
فرانت لاين، 24 أكتوبر 2008
ترجمة/ علاء البشبيشي
ترجمة/ علاء البشبيشي
(باستخدام طن من القنابل الموجهة قتلت القوات الأمريكية ورفقاؤهم في الناتو من المدنيين الأفغان 10 أضعاف ما قتلوا من الصرب عام 1999. لكن حياة المواطن الأفغاني بمقاييس هؤلاء تساوي عُشر حياة ثعلب ألاسكا البحري).. كلام موجع لكنه واقعي، استهلت به مجلة "فرانت لاين" موضوع غلافها الأخير، والذي خصصته للحديث عن آلاف المدنيين الأفغان الذين لقوا حتفهم، ولا يزالون، على يد قوات الاحتلال، التي يسميها البعض زورًا "قوات التحالف"، من باب (نحن لا نكذب ولكن نتجمل).
إنها مأساة لن يضمن حتى انتخاب أوباما وضع حد لها، خاصة بعد تعهده الأخير بضرورة زيادة عدد القوات الأميركية وقوات حلف الناتو في أفغانستان، لأنه كان ولا يزال يعتبر أن أفغانستان وليس العراق (كما يدعي الرئيس بوش والسيناتور ماكين) هي "الجبهة المركزية" لما يُسمى بـ (الحرب ضد الإرهاب).
كان أوباما يرنو ببصره إلى كسب موقف سياسي حينما صرح بأنه سيرفع عدد قوات بلاده في أفغانستان إلى حدود الثلث على الأقل، وسيسمح للقوات الأمريكية/ الناتو بالاشتراك في عمليات المطاردة داخل مناطق القبائل الباكستانية، وزيادة عمليات القصف ونشاط القوات الخاصة داخل باكستان، مصرحًا بأنها حرب على الإرهاب، ومؤكدًا أن أمريكا ينبغي أن تنتصر، بل يجب عليها ذلك.
لقد بدا الرجل جاهلا تماما أن قومية الباشتون - أو طالبان- والقاعدة شيئان مختلفان.
وبينما تنفق الولايات المتحدة في الوقت الراهن 100 مليون دولار يوميا في أفغانستان، فإن المساعدات التي قدمها المانحون منذ عام 2001 لتلك البلاد لم تتعد عُشر ذلك. بكلمات أخرى يمكننا القول: إن الجهد الذي يُبذل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية داخل أفغانستان هو في أحسن الأحوال على هامش الاهتمام، بل إن كثيرين يشيرون إلى عدم فاعلية تلك المساعدات.
وبتحليل دقيق للأموال التي أنفقتها الولايات المتحدة في ثماني مدن أفغانية يتضح أن أمريكا أنفقت على حادثة التسرب في ناقلة النفط العملاقة إكسون فالديز أكثر عشر مرات مما دفعته للعائلات الأفغانية التي قُتل بعض أفرادها على يد قوات الاحتلال الأمريكية.
وهو الأمر الذي تؤكده الأرقام الرسمية التي تقول: إن كل دولار واحد يُنفق في إطار ما يُسمى بإعادة الإعمار يقابله 10 دولارات تُنفق على تحقيق أهداف جيوسياسية تصب في مصلحة أمريكا.
مع استعادة طالبان بسط بعض نفوذها على الأرض في أفغانستان، وتكثيف ضرباتها الموجعة ضد قوات الاحتلال، تتزايد مطالب القوات البرية الأميركية بالدعم الجوي والهجمات بالقنابل. المشكلة تكمن في أن تلك الضربات الجوية أشد فتكا بالمدنيين الأفغان من الهجمات البرية، خاصة وأن ضحايا النوع الأول من الضربات لا يفرق بين المرأة والطفل الرضيع والشيخ المسن.
لقد أضحى الشعب الأفغاني الآن بين خيارين أحلاهما علقم؛ إما أن يموت بقصف صاروخي، أو برصاصة في إحدى المداهمات، وربما يطرح المستقبل القريب خيارًا ثالثًا أشد إيلامًا!
صحيح أن الاعتماد على الهجمات الجوية التي تقوم بها "قوات الخدمات الخاصة" البريطانية (ساس) تحافظ على حياة طياريّي أمريكا وجنود مشاتها، إلا أن ضحاياها من المدنيين الأفغان أكثر بكثير من ضحايا العمليات البرية.
هؤلاء الضحايا لم تنجح منظمة هيومان رايتس ووتش إلا في توثيق 50% فقط منهم، فيما لم تسجل وكالة ذي أسوشييتد برس سوى 33% .
إن القارئ لأحداث ما بعد الحادي عشر من سبتمبر يَخلُص إلى أن التقارير التي تتحدث عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين الأفغان بسبب القصف الجوي الغربي، أشعلت روح المقاومة في نفوس المسلمين، والخطوة التالية ربما تكون تجاهل تلك التقارير المفصلة أو التقليل من شأنها أو إسكاتها، وهو الأمرالذي تقوم به أمريكا الآن بالفعل.
للأسف، نحن نعيش في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، الذي تسود فيه ثقافة تكميم الأفواه، وهو الأمر الذي يستدعي للأذهان حادث استهداف مكتب قناة الجزيرة في كابل في الثاني عشر من نوفمبر من العام 2001.
وهاهو البنتاجون وأبواقه الإعلامية من خلفه يعملون على قلب الحقائق، فبضغطة زر على لوحة المفاتيح يتحول الضحايا المدنيون إلى "ميليشيات" أو "متمردين"!
كما تعمل الآن وسائل الإعلام وعلى رأسها "ذي أسوشييتد برس" على تسليط الضوء التفصيلي على المدنيين الذين يسقطون نتيجة هجمات طالبان، حتى أنها توثق ذلك بالصور، في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن الضحايا المدنيين للهجمات الجوية لقوات الناتو، وبالطبع لا تنشر لهم صورًا.
أما الذرائع التي تتخذها القوات الأمريكية والناتو وأذنابهما لتبرير مقتل هؤلاء المدنيين في الغارات الجوية، فذريعتان، الأولى: أن يقولوا إننا لم نتعمد أبدا استهداف المدنيين، ويردفون بالإعراب عن أسفهم لذلك. أما الذريعة الأخرى فتتلخص في التأكيد على أن طالبان ومن خلفهم من المقاتلين العرب والمسلمين يستعملون المدنيين كدروع بشرية!