(1)
مذعور أم إرهابيّ؟
تايم، 23 نوفمبر 2009
رغم أنها اتخذت عنوانًا حياديًا لموضوع غلافها الأخير (مذعور أم إرهابي؟)، استهلت مجلة تايم الأمريكية بكلامٍ متحامل، حاولت من خلاله إضفاء مِسحة دينية على جريمة نضال مالك حسن، المتهم بإطلاق النار داخل قاعدة "فورت هود" العسكرية الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل 13 شخصاً وإصابة 40 آخرين.
المنظمات الإسلامية بأمريكا أدانت الحادث، وأكدت أن الإسلام برئ من مثل هذه الممارسات، لكن يبدوا أن المجلة لم تستمع لذلك، فمضت تقول: إن الرجل حينما استيقظ لم يجد نفسه في "الجنة" كما كان يتوقع، بل داخل المركز الطبي العسكري في قلب تكساس، محاطًا بحراسة أمنية مشددة. لم تنس المجلة أيضًا أن تشير إلى "نسخ القرآن" التي كان يمتلكها نضال، وتُسلِّط الضوء على سجادة الصلاة التي عُثِر عليها في بيته وكأنها سلاح نووي، لتكتمل الصورة التي تريد إيهام القارئ بها، وكأنها تقول: (هاهو مسلم مجنون آخر يقتل الأبرياء ليدخل الجنة).
هل كانت مذبحة "فورت هود" مجرد حادثة إطلاق نار أخرى في مكان العمل، سطَعت في ذهن أحد الحمقى فجأة؟. أم هي مؤامرة لصيقة الصلة بالحرب على الإرهاب التي بدأتها أمريكا منذ 8 سنوات؟. مؤامرة لم يكن بالإمكان إحباطها لأنها اختمرت داخل رأس أحد المتعصبين، ولم تترك أثرًا، سوى دماء الضحايا. الإجابة تتوقف على المصادر التي تثق فيها.
وبينما يفكر الرئيس أوباما في طريقة لمواصلة الحرب التي ورثها، سيكون عليه والجهاز الأمني الأمريكي بأكمله أن يتوصلا إلى طريقة لخوض حرب ضد عدو لا يستطيعون تمييزه، ولا فهمه.
وبهذا المفهوم، يمكننا القول إن الحرب على الإرهاب قد انتقلت من ميدان المعركة إلى مملكة العقل، حيث تعمل شبكة الانترنت كمركز تجنيد عالمي، تجتذب التائهين المنعزلين.
شابٌ يعمل على عربة قهوة في وول ستريت، يشتري صبغة شعر، ومزيلًا لطلاء الأظافر، ليخلطهما ويصنع قنبلة. أو ميجور بالجيش يرتدي زيه العسكري ويذهب إلى عمله، يمسك بسلاحه ويفتح النار باتجاه رفاقه.
أحكمنا السيطرة على حدودنا، وأرسلنا جنودنا ودباباتنا لسحق خصومنا في أفغانستان، وتخلصنا من قادة القاعدة في باكستان. كيَّفنا قوانيننا وخدماتنا الاستخباراتية ليَسْهُل التسلل إلى الخلايا الإرهابية، والتلصص على رسائلها الالكترونية، ومكالماتها الهاتفية، و تحركاتها على شبكة الانترنت. وقد نجحت الحملة في تعجيز قدرة طالبان على توجيه ضربات موجعة، ما جعل المملكة المتحدة مؤخرًا تُخَفِّض من مستوى التهديد الأمني. "لكن طبيعة الإرهاب تغيرت، والميجور "نضال حسن" ربما يكون مثالا لذلك"، هكذا يرى "بروس هوفمان"، خبير الإرهاب بجامعة جورجتاون، مضيفًا: "حتى إذا لم يكن لديه أي دوافع سياسية، فإن ذلك يعتبر تغيرًا كبيرًا".
(2)
جورباتشوف عام 1989
ذا نيشن، 16 نوفمبر 2009
مع احتفال العالم بالذكرى العشرين لسقوط جدر برلين، رأت مجلة ذا نيشن ضرورة الاستماع إلى المسئول الأكبر عن هذا الحدث التاريخي. لذلك نشرت حوارًا أجرته محررة المجلة "كاترينا فاندين"، بمشاركة زوجها "ستيفن كوهين" المحرر المساهم، مع الرئيس السوفيتي السابق "ميخائيل جورباتشوف".
حول ذكريات جورباتشوف ونهاية الاتحاد السوفييتي، كان موضوع غلاف ذا نيشن.
سُئِل جورباتشوف: هل انتهت الحرب الباردة في ديسمبر عام 1989؟
فأجاب: أعتقد ذلك.
قيل له: كثيرون لا يرون ذلك، بما فيهم بعض المؤرخين الأمريكيين.
فقال: دع المؤرخين يعتقدون ما يشاءون. دعني أخبرك شيئًا. منذ سنتين أو ثلاث أتاني "جورج شولتز" وزير الخارجية الأمريكية في إدارة الرئيس رونالد ريجان. استغرقنا وقتًا طويلًا في الذكريات، كمحاربين قدماء يسترجعون ذكريات معارك الماضي. أكنُّ احترامًا كبيرًا لـ "شولتز"، لذلك سألته: "أخبرني يا "جورج"، إذا لم يكن ريجان رئيسًا، من كان بإمكانه لعب الدور الذي اضطلع به؟ فكّر "شولتز" للحظة، ثم قال: في هذا الوقت لم يكن هناك غيره. كانت شجاعة "ريجان" في أنه كرَّس فترة ولايته الأولى بأكملها لبناء أمريكا. وهكذا عادت أمريكا للحياة. لكن لاتخاذ هذه الخطوات الرامية لتطبيع العلاقات مع الاتحاد السوفييتي وتخفيض التسليح النووي، لم يكن هناك أحد آخر بإمكانه فعل ذلك".
أقول ذلك لأعطي الرجل ما يستحقه. لقد وجدتُ صعوبة في التعامل مع الرجل. التقينا للمرة الأولى عام 1985، وبعدما تكلمتُ معه سألني قومي عن انطباعي بشأنه فقلتُ لهم: "ديناصور حقيقي". أما ريجان فقال "جورباتشوف هو بلشفي عنيد".
(3)
العام الذي تغيــر فيـه العـالـــــــم فــعــلا
نيوزويك، 17 نوفمبر 2009
ماذا كان بالضبط المعنى التاريخي ليوم التاسع من نوفمبر 1989؟ تساؤل استهلت به مجلة نيوزويك الأمريكية موضوع غلافها الأخير، الذي كتبه "نيل فيرغسون"، الأستاذ بجامعة هارفارد، والزميل رفيع المستوى في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، والذي قضى الجزء الأكبر من صيف ذلك العام في برلين، لكنه شعر بالأسى والمرارة كثيرا لأنه لم يكن موجودا هناك للمشاركة في الحفل ليلة سقوط الجدار.
قد يبدو من الشاذ التشكيك في الأهمية التاريخية لانهيار الإمبراطورية السوفييتية في أوروبا الوسطى ثم انهيار الاتحاد السوفييتي في ذاته. أظن أن معظم الأمريكيين اليوم يتشاطرون المؤرخ في جامعة يـيل، "جون لويس جاديس"، نظرته بأن عام 1989 شهد نهاية الحرب الباردة المكللة بالنصر، وهو نصر حققه قبل كل شيء الرئيس "رونالد ريجان"، مع أنه حظي بمساعدة نبيلة من مارغريت تاتشر، على الرغم من تحفظاتها الشديدة بشأن النتائج غير المتوخاة لتوحيد ألمانيا. لكن بالنسبة إلى نصير الحركة التعديلية في جامعة برنستون، "ستيفن كوتكين"، فإن القصة الحقيقية لعام 1989 هي قصة ثورة زائفة وتهكمية من علٍ. فقد اعتبر كوتكين في كتابه (تفادي أرماجدون) أن أسعار النفط المرتفعة هي الوحيدة التي سمحت للإمبراطورية السوفييتية المفلسة بالبقاء على قيد الحياة في السبعينات من القرن الماضي. والآن، في كتابه التعقيبي الذي يهاجم فيه المعتقدات التقليدية بعنوان (مجتمع غير متمدن: 1989 وانفجار المؤسسة الشيوعية من الداخل)، يعتبر "كوتكين" أنه لم يكن للمعارضين في أوروبا الشرقية، وبدرجة أقل بكثير القادة الغربيين، أي دور في الانهيار السوفييتي. لا، لقد حطم "ميخائيل جورباتشوف" وإصلاحيون شيوعيون آخرون نظامهم الخاص، جزئيًا بسبب السذاجة، إنما أيضا بسبب رغبة تهكمية في الإمساك بالأصول القيمة القليلة التي يملكها النظام في ما أصبح احتيال القرن: خصخصة صناعة الطاقة الروسية. بالنسبة إلى الأشخاص الأكثر مكرًا في المناصب القيادية الأعلى، كان الطريق من جهاز الاستخبارات الروسية (كي جي بي) إلى رجال أعمال في شركة "غازبروم" قصيرا جدا، ولو كان ملتويا.
(4)
حالة انهيار

نيوستيتسمان، 12 نوفمبر 2009
مجلة نيوستيتسمان رأت أن "حالة انهيار" أصابت جهود أوباما في التوصل إلى حلٍّ للمعضلة الفلسطينية. باختصار لقد أثبت الرجل حتى الآن، وسيثبت أكثر مستقبلاً، أنه ابن الحزب الديمقراطي، وليس ابن أفريقيا أو حسين أوباما، وأنه ابن المؤسسة الأميركية الرأسمالية الإمبريالية العسكرية وليس ابن التغيير الذي وعد به.
مُنِح باراك أوباما جائزة نوبل للسلام لجهوده في تقوية "التعاون بين الشعوب"، رغم فشل جهوده في التقارب بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
منذ العام 2003 أخبرونا مرارًا بأن مبادئ "حل الدولتين" القائمة على ما يسمى بخارطة الطريق ستؤدي إلى تسوية سلمية في الشرق الأوسط. ومنذ تولي باراك أوباما منصب الولايات المتحدة منذ قرابة العام، أخبرونا أنه يُحَضِّر لتطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع.
حتى الآن يبدوا أوباما أبعد ما يكون عن تحقيق حل الدولتين، بل ربما تسهم فترته الرئاسية في تقويضه. إن اللجنة التي منحت أوباما جائزة نوبل للسلام عللت ذلك بـما أطلقت عليه "جهوده الاستثنائية لتقوية الدبلوماسية الدولية التعاون بين الشعوب". لكن هذه المحاولات لإجبار الإسرائيليين والفلسطينيين على عقد مفاوضات ذات معنى لم تُفضِ إلى لإظهار الاختلافات بينهما، وكيف تمخض تصور حل الدولتين عن لا شيء.
(5)
تحسين الرعاية الصحية

نيويورك تايمز، 8 نوفمبر 2009
مجلة نيويورك تايمز نشرت في صدر عددها الأخير لقاءً جمع بين مُعلقها "ديفيد ليونهارت"، و "برنت جيمس"، المدير التنفيذي لأبحاث توفير الرعاية الصحية في معهد إنترماونتن، ونائب رئيس الأبحاث والتعليم الطبي المُستمر.
خلال إحدى محادثاتنا الأولى، أخبرني "برنت جيمس" قصة ليس من الضروري أن تتوقع سماعها من طبيب. أوضح جيمس كيف أن الأطباء على مرِّ التاريخ ألحقوا الضرر بالبشرية أكثر مما جلبوا لها النفع. هذا الكلام صادر من أحد المسئولين عن مستشفيات وعيادات ولايتي "يوتاه" و إيداهو"، التي وصفها الرئيس أوباما وآخرون بأنها نموذجًا للإصلاح الصحي.
إن انتصار النظريات المجردة المتعلقة بالجراثيم والفيروسات التي بدأت تظهر في أواخر القرن التاسع عشر، تطلب نضالا. فالأطباء والعلماء الذين حاولوا الانقلاب على قرون من المعرفة البديهية قوبلوا حتمًا بالازدراء. ربما يقاوم بعض الأطباء التغيير، لكن أفضل ما يراهن عليه "جيمس" هو أن الغالبية لن تفعل. لقد أخبرني جيمس بأن من بين تحدياته الأولى، حينما يتحدث مع مجموعة جديدة من الأطباء، هوأن يقنعهم بأنه لا يتهم بالفشل. معظم الأطباء يرغبون في إنجاز أفضل ما يمكن لمرضاهم. ومعظمهم أيضًا لا يمتلكون القدرة على فعل ذلك الآن.
(6)
الثائر الأخير
نيوستيتسمان، 9 نوفمبر 2009
نجا من 600 محاولة اغتيال، ليصبح رمزًا عالميًا لمناهضة الرأسمالية. اعترفت أخته بالتجسس عليه، ولا يزال الحظر الأمريكي المفروض عليه قائمًا، وصحته في تدهور، ورغم ذلك كله لم يسقط بعد...
إنه فيدل كاسترو، رئيس كوبا الأسبق، والذي وصفته مجلة نيوستيتسمان بـ (الثائر الأخير).
في 11 فبراير عام 1981، كتب الرئيس "رونالد ريجان" في مذكراته: "التقارير الاستخباراتية تفيد بأن كاسترو منزعج مني... أنا منزعج للغاية لأننا لا نستطيع فعل شيء يبرر انزعاج الرجل". كان قلق ريجان هو قلق كل الرؤساء الأمريكيين منذ تولى فيدل كاسترو السلطة في كوبا عام 1959، وأقام دولة شيوعية لا تبعد شواطئها عن شواطئ ميامي سوى 90 ميلا. وردًا على ذلك فرضت أمريكا حظرًا تجاريًا على كوبا (لا يزال قائمًا حتى اليوم). وهكذا بدأ أطول مأزق سياسي في التاريخ الحديث.
الأحداث الأخيرة تذكرنا كم هو ضئيل هذا التغيير الذي حصل بين البلدين حتى الآن. بداية: كشفت "جوانيتا كاسترو"، الأخت الصغرى لـ فيدل وراؤول كاسترو، أنها كانت تعمل لحساب وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) قبل أن تَفرَّ إلى المكسيك عام 1964. بعدها، وتحديدًا في 28 من أكتوبر، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كاسحة لصالح حث الولايات المتحدة على رفع حظر اقتصادي دام قرابة نصف قرن ضد كوبا. لكن واشنطن اختارت تجاهل ذلك مرة أخرى. ويعتقد البعض أن "جوانيتا" اختارت هذا التوقيت رغبةً في التأثير على التصويت (الأممي)، لأنها كانت تخشى أن يمتد وعد الرئيس أوباما ببسط يد الصداقة لأعداء أمريكا في الماضي ليشمل كوبا.
حتى الآن، يبدوا ذلك بعيدًا. لكن إذا بدأ الجليد يذوب بين كوبا وأمريكا خلال فترة أوباما الرئاسية، سيكون فيدل كاسترو قد نجح –إذا مازال حيًا- في التغلب على كافة المحاولات الأمريكية لتدميره.
(7)
فيس بوك العرب
المجلة، 14 نوفمبر 2009
يقدم الواقع الافتراضي فرصًا جديدة للتعبير والتواصل السياسي. وأسباب انتقال المنتدى السياسي إلى الإنترنت واضحة. ففي كل دول الشرق تقريبًا، ثمة قبضة قوية تفرضها الدولة على وسائل الإعلام مما يؤدي إلى تضييق الخناق على حرية التعبير. وفي هذا السياق ترى مجلة "المجلة" أن فضاء الانترنت يقدم منصة للتعبير عن الرأي تتميز بأنها في متناول الجميع ويسهل الوصول إليها كما يغلب عليها طابع غير شخصي بدرجة تفوق نظيراتها في الفضاء الأرضي.
حينما وضع وزير الإعلام السعودي ملفه الخاص على الفيس بوك، قام بزيارته أكثر من خمسة آلاف صديق. هذا مجرد نموذج واحد يكشف التزايد المطَّرد في الاتصال عبر الإنترنت في السعودية بعدما نجحت هذه الشبكة العنكبوتية في فرض نفسها ولا يقتصر هذا الأمر علي السعودية وحدها وإنما في منطقة الشرق الأوسط كلها.ففي مصر أصبح الفيس بوك لاعبًا أساسيًا في الساحة السياسية. ويكفي أن جمال مبارك، الذي تعتبره المعارضة المصرية أحد المرشحين المحتملين للرئاسة مستقبلا، لم يكتفي بجولاته الدائمة إلي المحافظات ولجأ إلي الفيس بوك للتواصل مع الشباب من خلال موقعه الذي أطلق عليه اسم "شارك". ونظَّم عبره حواريين أجاب خلالهما علي عدة أسئلة وهو ما فسره معارضوه بأنه محاولة للوصول إلي أصوات مؤيدة له عبر الشبكة. وخلال الصيف الماضي، وجدت الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الإيرانية آذانا صاغية على الصعيد العالمي من خلال نداءات قصيرة على الشبكة لا يتجاوز الواحد منها 140 كلمة. وكما توضح هذه المشاهد، فإن العالم الافتراضي يقدم فرصًا جديدة للتعبير والاتصال السياسي. وفي كل ربوع المنطقة، تواصل كتائب المدونين التعبير عن نفسها بقوة غير مسبوقة. وأصبح لعامة الناس كلمتهم عبر غرف الدردشة والمنتديات ومواقع الصحف الإلكترونية.
عندما بدأت الإنترنت الظهور في الشرق الأوسط في أواخر التسعينيات، علق البعض آمالًا عريضة على إمكانية أن يكون ذلك إيذانًا بميلاد وطن عربي أكثر ديمقراطية. وبالتأكيد لعبت الإنترنت دورًا حيويًا في أوقات اشتداد الأزمات السياسية. ورغم ذلك –تقول المجلة- لم تتغير كثيرًا الهياكل السياسية في معظم الدول العربية، مما حدا بالبعض إلى التأكيد علي أن هذه الوسيلة الجديدة كان تأثيرها ضئيلا.
يقول رامي خوري، المحرر المستقل بمجلة بيروت "دايلي ستار"، ومدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشئون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت: "بينما تغير المشهد الإعلامي، وأصبحت وجهات النظر الممنوعة فيما قبل متاحة، فإن القدر الأكبر من المعلومات لم يترجم إلى ممارسة سياسية عملية في الواقع لأن المؤسسات الرسمية السياسية لم تتغير". ويضيف خوري: "يمكنك الحصول على المعلومات، ولكن لا يمكنك فعل أي شيء بها. فلا يمكنك تغيير الحكومة.... لذلك يعد الأثر النهائي ضئيلًا للغاية".
ويوافق بول سالم, مدير مركز كارنيجي الشرق الأوسط في بيروت قائلا: "من المغرب حتى اليمن كان للإنترنت تأثير على الطريقة التي يمارس بها الناس، وخاصة الشباب، السياسة والتعبئة. وتعتبر الانترنت جزءًا من المشهد الجديد بالتأكيد".
ولكن بالنسبة للتأثير على المشهد السياسي ككل، "فمن الصعب الحكم على ذلك". ويقول حلمي نعمان، وهو باحث في مبادرة الشبكة المفتوحة، وهى شراكة تعاونية بين العديد من الجامعات التي تتولى متابعة الإنترنت والرقابة عليها: "أضفَى الإنترنت طابعًا ديمقراطيًا على الوصول إلى المعلومات، لكنه لم يُضِف الديمقراطية على أي نظام". وهناك أسباب عديدة لذلك. فعلى عكس التليفزيون والصحف، تتطلب الإنترنت جهدًا نشطًا من المستخدمين. يقول خورى:"عليك أن تذهب وتحصل على المعلومات، ويجب أن يكون متاحًا لك إمكانية الوصول إليها أيضا." و هذا ليس متيسر بشكل كبير. أضف إلى ذلك سعى الحكومات الحثيث للسيطرة علي الإنترنت. فوفقًا لمبادرة الشبكة المفتوحة، تعد منطقة الشرق الأوسط "واحدة من أكثر مناطق العالم تعرضًا للرقابة المشددة", حيث تزيد الحكومات من "نطاق وعمق" عمليات تصفية وحجب مواقع الشبكة.
(8)
الإعلام المكتوب يواجه خطر الانقراض
المشاهد السياسي، 8-14 نوفمبر 2009
منذ العام ٢٠٠٤ فقدت الصحافة المكتوبة بين ١٠ و٤٠ في المائة من قرّائها، كما فقدت نسبة مماثلة من مردودها الإعلاني، والأرقام الأخيرة تشير إلى أن الهبوط متواصل.
وربما أصابت مجلة المشاهد السياسي إذْ قالت إن مغناطيس الإنترنت يمتصّ قرّاء الصحف الورقيّة، فمؤسساتٌ كبيرة تتهاوى، وأخرى تلجأ إلى التوزيع المجاني لاستعادة جزء من قرّائها، وحسابات الأمس في هذا القطاع الإعلامي، والتي امتدت على مدى قرن كامل تقريبًا، لم تعد تصلح لإدارة المستقبل.
قبل عامين احتفل العالم بذكرى مرور ٤٠٠ عام على ولادة أول صحيفة في التاريخ (وهي صحيفة ريلايشن) التي طُبِعت لأول مرة في مدينة ستراسبورج الفرنسية، وكان ثمة سؤال يحوم فوق رؤوس المحتفلين: هل الصحافة المكتوبة على وشك الانقراض؟
هذا السؤال كان كئيبا بما فيه الكفاية للقرّاء الذين يقيمون عادة علاقة وجدانيّة قويّة بصحفهم ومجلاّتهم المكتوبة. ومع ذلك، المسألة كانت مطروحة بقوّة بفعل الحصار الشامل الذي تتعرّض له الكلمة المكتوبة على يد الكلمة الرقميّة والصورة المرئيّة، وقريباً على يد الخدمات الإعلامية على الهواتف المحمولة. وهذا ما دفع برئيس تحرير "نيويورك تايمز" آرثر سولزبرجر، إلى الاعتراف أخيرا بأن "ثمّة قوّة لا ترحم تدفع باتجاه مستقبل رقمي على حساب الحاضر المكتوب". كما أن هذا أيضا دفع بكبريات الصحف الأوروبية، وفي مقدّمها "الجارديان" و"التايمز" و"الإندبندنت" في بريطانيا، و"داي فيلت" في ألمانيا، و"وول ستريت" جورنال في أميركا، إلى الانتقال من الحجم الكبير (برود شيت) إلى حجم التابلويد الصغير، بهدف وقف انحدار المبيعات وللوصول إلى قرّاء الجيل الجديد الذين يحبّذون الحجم الصغير والاختصار والسرعة.
بالطبع، ليست الصورة داكنة إلى هذا الحد (ليس بعدُ على الأقلّ)، فأرقام "المنظّمة العالمية للصحف"، التي عقدت أخيرا مؤتمرها السنوي الـ٥٨ في سيول في حضور ١٣٠٠ ناشر ورئيس تحرير، أشارت إلى أن مبيعات الصحف في العام الماضي ارتفعت بنسبة ٢ في المئة وبلغت نحو ٤٠٠ مليون نسخة في اليوم، كما ازدادت عائدات الإعلانات بأكثر من ٥ في المئة.
ترى المجلة أن القارئ يعيش زمنا جديدا هو زمن الفضائيات والإنترنت والهاتف المحمول، وحكم الإعدام صدر في حق صحافة الحبر والورق، مع وقف التنفيذ... أو برمجته على مراحل زمنية متقاربة. فما الذي تبدّل في المشهد الإعلامي؟
هناك حقيقة حاسمة لا يمكن التنكّر لها، خلاصتها أن ١.٦ مليار إنسان في العالم باتوا يستخدمون الإنترنت كوسيلة بحث عن المعلومة التي يسعون إليها، وأن هناك جيلا كاملا من القرّاء الجدد بات ينفر من الصحافة المكتوبة، وبصورة خاصة الشبّان الذين تراوح أعمارهم بين ١٨ و٢٥ سنة، وبصورة أقلّ الفئات العمرية الباقية. هذا الجيل بات يرفض الكمّ الهائل من الأخبار والتحقيقات والصور التي تنشرها الصحف المطبوعة، وسعى إلى المعلومة التي يريدها، في الوقت (أو اللحظة) الذي يريده على الشبكة العنكبوتية.
ويتبيـّن من الدراسة التي أجرتها جمعية الأبحاث والدراسات السويسرية، أن الشباب يقصدون الصحف التقليدية عند سعيهم إلى الحصول على معلومات أساسية (لكن في مرتبة ثانية بعد الإنترنت وقبل التلفزيون) ومعرفة الأخبار الوطنية والدولية. وقد سـُئل هؤلاء الشباب أيضاً عن نيّاتهم المُستقبلية، فكان ردّهم غير مفاجئ، إذ أكدوا أنهم يريدون استخدام الإنترنت أكثر.
No comments:
Post a Comment