، ما يعني أن العثمانيين يعودون الى الشرق عبر البوابة السورية، وغدا عبر البوابتين الأردنية واللبنانية، فضلا عن البوابة العراقية. وهذه العودة ممكنة بعدما ملأت كل من تركيا وإيران الفضاء العربي كلّه تقريبا، في غياب القرار العربي والسوق العربية المشتركة والدفاع العربي المشترك.
بعد هذه المفاجأة، التي وصفتها المجلة بأنها "ربما توازي في أهميّتها مفاجأة حرب أكتوبر ١٩٧٣"، جاء دور الأسئلة الخطرة في تل أبيب: هل هذه بداية نهاية التحالف الاستراتيجي التاريخي بين تركيا وإسرائيل، والذي استمرّ بلا انقطاع نيفا و٦٠ عاما؟ وهل الجيش التركي، الذي كان المستفيد الأول من هذا التحالف عسكريا ولوجستيا، موافق على هذا الانقلاب؟ وكيف سيكون موقف إسرائيل والولايات المتحدة من هذا "الانقلاب الاستراتيجي"؟
الدولة العبرية لم تُخفِ دهشتها من كل هذا الذي يجري. فبدلا من المناورات العسكرية الإسرائيلية ـ التركية المشتركة في إطار تدريبات حلف شمال الأطلسي التي تحمل اسم "نسر الأناضول"، سيتمّ إجراء مناورات عسكرية سورية ـ تركية. وأين؟ على مرمى حجر من العمق الإسرائيلي. وبدلاً من تعزيز التعاون الاستراتيجي التركي ـ الإسرائيلي، يتم ترقية التعاون الاستراتيجي السوري ـ التركي. ليس هذا وحسب، بل يجري أيضا فتح الحدود من دون تأشيرات بين البلدين بصفتها "حدودا مصطنعة"، على حد تعبير وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو.
المؤسّسة الإسرائيلية الحاكمة انشطرت قسمين إزاء هذه الأسئلة المقلقة. ففي ضفّة، وقف وزير الدفاع إيهود باراك ليحذّر الإسرائيليين من مغبّة تصعيد الموقف مع أنقرة. وعلى الضفّة الثانية من الجدل، يتحصّن الصقور الإسرائيليون الذين ينظرون إلى التغيّرات التركية، على أنها جزء من برنامج إسلامي طوّره حزب العدالة والتنمية التركي ذو الجذور الإسلامية. وهو برنامج يتناقض بندا ببند مع التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل.
ويرى الصقور الإسرائيليون، ومعهم المحافظون الأميركيون اليمينيون كما الجدد، أن مواقف تركيا الأردوغانية نابعة أساسا من المنظور الإسلامي الذي تُطلّ من خلاله على العالم، وهو بالضرورة منظور معادٍ للغرب وعلى رأسه إسرائيل. وبالتالي، يدعو هذا الجناح إلى فتح النار على تركيا وعلى كل الجبهات، خصوصا جبهات الكونغرس وهيئات الضغط الكبرى الأخرى في الولايات المتحدة
........................
(6)
وضع القدس لا يبشر بالخير
(6)
وضع القدس لا يبشر بالخير

البيادر السياسي، 31 أكتوبر 2009
"الهدوء" الحالي في القدس لا يعني أنها بخير.. فسياسة التهويد مستمرة على كل الأصعدة وبوتيرة سريعة، وإجراءات قاسية وقمعية ما تزال تُمارس بحق المقدسيين لإجبارهم على الرحيل. أما الحكومة الاسرائيلية والجمعية الاستيطانية فيرصدان مئات الملايين من الدولارات لإحكام السيطرة على المدينة مقابل بضع ملايين من الدولارات ينفقها العرب والمسلمون للحفاظ على عروبتها.
تحذيرات متوالية أطلقتها مجلة البيادر السياسي الفلسطينية، للتنبيه على أن الوضع إذا هدأ حول المسجد الأقصى، فلا يعني أن القدس بخير، أو أنها لم تعد في خطر. وإذا لم يقم المتطرفون اليهود بأعمال استفزازية حاليا ضد الحرم القدسي الشريف، فلا يعني أن الأخطار المحدقة بالقدس قد زالت.
القدس ما زالت في خطر، وتعاني كثيرا... فجمعية "عطيرت كوهانيم" ابتاعت مؤخرا سبع عقارات داخل الأحياء العربية من القدس، وتسعى إلى توطين 22 عائلة فيها ليصبح عدد اليهود القاطنين في مناطق القدس العربية، غير الحي اليهودي، حوالي ألف مستوطن. ومساعي هذه الجمعية وغيرها ما زالت مستمرة من أجل السيطرة على المزيد من العقارات العربية.
جرافات بلدية القدس الاسرائيلية قامت بهدم العديد من المنازل؛ لأن أصحابها لم يحصلوا على تراخيص البناء اللازمة وذلك في العديد من المناطق. والغريب في الأمر أن البلدية تجبر صاحب المنزل المهدوم على دفع أجرة عملية الهدم مع غرامات عالية.
هناك العديد من الإجراءات "غير الإنسانية"، والبشعة جدا، تُمَارس ضد المواطن المقدسيّ. فإذا تزوج شاب مقدسي من فتاة من سكان الضفة الغربية فإنه يواجه الصعاب للحصول على تصريح لزوجته للإقامة معه في منزله. وكم من شاب مقدسيّ تجاوز عمره الأربعين ومتزوج منذ أكثر من 14 سنة، وما زال ينتظر "الفرج" ويضطر كل ستة أشهر للذهاب إلى وزارة الداخلية للحصول على إذن لإقامة زوجته في القدس، وبعد الحصول على هذه الورقة، يسعى الحصول على تصريح من الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة، وهذه العملية مرهقة جدًا جدًا. هذه الإجراءات لمنع التزاوج بين أبناء القدس والضفة تهدف لعزل القدس أو مواطنيها من خلال إجبار المقدسيّ أو المقدسيّة على التفكير جيدا قبل الارتباط الزوجي بأي شخص من الضفة الغربية، وإذا قرر أحدهم ذلك فعليه تحمل عبء ذلك، أو التضحية بهويته؟!
القدس في خطر لأن سياسة التهويد متواصلة بوتيرة سريعة جدا، ومعاناة المواطن مستمرة، والأطماع في السيطرة الكاملة على الحرم القدسي الشريف ما زالت قائمة.
تكمل المجلة بوضوح أكثر فتقول: يمكن القول وبكل صراحة إن الوجود العربي في المدينة من خلال صمود أهلها وأبنائها لا يكفي؛ فالإجراءات مستمرة، وهي إجراءات قمعية وشرسة. ورغم نسبة التكاثر الكبيرة إلا أن الزيادة في عدد السكان العرب لم تكن كبيرة فما زلنا نشكل 32 بالمائة من سكان المدينة، في شطريها العربي والاسرائيلي، حتى أن عدد المستوطنين في القدس العربية أصبح أكبر من عدد السكان العرب.
قد تكون الشعارات الطنانة هي رفع للمعنويات، وتعبير عن تعاطف مع القدس ومواطنيها، ولكن تلك الشعارات تُقَابَل من قِبَل إسرائيل بإجراءات على أرض الواقع، والتسريع في تنفيذ المخططات، ورفض لكل الاحتجاجات والاعتراضات، وتخصيص ميزانيات ضخمة للقدس تقدر بمئات الملايين من الدولارات سنويا، في حين أننا لا نخصص إلا حفنة من الدولارات ونحمّل أبناء القدس "جميلا" لأنهم يتلقون الدعم، وهو في الواقع ليس دعمًا.
إن الوضع في المدينة صعب، وإذا استمر وتواصل إهمال المدينة وأبنائها، فإن المتوقع أمر خطير جدا جدا، قد لا يتصوره أي إنسان... وهو أن تصبح القدس في وضع صعب، مُهّوَّدة من كل الأصعدة والاتجاهات.
لم نتحدث عن التعليم ومشاكله، ولا عن المخدرات والإدمان وعدد المدمنين بعشرات الآلاف، لأننا لا نريد أن نعطي صورة سوداوية بل نريد إعطاء صورة رمادية لعل أحباء القدس الحقيقيين يتحركون لينقذوها قبل فوات الأوان، ويحافظوا على الوجود العربي. الوجود المتمثل بصمود السكان، وصمود "العروبة"، لأن هناك عربا بالاسم، يتحدثون العربية لكنهم باعوا العروبة وأصبحوا متهوِّدين بأفكارهم لأسباب عديدة لا تعطيهم أي مبرر لذلك.
No comments:
Post a Comment