
نيوزويك، 23 ديسمبر 2008
"حتى تريليونات الدولارات التي أُنفِقت إلى الآن لا تبطِّئ الانهيار السريع للاقتصاد العالمي. الحل يكمن في إنفاق تريليونات إضافية وبصورة سريعة".. حقيقة مُرَّة رصدتها مجلة نيوزويك، في معرض حديثها عن جهود الإنقاذ المالي، التي بات واضحًا بشكل مخيف أنها غير مجدية على الإطلاق.ورغم عمل المسؤولين المنهكين على مدار الساعة في عدد من القارات، يبدو أن العلاجات التي توصلوا إليها لا زالت غير شافية.نحن على شفير كارثة تفوق بكثير انهيار النظام المصرفي وتفاقم الركود العالمي، وقد تؤدي إلى نزاعات حادة وعدم استقرار سياسي. رِدة الفعل المطلوبة هي خطة إنقاذ عالمية أشمل وأكبر مما رأيناه حتى الآن، تجعل الحكومات تستبق العدوى بدلا من أن تكون دائما متخلفة عنها، نحتاج باختصار إلى خطة ضخمة وواسعة النطاق بما يكفي لإعادة ترسيخ الثقة.لا يمكن لأحد أن يتهم الحكومات بأنها تتلكأ. في الولايات المتحدة، أعد بن برنانكي، وهانك بولسون سلسلة من إجراءات الإنقاذ تخطت الـ12خطة حتى الآن هذا العام، بدءا من خطتي إنقاذ شركتي "فاني ماي" و"فريدي ماك" البالغة كلفتهما 200 مليار دولار، وصولا إلى ضمان القروض بين البنوك بقيمة 1.4 تريليون دولار. لكن هذه هي المشكلة بالتحديد. وتبعا للطريقة التي تجمع بها هذه الإجراءات، فإن المجموع يصل إلى نحو ثمانية تريليونات دولار، وهو رقم يشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. ووفقا لباري ريتهولتز، مؤلف كتاب (بلد خطط الإنقاذ) الذي سيصدر قريبا، فإن هذا المجموع يفوق مجمل المشاريع الفيدرالية الأساسية في الولايات المتحدة خلال القرن الماضي، بما في ذلك غزو العراق والخطة الاقتصادية الجديدة وخطة مارشال لإنقاذ أوروبا بعد الحرب. في الواقع، إنه يتخطى المجموع الذي أنفقته الولايات المتحدة على الحرب العالمية الثانية، أي 3.6 تريليون بحسب قيمة الدولار الحالية.الجهود الأوروبية المشتركة كانت جريئة بالقدر نفسه. وبحسب دراسة جديدة أجرتها شركة "إندبندنت ستراتيجي" في لندن، فإن مجموع ما أنفقته الاقتصادات الأوروبية التسعة الأهم على عدة خطوات تهدف فقط إلى دعم البنوك المتزعزعة بلغ 3.36 تريليون دولار، مقارنة بـ3.35 تريليون دولار في الولايات المتحدة. وفي حين أن الخطة التحفيزية التي قدمتها إدارة بوش في شهر مارس وصلت قيمتها إلى 1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، اعتمدت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من البلدان الأوروبية خططا تحفيزية أكبر نسبيا. وقامت معظم البنوك المركزية في العالم بتخفيض معدلات الفائدة بسرعة وإلى حد كبير، لدرجة أن البنوك لم تعد قادرة على استعمال هذا السلاح التقليدي لتحفيز اقتصادات بلادها.وترى المجلة أن المزيد من المحاولات الجزئية، لن يكون مجديا لإنقاذ الوضع، وأن عشرات المليارات من الدولارات التي تخصصها السلطات الأمريكية والأوروبية لشركات صنع السيارات لن تسمن أو تغني من جوع، لأن الخبراء يقولون: إن شركات تصنيع السيارات في ديترويت بصورة خاصة تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات!الوضع الاقتصادي يزداد سوءًا على سوء؛ فصعوبة الحصول على قروض تُبطئ النمو، مما يزيد من معدل البطالة ويحد من ثقة المستهلكين والمستثمرين، وكل هذا بدوره يجعل البنوك تتوخى الحذر، وتفرض شروطا أكثر صعوبة قبل منح القروض. في هذه الدوامة المتشابكة التي تزداد هبوطا، تشير كل البيانات إلى أن الأزمة تتفاقم بوتيرة غير مسبوقة.يبدو الآن أن موسم عيد الميلاد سيكون الأسوأ منذ عام 1991 بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، الذي ينكمش بنسبة سنوية تقارب الـ3 بالمائة. وصندوق النقد الدولي يستمر في تخفيض توقعاته للاقتصاد العالمي، وهو يتوقع الآن أن يشهد عام 2009 نموا بنسبة 2.2 بالمائة، بعدما كان يتعدى الـ5 بالمائة خلال السنوات الأربع الماضية، وألا تشهد البلدان الغنية أي نمو، وأن تنمو الأسواق النامية - بما فيها الصين - بوتيرة أبطأ بكثير من ذي قبل. وفيما يتعلق بالاقتصاد العالمي، يرى معظم الخبراء أن نموًا عالميا بنسبة تقل عن 2 بالمائة يشكل انكماشا عالميا؛ لأن البلدان الفقيرة بحاجة إلى بعض النمو لاستحداث الوظائف لمواطنيها الذين تتزايد أعدادهم. وقد ضم البنك الدولي صوته إلى أصوات الذين يتوقعون حصول ركود عالمي، متوقعًا ألا تتجاوز نسبة النمو 1 بالمائة عام 2009، وأن تشهد البلدان النامية أكبر انكماش لها منذ الركود الكبير.إحدى المشاكل الكبرى التي تعانيها الأسواق العالمية الآن هي عدم معرفة أي شخص المدى الذي ستقودنا إليه الأزمة الراهنة. هل ستكون النتيجة سيطرة الحكومة على الأسواق، واعتماد نظام رأسمالي حكومي كما في الصين بدلا من نظام أسواق حرة على الطراز الأمريكي (كما كانت الأسواق قبل عام على الأقل)؟. هل سيقتصر النظام المالي بكامله تقريبا على بنوك تجارية ضخمة تتجنب المخاطر؟ أو هل سيبقى هناك مكان لمؤسسات مستعدة للمخاطرة بتمويل الابتكارات العظيمة في المستقبل؟ وعندما يهدأ الوضع، هل سيكون هناك سلطة أو هيئة تنظيمية مالية عالمية جديدة؟.في ظروف عادية، قد يكفي ترك السوق لتعمل وحدها على تسوية هذه المسائل. لكننا لا نشهد أوقاتا عادية. الغموض هو عدو الاستقرار والنمو. والحكومات -شئنا أم أبينا- هي التي تقود العملية.